ثم قال الألباني: وقال المحقق ابن القيم في " زاد المعاد في هدي خير العباد ": هذا حَدِيثٌ احْتَاجَ النّاسُ فِيهِ إلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ , وَلَمْ يَجِدُوا بُدّا مِنْ الِاحْتِجَاجِ هُنَا بِهِ , وَمَدَارُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ , وَلَيْسَ عَنْ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - حَدِيثٌ فِي سُقُوطِ الْحَضَانَةِ بِالتّزْوِيجِ غَيْرَ هَذَا , وَقَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَئِمّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ , وَقَوْلُهَا: " كَانَ بَطْنِي وِعَاءً " إلَى آخِرِهِ إدْلَاءٌ مِنْهَا وَتَوَسّلٌ إلَى اخْتِصَاصِهَا بِهِ كَمَا اخْتَصّ بِهَا فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الثّلَاثَةِ وَالْأَبُ لَمْ يُشَارِكْهَا فِي ذَلِكَ فَنَبّهَتْ للْمُخَاصَمَةِ , وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَعَانِي وَالْعِلَلِ وَتَأثِيرِهَا فِي الْأَحْكَامِ وَإِنَاطَتِهَا بِهَا , وَأَنّ ذَلِكَ أَمْرٌ مُسْتَقِرّ فِي الْفِطَرِ السّلِيمَةِ , حَتّى فِطَرِ النّسَاءِ , وَهَذَا الْوَصْفُ الّذِي أَدْلَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ وَجَعَلَتْهُ سَبَبًا لِتَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِهِ قَدْ قَرّرَهُ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَتّبَ عَلَيْهِ أَثَرَهُ , وَلَوْ كَانَ بَاطِلًا أَلْغَاهُ , بَلْ تَرْتِيبُهُ الْحُكْمَ عُقَيْبَهُ دَلِيلٌ عَلَى تَأثِيرِهِ فِيهِ وَأَنّهُ سَبَبُهُ.
وَدَلّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنّهُ إذَا افْتَرَقَ الْأَبَوَانِ وَبَيْنَهُمَا وَلَدٌ , فَالْأُمّ أَحَقّ بِهِ مِنْ الْأَبِ مَا لَمْ يَقُمْ بِالْأُمّ مَا يَمْنَعُ تَقْدِيمَهَا , أَوْ بِالْوَلَدِ وَصْفٌ يَقْتَضِي تَخْيِيرَهُ , وَهَذَا مَا لَا يُعْرَفُ فِيهِ نِزَاعٌ , وَقَدْ قَضَى بِهِ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَبُو بَكْرٍ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ , فَلَمّا وَلِيَ عُمَرُ قَضَى بِمِثْلِهِ فَرَوَى مَالِكٌ فِي " الْمُوَطّأِ ": عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنّهُ قَالَ سَمِعْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمّدٍ يَقُولُ كَانَتْ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ - رضي الله عنه - امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَوَلَدَتْ لَهُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ , ثُمّ إنّ عُمَرَ فَارَقَهَا , فَجَاءَ عُمَرُ قُبَاءَ فَوَجَدَ ابْنَهُ عَاصِمًا يَلْعَبُ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ , فَأَخَذَ بِعَضُدِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الدّابّةِ فَأَدْرَكَتْهُ جَدّةُ الْغُلَامِ فَنَازَعَتْهُ إيّاهُ , حَتّى أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ الصّدِيق - رضي الله عنه - فَقَالَ عُمَرُ: ابْنِي , وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: ابْنِي , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَلّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ , فَمَا رَاجَعَهُ عُمَرُ الْكَلَامَ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ: هَذَا خَبَرٌ مَشْهُورٌ مِنْ وُجُوهٍ مُنْقَطِعَةٍ وَمُتّصِلَةٍ , تَلَقّاهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقَبُولِ وَالْعَمَلِ , قَالَ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّ عُمَرَ كَانَ مَذْهَبُهُ فِي ذَلِكَ خِلَافَ أَبِي بَكْرٍ , وَلَكِنّهُ سَلّمَ لِلْقَضَاءِ مِمّنْ لَهُ الْحُكْمُ وَالْإِمْضَاءُ , ثُمّ كَانَ بَعْدُ فِي خِلَافَتِهِ يَقْضِي بِهِ وَيُفْتِي , وَلَمْ يُخَالِفْ أَبَا بَكْرٍ فِي شَيْءٍ مِنْهُ مَا