(٢) قال الباجي في المنتقى ج٣ ص٢٩٤: قَوْلُهُ - رضي الله عنه - إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ , يُرِيدُ: إذَا خَلَا الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ , وَانْفَرَدَ انْفِرَادًا بَيِّنًا , فَقَدْ وَجَبَ إكْمَالُ الصَّدَاقِ عَلَى الزَّوْجِ , وَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ بِالْخَلْوَةِ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إكْمَالُ الصَّدَاقِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَسِيسُ , غَيْرَ أَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَ مَالِكٍ فِيمَا رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْحَدِيثِ " إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ ": الْخَلْوَةُ , وَأُرِيدَ بِقَوْلِهِ: " فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ ": إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ الْمَسِيسَ , بِمَعْنَى أَنَّ الْخَلْوَةَ شَهَادَةٌ لَهَا جَارِيَةٌ أَنَّ الرَّجُلَ مَتَى خَلَا بِامْرَأَتِهِ أَوَّلَ خَلْوَةٍ , مَعَ الْحِرْصِ عَلَيْهِ وَالتَّشَوُّفِ إلَيْهَا , فَإِنَّهُ قَلَّمَا يُفَارِقُهَا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا , فَهَذَا الَّذِي أَرَادَ بِقَوْلِهِ " فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ " وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ الصَّدَاقَ يَجِبُ بِنَفْسِ الْخَلْوَةِ , وَإِنْ عَرَا مِنْ الْمَسِيسِ.قَالَ: وَقَدْ أَحْكَمَ كِتَابُ اللهِ هَذَا فِي قوله تعالى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} وَقَالَهُ أَصْبَغُ وَابْنُ حَبِيبٍ , وَبِهَذَا قَالَ مِنْ الصَّحَابَةِ ابْنُ عَبَّاسٍ , وَالْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ , وَابْنُ مَسْعُودٍ , وَطَاوُسٌ , وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ , وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ.وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُكْمِلُ الصَّدَاقَ بِنَفْسِ الْخَلْوَةِ , قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: وَبِهِ قَالَ مِنْ الصَّحَابَةِ: عُمَرُ , وَعَلِيٌّ , وَابْنُ عُمَرَ , وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ , وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ , وَمِنْ التَّابِعِينَ: الزُّهْرِيُّ , وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ , وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ.وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ عُمَرَ وَزَيْدٍ , فَقَدْ بَيَّنَّا تَأوِيلَ مَالِكٍ لَهُمَا , وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ عَلِيٍّ يَحْتَمِلُ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ التَّأوِيلِ وَاللهُ أَعْلَمُ.وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ قوله تعالى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} وَهَذَا قَدْ طَلَّقَ قَبْلَ الْمَسِيسِ.وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذِهِ خَلْوَةٌ عَرِيَتْ عَنْ الْمُتْعَةِ , فَلَا يَجِبُ بِهَا كَمَالُ الصَّدَاقِ , أَصْلُهُ إذَا كَانَ بِمَحْضَرِ الْحُكْمِ , أَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُحْرِمًا, أَوْ صَائِمًا. أ. هـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute