للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(خ م) , وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنهما -: هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ , فَقَالَ: لَا , قُلْتُ: كَيْفَ كُتِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْوَصِيَّةُ؟ , أَوْ فَلِمَ أُمِرُوا بِالْوَصِيَّةِ؟ , قَالَ: " أَوْصَى بِكِتَابِ اللهِ - عزَّ وجل - (١) " (٢)


(١) أَيْ: بِالتَّمَسُّكِ بِهِ وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ، وَلَعَلَّهُ أَشَارَ لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: " تَرَكْت فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَمْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللهُ " وَأَمَّا مَا صَحَّ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ: لَا يَبْقَيْنَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ، وَفِي لَفْظٍ: أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ , وَقَوْلُهُ " أَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْت أُجِيزُهُمْ بِهِ " , وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّاوِي الثَّالِثَةَ، وَكَذَا مَا ثَبَتَ فِي النَّسَائِيِّ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ: " الصَّلَاةُ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يُمْكِنُ حَصْرُهَا بِالتَّتَبُّعِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ اِبْنَ أَبِي أَوْفَى لَمْ يُرِدْ نَفْيَهُ , وَلَعَلَّهُ اِقْتَصَرَ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِكِتَابِ اللهِ لِكَوْنِهِ أَعْظَمَ وَأَهَمَّ وَلِأَنَّ فِيهِ تِبْيَانَ كُلِّ شَيْءٍ إِمَّا بِطَرِيقِ النَّصْرِ وَإِمَّا بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ، فَإِذَا اِتَّبَعَ النَّاسُ مَا فِي الْكِتَابِ عَمِلُوا بِكُلِّ مَا أَمَرَهُمْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} الْآيَةَ، أَوْ يَكُونُ لَمْ يَحْضُرْ شَيْئًا مِنْ الْوَصَايَا الْمَذْكُورَةِ , أَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرْهَا حَالَ قَوْلِهِ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِالنَّفْيِ الْوَصِيَّةَ بِالْخِلَافَةِ أَوْ بِالْمَالِ , وَسَاغَ إِطْلَاقُ النَّفْيِ، أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَبِقَرِينِهِ الْحَالِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ عُرْفًا , وَقَدْ صَحَّ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يُوصِ، أَخْرَجَهُ اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَرْقَمَ بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْهُ، مَعَ أَنَّ اِبْنَ عَبَّاسٍ هُوَ الَّذِي رَوَى حَدِيثَ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أَوْصَى بِثَلَاثٍ , وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ. تحفة الأحوذي - (ج ٥ / ص ٤٠١)
قال ابن كثير في تفسيره: وذلك أن الناس كُتب عليهم الوصية في أموالهم كما قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ} [البقرة: ١٨٠] , وأما هو - صلى الله عليه وسلم - فلم يترك شيئا يورث عنه , وإنما ترك ماله صدقة جارية من بعده , فلم يحتج إلى وصية في ذلك، ولم يوصِ إلى خليفة يكون بعده على التنصيص , لأن الأمر كان ظاهرا من إشارته وإيمائه إلى الصديق , ولهذا لمَّا هَمَّ بالوصية إلى أبي بكر ثم عدل عن ذلك فقال: " يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر "، وكان كذلك , وإنما أوصى الناسَ باتباع كتاب الله تعالى.
(٢) (م) ١٧ - (١٦٣٤) , (خ) ٢٥٨٩ , (ت) ٢١١٩ , (س) ٣٦٢٠ , (جة) ٢٦٩٦ , (حم) ١٩١٥٩