دَامَ الصّبِيّ صَغِيرًا لَا يُمَيّزُ , وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصّحَابَةِ , وَذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ: طَلّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ امْرَأَتَهُ الْأَنْصَارِيّةَ أُمّ ابْنِهِ عَاصِمٍ فَلَقِيَهَا تَحْمِلُهُ بِمُحَسّرِ وَقَدْ فُطِمَ وَمَشَى فَأَخَذَ بِيَدِهِ لِيَنْتَزِعَهُ مِنْهَا وَنَازَعَهَا إيّاهُ حَتّى أَوْجَعَ الْغُلَامَ وَبَكَى وَقَالَ: أَنَا أَحَقّ بِابْنِي مِنْك , فَاخْتَصَمَا إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَضَى لَهَا بِهِ وَقَالَ: رِيحُهَا وَفِرَاشُهَا وَحِجْرُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْك , حَتّى يَشُبّ وَيَخْتَارَ لِنَفْسِهِ , وَمُحَسّرٌ: سُوقٌ بَيْنَ قُبَاءَ وَالْمَدِينَةِ وَذُكِرَ عَنْ الثّوْرِيّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ خَاصَمَتْ امْرَأَةُ عُمَرَ عُمَرَ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ طَلّقَهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأُمّ أَعْطَفُ وَأَلْطَفُ وَأَرْحَمُ وَأَحْنَى وَأَرْأَفُ هِيَ أَحَقّ بِوَلَدِهَا مَا لَمْ تَتَزَوّجْ. الْأُمّ أَعْطَفُ وَأَلْطَفُ وَأَرْحَمُ وَأَحْنَى وَأَرْأَفُ هِيَ أَحَقّ بِوَلَدِهَا مَا لَمْ تَتَزَوّجْ , فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرّوَايَةُ هَلْ كَانَتْ الْمُنَازَعَةُ وَقَعَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُمّ وَاحِدَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ إحْدَاهُمَا. قِيلَ: الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ , لِأَنّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ الْأُمّ فَوَاضِحٌ , وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْجَدّةِ فَقَضَاءُ الصّدّيقِ لَهَا يَدُلّ عَلَى أَنّ الْأُمّ أَوْلَى. أ. هـ كلام ابن القيم
قال الألباني: وقد أشار بقوله: " ما يمنع تقديمها " إلى أنه يشترط في الحاضنة أن تكون مُسْلِمة دَيِّنَة , لأن الحاضن عادة حريصٌ على تربية الطفل على دينه، وأن يُربَّى عليه، فيصعب بعد كبره وعقله انتقاله عنه، وقد يغيره عن فطرة الله التي فطر عليها عباده , فلا يراجعها أبدا , كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " كل مولود يولد على الفطرة , فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه " , فلا يؤمَن تهويد الحاضن وتنصيره للطفل المسلم , وأشار بقوله " أو بالولد وصف يقتضي تخييره " , إلى أن الصبي إذا كان مميزا , فيُخَيَّر , ولا يشمله هذا الحديث، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خيَّر غلاما بين أبيه وأمه ". وهو حديث صحيح كما بينته في " الإرواء " (٢٢٥٤). أ. هـ
بحث في محتوى الكتب:
تنبيهات هامة: - افتراضيا يتم البحث عن "أي" كلمة من الكلمات المدخلة ويمكن تغيير ذلك عن طريق:
- استخدام علامة التنصيص ("") للبحث عن عبارة كما هي.
- استخدام علامة الزائد (+) قبل أي كلمة لجعلها ضرورية في البحث.
- استخدام علامة السالب (-) قبل أي كلمة لجعلها مستبعدة في البحث.
- يمكن استخدام الأقواس () للتعامل مع مجموعة من الكلمات.
- يمكن الجمع بين هذه العلامات في استعلام واحد، وهذه أمثلة على ذلك:
+شرح +قاعدة +"الضرورات تبيح المحظورات" سيكون لزاما وجود كلمة "شرح" وكلمة "قاعدة" وعبارة "الضرورات تبيح المحظورات"
+(شرح الشرح معنى) +قاعدة +"الضرورات تبيح المحظورات" سيكون لزاما وجود كلمة ("شرح" أو "الشرح" أو "معنى") وكلمة "قاعدة" وعبارة "الضرورات تبيح المحظورات"
+(التوكل والتوكل) +(اليقين واليقين) سيكون لزاما وجود كلمة ("التوكل" أو "والتوكل") ووجود كلمة ("اليقين" أو "واليقين")
بحث في أسماء المؤلفين
بحث في أسماء الكتب
تصفية النتائج
الغاء تصفية الأقسام الغاء تصفية القرون
نبذة عن المشروع:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute