للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ت) , وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: مَا السُّنَّةُ (١) فِي الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " هُوَ (٢) أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ (٣) " (٤)


(١) أَيْ: مَا حُكْم الشَّرْع. عون المعبود - (ج ٦ / ص ٣٨٩)
(٢) أَيْ: الرَّجُل الْمُسْلِم الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ الْكَافِر. عون المعبود - (ج ٦ / ص ٣٨٩)
(٣) أَيْ: بِمَنْ أَسْلَمَ فِي حَيَاته وَمَمَاته , قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ يَحْتَجّ بِهِ مَنْ يَرَى تَوْرِيث الرَّجُل مِمَّنْ يُسْلِم عَلَى يَده مِنْ الْكُفَّار وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَاب الرَّأي , إِلَّا أَنَّهُمْ قَدْ زَادُوا فِي ذَلِكَ شَرْطًا وَهُوَ أَنْ يُعَاقِدهُ وَيُوَالِيه , فَإِنْ أَسْلَمَ عَلَى يَده وَلَمْ يُعَاقِدهُ وَلَمْ يُوَالِهِ فَلَا شَيْء لَهُ , وَقَالَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ كَقَوْلِ أَصْحَاب الرَّأي , إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُر الْمُوَالَاة , قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَدَلَالَة الْحَدِيث مُبْهَمَة , وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ يَرِثهُ , وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ أَوْلَى النَّاس بِمَحْيَاهُ وَمَمَاته، فَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ فِي الْمِيرَاث , وَقَدْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ فِي رَعْي الذِّمَام وَالْإِيثَار وَالْبِرّ وَالصِّلَة وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الْأُمُور، وَقَدْ عَارَضَهُ قَوْله - صلى الله عليه وسلم - " الْوَلَاء لِمَنْ أَعْتَقَ " وَقَالَ أَكْثَر الْفُقَهَاء: لَا يَرِثهُ , وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْبَرَكَات النَّسَفِيّ الْحَنَفِيّ: وَعَقْد الْمُوَالَاة مَشْرُوعَة وَالْوِرَاثَة بِهَا ثَابِتَة عِنْد عَامَّة الصَّحَابَة وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّة، وَتَفْسِيره إِذَا أَسْلَمَ رَجُل أَوْ اِمْرَأَة لَا وَارِث لَهُ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ وَلَا مُعْتَق فَيَقُول الْآخَر: وَالَيْتُك عَلَى أَنْ تَعْقِلَنِي إِذَا جَنَيْت وَتَرِث مِنِّي إِذَا مُتّ، وَيَقُول الْآخَر: قَبِلْت , اِنْعَقَدَ ذَلِكَ وَيَرِث الْأَعْلَى مِنْ الْأَسْفَل.
وقَالَ ابْن الْقَيِّم: وَاَلَّذِينَ رَدُّوا هَذَا الْحَدِيث مِنْهُمْ مَنْ رَدَّهُ لِضَعْفِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّهُ لِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا , وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا دَلَالَة فِيهِ عَلَى الْمِيرَاث، بَلْ لَوْ صَحَّ كَانَ مَعْنَاهُ: هُوَ أَحَقّ بِهِ، يُوَالِيه وَيَنْصُرهُ وَيَبَرّهُ وَيَصِلهُ وَيَرْعَى ذِمَامه، وَيُغَسِّلهُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ وَيَدْفِنهُ فَهَذِهِ أَوْلَوِيَّته بِهِ، لَا أَنَّهَا أَوْلَوِيَّته بِمِيرَاثِهِ، وَهَذَا هُوَ التَّأوِيل.
وَقَالَ بِهَذَا الْحَدِيث آخَرُونَ مِنْهُمْ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَأَحْمَد بْن حَنْبَل فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَطَاوُسٌ وَرَبِيعَة وَاللَّيْث بْن سَعْد وَهُوَ قَوْل عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز.
وَفِيهَا مَذْهَب ثَالِث: أَنَّهُ إِنْ عَقَلَ عَنْهُ وَرِثَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْقِل عَنْهُ لَمْ يَرِثهُ، وَهُوَ مَذْهَب سَعْد بْن الْمُسَيِّب.
وَفِيهَا مَذْهَب رَابِع: أَنَّهُ إِنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ وَوَالَاهُ فَإِنَّهُ يَرِثهُ وَيَعْقِل عَنْهُ، وَلَهُ أَنْ يَتَحَوَّل عَنْهُ إِلَى غَيْره مَا لَمْ يَعْقِل عَنْهُ إِلَى غَيْره، فَإِذَا عَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّل عَنْهُ إِلَى غَيْره , وَهَذَا قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَأَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد.
وَفِيهَا مَذْهَب خَامِس: أَنَّ هَذَا الْحُكْم ثَابِت فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْحَرْب دُون أَهْل الذِّمَّة، وَهُوَ مَذْهَب يَحْيَى بْن سَعِيد. فَلَا إِجْمَاع فِي الْمَسْأَلَة مَعَ مُخَالَفَة هَؤُلَاءِ الْأَعْلَام.
وَأَمَّا تَضْعِيف الْحَدِيث إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي رُتْبَة الصَّحِيح فَلَا يَنْحَطّ عَنْ أَدْنَى دَرَجَات الْحَسَن، وَقَدْ عَضَّدَهُ الْمُرْسَل، وَقَضَاء عُمَر بْن الْخَطَّاب , وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز بِرِوَايَةِ الْفَرَائِض، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي تَقْدِيم الْأَقَارِب عَلَيْهِ، وَلَا يَدُلّ عَلَى عَدَم تَوْرِيثه إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَب. عون المعبود (ج ٦ / ص ٣٨٩)
(٤) (ت) ٢١١٢ , (خم) ج٨ص١٥٥ , (د) ٢٩١٨ , (جة) ٢٧٥٢ , (حم) ١٦٩٨٦ , (ش) ٣١٥٧٦