للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م) , وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ: (يَوْمُ الْخَمِيسِ , وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ , ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمْعُهُ الْحَصَى , فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ , مَا يَوْمُ الْخَمِيسِ؟ , فَقَالَ: " اشْتَدَّ (١) بِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجَعُهُ (٢)) (٣) (يَوْمَ الْخَمِيسِ ") (٤) (- وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -) (٥) (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " ائْتُونِي بِاللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا ") (٦) (فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ غَلَبَهُ الْوَجَعُ (٧) وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللهِ حَسْبُنَا) (٨) (فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ فَاخْتَصَمُوا , مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ , وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ , فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -) (٩) (- وَلَا يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ - فَقَالُوا: مَا لَهُ؟ , أَهَجَرَ (١٠)؟ , اسْتَفْهِمُوهُ) (١١) (فَذَهَبُوا يُعِيدُونَ عَلَيْهِ) (١٢) (فَقَالَ: " قُومُوا) (١٣) (دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ (١٤)) (١٥) (وَأَمَرَهُمْ) (١٦) (عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ , قَالَ: أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ (١٧) وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ (١٨) بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ (١٩) " , وَنَسِيتُ الثَّالِثَةَ (٢٠)) (٢١) (فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ (٢٢) كُلَّ الرَّزِيَّةِ , مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ , لِاخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِمْ (٢٣)) (٢٤).


(١) أَيْ: قَوِيَ.
(٢) أَيْ: فِي مَرَضِ مَوْتِهِ - صلى الله عليه وسلم - ويَوْمُ الْخَمِيسِ قَبْلَ مَوْتِهِ - صلى الله عليه وسلم - بِأَرْبَعَةِ أَيَّام.
(٣) (خ) ٢٩٩٧
(٤) (خ) ٢٨٨٨
(٥) (خ) ٥٣٤٥
(٦) (م) ١٦٣٧ , (خ) ٢٨٨٨
(٧) أَيْ: يَشُقُّ عَلَيْهِ إِمْلَاءُ الْكِتَاب، وَكَأَنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - فَهِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَقْتَضِي التَّطْوِيل قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَغَيْره: (اِئْتُونِي) أَمْر، وَكَانَ حَقُّ الْمَأمُورِ أَنْ يُبَادِرَ لِلِامْتِثَالِ، لَكِنْ ظَهَرَ لِعُمَرَ - رضي الله عنه - مَعَ طَائِفَةٍ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْوُجُوب، وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِرْشَادِ إِلَى الْأَصْلَح , فَكَرِهُوا أَنْ يُكَلِّفُوهُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالَة , مَعَ اِسْتِحْضَارِهِمْ قَوْلَه تَعَالَى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَاب مِنْ شَيْء} , وَقَوْله تَعَالَى: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء}، وَلِهَذَا قَالَ عُمَر: " حَسْبُنَا كِتَابُ اللهِ ".
وَظَهَرَ لِطَائِفَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُكْتَبَ , لِمَا فِيهِ مِنْ اِمْتِثَالِ أَمْرِهِ , وَمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنْ زِيَادَةِ الْإِيضَاح.
وَدَلَّ أَمْرُهُ لَهُمْ بِالْقِيَامِ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ الْأَوَّلَ كَانَ عَلَى الِاخْتِيَار، وَلِهَذَا عَاشَ - صلى الله عليه وسلم - بَعْد ذَلِكَ أَيَّامًا , وَلَمْ يُعَاوِدْ أَمْرَهُمْ بِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَتْرُكْهُ لِاخْتِلَافِهِمْ , لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ التَّبْلِيغ لِمُخَالَفَةِ مَنْ خَالَفَ، وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ يُرَاجِعُونَهُ فِي بَعْض الْأُمُورِ , مَا لَمْ يَجْزِم بِالْأَمْرِ، فَإِذَا عَزَمَ اِمْتَثَلُوا.
وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْكِتَابِ، فَقِيلَ: كَانَ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا يَنُصُّ فِيهِ عَلَى الْأَحْكَامِ , لِيَرْتَفِعَ الِاخْتِلَاف.
وَقِيلَ: بَلْ أَرَادَ أَنْ يَنُصَّ عَلَى أَسَامِي الْخُلَفَاءِ بَعْدَه , حَتَّى لَا يَقَعَ بَيْنَهُمْ الِاخْتِلَاف قَالَهُ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ , وَيُؤَيِّدهُ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ فِي أَوَائِلِ مَرَضِهِ وَهُوَ عِنْدَ عَائِشَة: " اُدْعِ لِي أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ , وَيَقُولَ قَائِل، وَيَأبَى اللهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْر " أَخْرَجَهُ مُسْلِم. وَلِلْمُصَنِّفِ مَعْنَاهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَكْتُب - صلى الله عليه وسلم -. فتح الباري (ج ١ / ص ١٨٢)
(٨) (خ) ١١٤
(٩) (خ) ٥٣٤٥
(١٠) قَالَ عِيَاض: مَعْنَى (أَهْجَرَ) أَفْحَشَ، يُقَال: هَجَرَ الرَّجُلُ: إِذَا هَذَى، وَأَهْجَرَ إِذَا أَفْحَشَ.
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ بِسُكُونِ الْهَاء , وَالرِّوَايَاتُ كُلُّهَا إِنَّمَا هِيَ بِفَتْحِهَا، وَلَخَصَّهُ الْقُرْطُبِيُّ تَلْخِيصًا حَسَنًا , ثُمَّ لَخَّصْتُه مِنْ كَلَامِه، وَحَاصِلُه أَنَّ قَوْلَه (هَجَرَ) الرَّاجِحُ فِيهِ إِثْبَاتُ هَمْزَة الِاسْتِفْهَامِ , وَبِفَتَحَاتٍ , عَلَى أَنَّهُ فِعْل مَاضٍ، أَيْ: قَالَ هُجْرًا، وَالْهُجْر بِالضَّمِّ: الْهَذَيَان , وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَقَعُ مِنْ كَلَامِ الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يَنْتَظِمُ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ لِعَدَمِ فَائِدَته , وَوُقُوعُ ذَلِكَ مِنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَحِيل , لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ فِي صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى} وَلِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: " إِنِّي لَا أَقُولُ فِي الْغَضَب وَالرِّضَا إِلَّا حَقًّا " , وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ , فَإِنَّمَا قَالَهُ مَنْ قَالَهُ مُنْكِرًا عَلَى مَنْ يَتَوَقَّفُ فِي اِمْتِثَالِ أَمْرِهِ بِإِحْضَارِ الْكَتِفِ وَالدَّوَاة , فَكَأَنَّهُ قَالَ: كَيْفَ تَتَوَقَّف؟ , أَتَظُنُّ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ يَقُولُ الْهَذَيَانَ فِي مَرَضه؟ , اِمْتَثِلْ أَمْرَهُ , وَأَحْضِرْ مَا طَلَبَ , فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ إِلَّا الْحَقّ.
قَالَ: وَيَحْتَمِل أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ ذَلِكَ عَنْ شَكٍّ عَرَضَ لَهُ، وَلَكِنْ يُبْعِدُهُ أَنْ لَا يُنْكِرُهُ الْبَاقُونَ عَلَيْهِ , مَعَ كَوْنِهِمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَة، وَلَوْ أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ لَنُقِلَ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ صَدَرَ عَنْ دَهَشٍ وَحَيْرَة , كَمَا أَصَابَ كَثِيرًا مِنْهُمْ عِنْد مَوْتِهِ - صلى الله عليه وسلم -.
قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي تَرْجِيحُ ثَالِثِ الِاحْتِمَالَات الَّتِي ذَكَرَهَا الْقُرْطُبِيّ , وَيَكُون قَائِلُ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ قَرُبَ دُخُولُهُ فِي الْإِسْلَام , وَكَانَ يَعْهَدُ أَنَّ مَنْ اِشْتَدَّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ قَدْ يَشْتَغِل بِهِ عَنْ تَحْرِيرِ مَا يُرِيدُ أَنْ يَقُولَهُ , لِجَوَازِ وُقُوع ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ ذَلِكَ (اِسْتَفْهَمُوهُ) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ بِالِاسْتِفْهَامِ , أَيْ: اِخْتَبِرُوا أَمْرَهُ بِأَنْ تَسْتَفْهِمُوهُ عَنْ هَذَا الَّذِي أَرَادَهُ , وَابْحَثُوا مَعَهُ فِي كَوْنِهِ الْأَوْلَى أَوْ لَا. فتح الباري (١٢/ ٢٥٢)
(١١) (خ) ٢٩٩٧
(١٢) (حم) ١٩٣٥, وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(١٣) (خ) ٥٣٤٥
(١٤) قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ وَغَيْره: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: دَعُونِي فَالَّذِي أُعَايِنُهُ مِنْ كَرَامَةِ اللهِ الَّتِي أَعَدَّهَا لِي بَعْد فِرَاقِ الدُّنْيَا خَيْرٌ مِمَّا أَنَا فِيهِ فِي الْحَيَاة.
أَوْ أَنَّ الَّذِي أَنَا فِيهِ مِنْ الْمُرَاقَبَةِ وَالتَّأَهُّبِ لِلِقَاءِ اللهِ , وَالتَّفَكُّرِ فِي ذَلِكَ وَنَحْوهِ أَفْضَلُ مِنْ الَّذِي تَسْأَلُونَنِي فِيهِ مِنْ الْمُبَاحَثَةِ عَنْ الْمَصْلَحَةِ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ عَدَمِهَا.
وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الَّذِي أَشَرْتُ عَلَيْكُمْ بِهِ مِنْ الْكِتَابَةِ خَيْرٌ مِمَّا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ مِنْ عَدَمِهَا , بَلْ هَذَا هُوَ الظَّاهِر. فتح الباري (ج١٢ص٢٥٢)
(١٥) (خ) ٢٨٨٨
(١٦) (خ) ٢٩٩٧
(١٧) عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: " كَانَ آخِرُ مَا عَهِدَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ قَالَ: لَا يُتْرَكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ " (حم) ٢٦٣٩٥ , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: صحيح لغيره , وهذا إسناد حسن.
(١٨) أَيْ: أَعْطَوْهُمْ، وَالْجَائِزَة الْعَطِيَّة. (فتح) - (ج ١٢ / ص ٢٥٢)
(١٩) أَيْ: بِقَرِيبٍ مِمَّا كُنْتُ أُجِيزهُمْ، وَكَانَتْ جَائِزَةُ الْوَاحِدِ عَلَى عَهْدِهِ - صلى الله عليه وسلم - وُقِيَّةٌ مِنْ فِضَّة , وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. فتح الباري (ج ١٢ / ص ٢٥٢)
(٢٠) قَائِلُ ذَلِكَ هُوَ اِبْن عُيَيْنَةَ راوي الحديث.
(٢١) (خ) ٢٨٨٨
(٢٢) (الرَّزِيَّة): الْمُصِيبَة، أَيْ: أَنَّ الِاخْتِلَافَ كَانَ سَبَبًا لِتَرْكِ كِتَابَةِ الْكِتَاب.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ كِتَابَةِ الْعِلْم، وَعَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا فِي حِرْمَانِ الْخَيْر , كَمَا وَقَعَ فِي قِصَّة الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ تَخَاصَمَا , فَرُفِعَ تَعْيِينُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِسَبَبِ ذَلِكَ. (فتح - ح١١٤)
(٢٣) اللَّغَط: الأصوات المختلطة المُبْهَمَة , والضَّجة لَا يُفْهَم معناها.
(٢٤) (خ) ٤١٦٩