(٢) قَالَ الْخَطَّابِيُّ رِوَايَةً عَنْ اِبْن الْمُنْذِر: أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - إِنَّمَا فَرَّقَ بَيْن الْبَدْأَة وَالْقُفُول , حِين فَضَّلَ أَحَد الْعَطِيَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى , لِقُوَّةِ الظَّهْر عِنْد دُخُولهمْ , وَضَعْفه عِنْد خُرُوجهمْ , وَلِأَنَّهُمْ وَهُمْ دَاخِلُونَ أَنْشَط وَأَشْهَى لِلسَّيْرِ وَالْإِمْعَان فِي بِلَاد الْعَدُوّ وَأَجَمّ , وَهُمْ عِنْد الْقُفُول يَضْعُف دَوَابّهمْ وَأَبْدَانهمْ، وَهُمْ أَشْهَى لِلرُّجُوعِ إِلَى أَوْطَانهمْ وَأَهَالِيهمْ لِطُولِ عَهْدهمْ بِهِمْ , وَحُبّهمْ لِلرُّجُوعِ , فَيَرَى أَنَّهُ زَادَهُمْ فِي الْقُفُول لِهَذِهِ الْعِلَل. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: كَلَام اِبْن الْمُنْذِر هَذَا لَيْسَ بِالْبَيِّنِ , لِأَنَّ فَحْوَاهُ يُوهِم أَنَّ الرَّجْعَة هِيَ الْقُفُول إِلَى أَوْطَانهمْ , وَلَيْسَ هُوَ مَعْنَى الْحَدِيث، وَالْبَدْأَة: إِنَّمَا هِيَ اِبْتِدَاء السَّفَر لِلْغَزْوِ , وَإِذَا نَهَضَتْ سَرِيَّة مِنْ جُمْلَة الْعَسْكَر , فَإِذَا وَقَعَتْ بِطَائِفَةٍ مِنْ الْعَدُوّ , فَمَا غَنِمُوا كَانَ لَهُمْ فِيهِ الرُّبْع , وَتُشْرِكهُمْ سَائِر الْعَسْكَر فِي ثَلَاثَة أَرْبَاعه , فَإِنْ قَفَلُوا مِنْ الْغَزْوَة ثُمَّ رَجَعُوا , فَأَوْقَعُوا بِالْعَدُوِّ ثَانِيَة , كَانَ لَهُمْ مِمَّا غَنِمُوا الثُّلُث، لِأَنَّ نُهُوضهمْ بَعْد الْقَفْل أَشَدّ , لِكَوْنِ الْعَدُوّ عَلَى حَذَر وَحَزْم , اِنْتَهَى.قَالَ فِي السُّبُل: وَمَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ الْأَقْرَب.وَقَالَ اِبْن الْأَثِير: أَرَادَ بِالْبَدْأَةِ: اِبْتِدَاءَ الْغَزْو، وَبِالرَّجْعَةِ: الْقُفُول مِنْهُ، وَالْمَعْنَى كَانَ إِذَا نَهَضَتْ سَرِيَّة مِنْ جُمْلَة الْعَسْكَر الْمُقْبِل عَلَى الْعَدُوّ , فَأَوْقَعَتْ بِهِمْ , نَفَّلَهَا الرُّبْعَ مِمَّا غَنِمَتْ، وَإِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ عِنْد عَوْد الْعَسْكَر , نَفَّلَهَا الثُّلُث، لِأَنَّ الْكَرَّة الثَّانِيَة أَشَقّ عَلَيْهِمْ , وَالْخَطَر فِيهَا أَعْظَم، وَذَلِكَ لِقُوَّةِ الظَّهْر عِنْد دُخُولهمْ , وَضَعْفه عِنْد خُرُوجهمْ , وَهُمْ فِي الْأَوَّل أَنْشَط وَأَشْهَى لِلسَّيْرِ وَالْإِمْعَان فِي بِلَاد الْعَدُوّ , وَهُمْ عِنْد الْقُفُول أَضْعَف وَأَفْتَر , وَأَشْهَى لِلرُّجُوعِ إِلَى أَوْطَانهمْ , فَزَادَهُمْ لِذَلِكَ. عون المعبود - (ج ٦ / ص ١٩٣)(٣) (حم) ١٧٥٠٠ , (د) ٢٧٤٩ , (جة) ٢٨٥٣ , (ش) ٣٦٨٦٧ , (حب) ٤٨٣٥ , انظر الصَّحِيحَة: ٢٤٥٥، ٢٤٥٦ , وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute