للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(خ مالك) , وَعَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ يُدْعَى هُنَيًّا عَلَى الْحِمَى (١) فَقَالَ: يَا هُنَيُّ , اضْمُمْ جَنَاحَكَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ (٢) وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ , فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ , وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ (٣) وَإِيَّايَ وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ (٤) فَإِنَّهُمَا إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَانِ إِلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ , وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَأتِنِي بِبَنِيهِ فَيَقُولُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (٥) أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا لَا أَبَا لَكَ (٦)؟ , فَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ , وَايْمُ اللهِ (٧) إِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّي قَدْ ظَلَمْتُهُمْ (٨) إِنَّهَا لَبِلَادُهُمْ , فَقَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ , وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ , وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ , لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللهِ (٩) مَا حَمَيْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِهِمْ شِبْرًا. (١٠)


(١) بَيْن اِبْن سَعْد مِنْ طَرِيق عُمَيْر بْن هُنَيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى حِمَى الرِّبْذَة. فتح الباري (ج ٩ / ص ٢٩٧)
(٢) أَيْ: اُكْفُفْ يَدك عَنْ ظُلْمهمْ، وَفِي رِوَايَة مَعْن بْن عِيسَى عَنْ مَالِك عِنْد الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الْغَرَائِب: " اُضْمُمْ جَنَاحك لِلنَّاسِ " وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَاهُ اُسْتُرْهُمْ بِجَنَاحِك، وَهُوَ كِنَايَة عَنْ الرَّحْمَة وَالشَّفَقَة. فتح الباري (ج ٩ / ص ٢٩٧)
(٣) الصُّرَيْمَة وَكَذَا الْغَنِيمَة: صَاحِب الْقِطْعَة الْقَلِيلَة مِنْ الْإِبِل وَالْغَنَم، وَمُتَعَلِّق الْإِدْخَال مَحْذُوف وَالْمُرَاد الْمَرْعَى. فتح الباري (ج ٩ / ص ٢٩٧)
(٤) خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ عَلَى طَرِيق الْمِثَال لِكَثْرَةِ نِعَمهمَا لِأَنَّهُمَا كَانَا مِنْ مَيَاسِير الصَّحَابَة، وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ مَنْعهمَا الْبَتَّة، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَسْعَ الْمَرْعَى إِلَّا نِعَم أَحَد الْفَرِيقَيْنِ فَنِعَم الْمُقِلِّينَ أَوْلَى، فَنَهَاهُ عَنْ إِيثَارهمَا عَلَى غَيْرهمَا أَوْ تَقْدِيمهمَا قَبْل غَيْرهمَا، وَقَدْ بَيَّنَ حِكْمَة ذَلِكَ فِي نَفْس الْخَبَر. فتح الباري (ج ٩ / ص ٢٩٧)
(٥) التَّقْدِير: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أَنَا فَقِير. فتح الباري (ج ٩ / ص ٢٩٧)
(٦) الْحَاصِل أَنَّهُمْ لَوْ مُنِعُوا مِنْ الْمَاء وَالْكَلَأ لَهَلَكَتْ مَوَاشِيهمْ , فَاحْتَاجَ إِلَى تَعْوِيضهمْ بِصَرْفِ الذَّهَب وَالْفِضَّة لَهُمْ لِسَدِّ خُلَّتهمْ، وَرُبَّمَا عَارَضَ ذَلِكَ الِاحْتِيَاج إِلَى النَّقْد فِي صَرْفه فِي مَهَمٍّ آخَر. فتح الباري (ج ٩ / ص ٢٩٧)
(٧) أي: وَاللهِ.
(٨) قَالَ اِبْن التِّين: يُرِيد أَرْبَاب الْمَوَاشِي الْكَثِيرَة، كَذَا قَالَ، وَالَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّهُ أَرَادَ أَرْبَاب الْمَوَاشِي الْقَلِيلَة , لِأَنَّهُمْ الْمُعْظَم وَالْأَكْثَر , وَهُمْ أَهْل تِلْكَ الْبِلَاد مِنْ بِوَادِي الْمَدِينَة، وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْل عُمَر " إِنَّهَا لَبِلَادهمْ " , وَإِنَّمَا سَاغَ لِعُمَر ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مَوَاتًا فَحَمَاهُ لِنَعَمِ الصَّدَقَة لِمَصْلَحَةِ عُمُوم الْمُسْلِمِينَ , وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي " غَرَائِب مَالِك " عَنْ عَبْد الله بْن الزُّبَيْر " أَنَّ عُمَر أَتَاهُ رَجُل مِنْ أَهْل الْبَادِيَة فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , بِلَادُنَا قَاتَلْنَا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة وَأَسْلَمْنَا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَام، ثُمَّ تُحْمَى عَلَيْنَا؟ , فَجَعَلَ عُمَر يَنْفُخ وَيَفْتِل شَارِبه , فَلَمَّا رَأَى الرَّجُل ذَلِكَ أَلَحَّ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَكْثَر عَلَيْهِ قَالَ: الْمَال مَال الله , وَالْعِبَاد عِبَاد الله، مَا أَنَا بِفَاعِل " وَقَالَ ابْن الْمُنِير: لَمْ يَدْخُل اِبْن عَفَّانَ وَلَا اِبْن عَوْف فِي قَوْله " قَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة " , فَالْكَلَام عَائِد عَلَى عُمُوم أَهْل الْمَدِينَة لَا عَلَيْهِمَا وَالله أَعْلَم.
وَقَالَ الْمُهَلَّب: إِنَّمَا قَالَ عُمَر ذَلِكَ لِأَنَّ أَهْل الْمَدِينَة أَسْلَمُوا عَفْوًا , وَكَانَتْ أَمْوَالهمْ لَهُمْ، وَلِهَذَا سَاوَمَ بَنِي النَّجَّار بِمَكَانِ مَسْجِده، قَالَ: فَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْل الصُّلْح فَهُوَ أَحَقّ بِأَرْضِهِ، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْل الْعَنْوَة فَأَرْضه فَيْء لِلْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ أَهْل الْعَنْوَة غُلِبُوا عَلَى بِلَادهمْ كَمَا غُلِبُوا عَلَى أَمْوَالهمْ بِخِلَافِ أَهْل الصُّلْح فِي ذَلِكَ. وَفِي نَقْل الِاتِّفَاق نَظَر لِمَا بَيَّنَّا أَوَّل الْبَاب، وَهُوَ وَمَنْ بَعْده حَمَلُوا الْأَرْض عَلَى أَرْض أَهْل الْمَدِينَة الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلهَا عَلَيْهَا وَهِيَ فِي مِلْكهمْ، وَلَيْسَ الْمُرَاد ذَلِكَ هُنَا، وَإِنَّمَا حَمَى عَمَر بَعْض الْمَوَات مِمَّا فِيهِ نَبَات مِنْ غَيْر مُعَالَجَة أَحَد وَخَصَّ إِبِل الصَّدَقَة وَخُيُول الْمُجَاهِدِينَ، وَأَذِنَ لِمَنْ كَانَ مُقِلًّا أَن يَرْعَى فِيهِ مَوَاشِيَه رِفْقًا بِهِ، فَلَا حُجَّة فِيهِ لِلْمُخَالِفِ. فَقَوْله " يَرَوْنَ أَنِّي ظَلَمْتُهُمْ " أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَوْلَى بِهِ؛ لَا أَنَّهُمْ مُنِعُوا حَقّهمْ الْوَاجِب لَهُمْ. فتح الباري (ج ٩ / ص ٢٩٧)
(٩) أَيْ: مِنْ الْإِبِل الَّتِي كَانَ يَحْمِل عَلَيْهَا مَنْ لَا يَجِد مَا يَرْكَب، وَجَاءَ عَنْ مَالِك أَنَّ عِدَّة مَا كَانَ فِي الْحِمَى فِي عَهْد عُمَر بَلَغَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ إِبِل وَخَيْل وَغَيْرهَا، وَفِي الْحَدِيث مَا كَانَ فِيهِ عُمَر مِنْ الْقُوَّة وَجَوْدَة النَّظَر وَالشَّفَقَة عَلَى الْمُسْلِمِينَ. فتح الباري (ج ٩ / ص ٢٩٧)
(١٠) (خ) ٢٨٩٤ , (ط) ١٨٢٢ (الشافعي) ٣٨١ , (هق) ١١٥٨٩