للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ) , عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (" كِيلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ (١)) (٢) (فَإِنَّ الْبَرَكَةَ فِي الطَّعَامِ المَكِيلِ ") (٣)


(١) قَالَ اِبْن بَطَّالٍ: الْكَيْلُ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ فِيمَا يُنْفِقُهُ الْمَرْء عَلَى عِيَالِهِ، وَمَعْنَى الْحَدِيث أَخْرِجُوا بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ يَبْلُغْكُمْ إِلَى الْمُدَّةِ الَّتِي قَدَّرْتُمْ، مَعَ مَا وَضَعَ اللهُ مِنْ الْبَرَكَةِ فِي مُدِّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِدَعْوَتِهِ - صلى الله عليه وسلم -.
وَقَالَ اِبْن الْجَوْزِيِّ: يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْبَرَكَةُ لِلتَّسْمِيَةِ عَلَيْهِ عِنْد الْكَيْل , وَقَالَ الْمُهَلَّب: لَيْسَ بَيْن هَذَا الْحَدِيث وَحَدِيث عَائِشَة " كَانَ عِنْدِي شَطْرُ شَعِيرٍ آكُلُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ فَكِلْته فَفَنِيَ " لِأَنَّ مَعْنَى حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا كَانَتْ تُخْرِجُ قُوَّتَهَا - وَهُوَ شَيْءٌ يَسِيرٌ - بِغَيْرِ كَيْلٍ فَبُورِكَ لَهَا فِيهِ مَعَ بَرَكَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم , فَلَمَّا كَالَتْهُ عَلِمَتْ الْمُدَّةَ الَّتِي يَبْلُغُ إِلَيْهَا عِنْدَ اِنْقِضَائِهَا. أ. هـ وَهُوَ صَرْفٌ لِمَا يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ مِنْ مَعْنَى الْبَرَكَة، وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: لَمَّا أَمَرَتْ عَائِشَةُ بِكَيْلِ الطَّعَامِ نَاظِرَةً إِلَى مُقْتَضَى الْعَادَةِ غَافِلَةً عَنْ طَلَبِ الْبَرَكَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ رُدَّتْ إِلَى مُقْتَضَى الْعَادَةِ. أ. هـ
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ حَدِيثَ أَبِي أَيُّوبَ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّعَام الَّذِي يُشْتَرَى، فَالْبَرَكَة تَحْصُلُ فِيهِ بِالْكَيْلِ لِامْتِثَالِ أَمْر الشَّارِع، وَإِذَا لَمْ يَمْتَثِلْ الْأَمْرَ فِيهِ بِالِاكْتِيَالِ نُزِعَتْ مِنْهُ لِشُؤْمِ الْعِصْيَانِ، وَحَدِيث عَائِشَة مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا كَالَتْهُ لِلِاخْتِبَارِ , فَلِذَلِكَ دَخَلَهُ النَّقْص، وَهُوَ شَبِيهٌ بِقَوْلِ أَبِي رَافِع لَمَّا قَالَ لَهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الثَّالِثَة " نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ، قَالَ: وَهَلْ لِلشَّاةِ إِلَّا ذِرَاعَانِ فَقَالَ: " لَوْ لَمْ تَقُلْ هَذَا لَنَاوَلْتنِي مَا دُمْت أَطْلُبُ مِنْك " , فَخَرَجَ مِنْ شُؤْمِ الْمُعَارَضَةِ اِنْتِزَاعُ الْبَرَكَةِ، وَيَشْهَدُ لِمَا قُلْته حَدِيث " لَا تُحْصِي فَيُحْصِي الله عَلَيْك " , وَالْحَاصِل أَنَّ الْكَيْلَ بِمُجَرَّدِهِ لَا تَحْصُلُ بِهِ الْبَرَكَة مَا لَمْ يَنْضَمَّ إِلَيْهِ أَمْرٌ آخَرُ , وَهُوَ اِمْتِثَالُ الْأَمْرِ فِيمَا يُشْرَعُ فِيهِ الْكَيْلُ، وَلَا تُنْزَعُ الْبَرَكَةُ مِنْ الْمَكِيل بِمُجَرَّدِ الْكَيْلِ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إِلَيْهِ أَمْرٌ آخَرُ كَالْمُعَارَضَةِ وَالِاخْتِبَارِ وَاللهُ أَعْلَمُ , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَى قَوْله " كِيلُوا طَعَامَكُمْ " أَيْ إِذَا اِدَّخَرْتُمُوهُ طَالِبِينَ مِنْ الله الْبَرَكَةَ وَاثِقِينَ بِالْإِجَابَةِ، فَكَانَ مَنْ كَالَهُ بَعْد ذَلِكَ إِنَّمَا يَكِيلُهُ لِيَتَعَرَّفَ مِقْدَارَهُ , فَيَكُونُ ذَلِكَ شَكًّا فِي الْإِجَابَةِ فَيُعَاقَبُ بِسُرْعَةِ نَفَادِهِ، قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ. وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون الْبَرَكَةُ الَّتِي تَحْصُلُ بِالْكَيْلِ بِسَبَبِ السَّلَامَةِ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بِالْخَادِمِ , لِأَنَّهُ إِذَا أَخْرَجَ بِغَيْرِ حِسَابٍ قَدْ يُفْرِغُ مَا يُخْرِجُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ , فَيَتَّهِمُ مَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَهُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ، وَقَدْ يَكُون بَرِيئًا، وَإِذَا كَالَهُ أَمِنَ مِنْ ذَلِكَ وَالله أَعْلَم فتح الباري (ج ٦ / ص ٤٥٢)
(٢) (خ) ٢٠٢١ , (جة) ٢٢٣٢ , (حم) ١٧٢١٦ , (حب) ٤٩١٨
(٣) صَحِيح الْجَامِع: ٤٥٩٩