وَقَالَ النَّوَوِيّ: مَذْهَبُنَا أَنَّ التَّصَدُّقَ بِجَمِيعِ الْمَالِ مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ عِيَالٌ لَا يَصْبِرُونَ، وَيَكُونُ هُوَ مِمَّنْ يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَاقَةِ وَالْفَقْرِ، فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ هَذِهِ الشُّرُوطَ , فَهُوَ مَكْرُوه.وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِمِ ": مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا وَقَعَ بَعْدَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ النَّفْسِ وَالْعِيَال , بِحَيْثُ لَا يَصِيرُ الْمُتَصَدِّقُ مُحْتَاجًا بَعْدَ صَدَقَتِهِ إِلَى أَحَد، فَمَعْنَى الْغِنَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ: حُصُولُ مَا تُدْفَعُ بِهِ الْحَاجَةُ الضَّرُورِيَّة , كَالْأَكْلِ عِنْدَ الْجُوعِ الْمُشَوِّشِ , الَّذِي لَا صَبْرَ عَلَيْهِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَالْحَاجَةِ إِلَى مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ الْأَذَى، وَمَا هَذَا سَبِيلُه , فَلَا يَجُوزُ الْإِيثَارُ بِهِ , بَلْ يَحْرُمُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا آثَرَ غَيْرَهُ بِهِ , أَدَّى إِلَى إِهْلَاكِ نَفْسِهِ , أَوْ الْإِضْرَارِ بِهَا , أَوْ كَشْفِ عَوْرَتِهِ، فَمُرَاعَاةُ حَقِّهِ أَوْلَى عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِذَا سَقَطَتْ هَذِهِ الْوَاجِبَاتُ , صَحَّ الْإِيثَارُ , وَكَانَتْ صَدَقَتُهُ هِيَ الْأَفْضَلُ , لِأَجْلِ مَا يَتَحَمَّلُ مِنْ مَضَضِ الْفَقْرِ , وَشِدَّةِ مَشَقَّتِهِ، فَبِهَذَا يَنْدَفِعُ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ إِنْ شَاءَ اللهُ. فتح الباري (ج ٥ / ص ٢٦)(٢) (خ) ٥٠٤٠ , (س) ٢٥٣٤(٣) (حم) ٧١٥٥ , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح.(٤) (حم) ٨٧٢٨ , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط: إسناده حسن.(٥) أَيْ: بِمَنْ يَجِبُ عَلَيْكَ نَفَقَتُهُ، يُقَال: عَالَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ: إِذَا مَانَهُمْ،أَيْ: قَامَ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ قُوتٍ وَكِسْوَةٍ , وَهُوَ أَمْرٌ بِتَقْدِيمِ مَا يَجِبُ عَلَى مَا لَا يَجِبُ.وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر: اُخْتُلِفَ فِي نَفَقَةِ مَنْ بَلَغَ مِنْ الْأَوْلَادِ , وَلَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ، فَأَوْجَبَتْ طَائِفَةٌ النَّفَقَةَ لِجَمِيعِ الْأَوْلَاد , أَطْفَالًا كَانُوا أَوْ بَالِغِينَ , إِنَاثًا وَذُكْرَانًا , إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمْوَالٌ يَسْتَغْنُونَ بِهَا.وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَبْلُغَ الذَّكَرُ , أَوْ تَتَزَوَّجَ الْأُنْثَى , ثُمَّ لَا نَفَقَةَ عَلَى الْأَبِ , إِلَّا إِنْ كَانُوا زَمْنَى، فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ , فَلَا وُجُوبَ عَلَى الْأَب.وَأَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ وَلَدَ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ بِالْوَلَدِ فِي ذَلِكَ. فتح الباري (١٥/ ٢١٢)(٦) (حم) ١٥٦١٦ , (خ) ٥٠٤١(٧) (حم) ١٠٨٣٠(٨) اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ " إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي " مَنْ قَالَ: يُفَرَّقُ بَيَْن الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ إِذَا أَعْسَرَ بِالنَّفَقَةِ , وَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاء. فتح الباري (١٥/ ٢١٢)(٩) (حم) ٧٤٢٣ , (خ) ٥٠٤٠(١٠) (خ) ٥٠٤٠ , (حم) ١٠٧٩٥(١١) (حم) ٧٤٢٣ , (خ) ٥٠٤٠ , وصححه الألباني في الإرواء: ٢١٨١
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute