للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

(ت) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ (١) " (٢)


(١) قَالَ الطِّيبِيُّ أَضَافَ أَفْعَلَ إِلَى مَا وَهِيَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اِسْتَقْصَى الْأَشْيَاءَ الْمُخَوَّفَ مِنْهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لَمْ يُوجَدْ أَخْوَفُ مِنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ. تحفة الأحوذي - (٤/ ٩٥)
وَقَدْ سَمَّى اللهُ اللواط فَاحِشَةً وَخَبِيثَةً , وَهُوَ مِنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ , وَقَدْ قَصَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ قِصَّتَهُمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ , تَحْذِيرًا لَنَا مِنْ أَنْ نَسْلُكَ سَبِيلَهُمْ فَيُصِيبَنَا مَا أَصَابَهُمْ , قَالَ تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} أَيْ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ بِأَنْ يَقْلَعَ قُرَاهُمْ مِنْ أَصْلِهَا فَاقْتَلَعَهَا وَصَعِدَ بِهَا عَلَى خَافِقَةٍ مِنْ جَنَاحِهِ إلَى أَنْ سَمِعَ أَهْلُ سَمَاءِ الدُّنْيَا أَصْوَاتَ حَيَوَانَاتِهِمْ , ثُمَّ قَلَبَهَا بِهِمْ , وقَالَ تَعَالَى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} أَيْ مِنْ طِينٍ مُحَرَّقٍ بِالنَّارِ {مَنْضُودٍ} أَيْ مُتَتَابِعٍ يَتْلُو بَعْضُهُ بَعْضًا {مُسَوَّمَةً} أَيْ مَكْتُوبًا عَلَى كُلٍّ مِنْهَا اسْمَ مَنْ يُصِيبُهُ أَوْ مُعَلَّمَةً بِعَلَامَةٍ يُعْلَمُ بِهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ حِجَارَةِ الدُّنْيَا {عِنْدَ رَبِّكَ} أَيْ فِي خَزَائِنِهِ الَّتِي لَا يُتَصَرَّفُ فِيهَا إلَّا بِإِذْنِهِ {وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} أَيْ وَمَا مَا هِيَ بِبَعِيدٍ مِنْ ظَالِمِي هَذِهِ الْأُمَّةِ إذَا فَعَلُوا فِعْلَهُمْ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِأُولَئِكَ مِنْ الْعَذَابِ , وَقَالَ تَعَالَى: {أَتَأتُونَ الذُّكْرَانَ مِنْ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} أَيْ مُتَعَدُّونَ مُجَاوِزُونَ الْحَلَالَ إلَى الْحَرَامِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَجَّيْنَاهُ} أَيْ لُوطًا {مِنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} فَأَعْظَمُ خَبَائِثِهِمْ إتْيَانُ الذُّكُورِ فِي أَدْبَارِهِمْ بِحَضْرَةِ بَعْضِهِمْ , وَلَمْ يَجْمَعْ اللهُ تَعَالَى عَلَى أُمَّةٍ مِنْ الْعَذَابِ مَا جَمَعَ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ ; فَإِنَّهُ طَمَسَ أَبْصَارَهُمْ , وَسَوَّدَ وُجُوهَهُمْ , وَأَمَرَ جِبْرِيلَ بِقَلْعِ قُرَاهُمْ مِنْ أَصْلِهَا ثُمَّ بِقَلْبِهَا لِيَصِيرَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا , ثُمَّ خَسَفَ بِهِمْ , ثُمَّ أَمْطَرَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ مِنْ سِجِّيلٍ ; وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى قَتْلِ فَاعِلِ ذَلِكَ , وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ قَتْلِهِ كَمَا يَأتِي. وَقَالَ بَعْضُ العلماء: النَّظَرُ بِالشَّهْوَةِ إلَى الْمَرْأَةِ وَالْأَمْرَدِ زِنًا كَمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: " زِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ , وَزِنَا اللِّسَانِ النُّطْقُ , وَزِنَا الْيَدِ الْبَطْشُ , وَزِنَا الرِّجْلِ الْخَطْوُ , وَالْقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى , وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ أَوْ يُكَذِّبُهُ " , وَلِأَجْلِ ذَلِكَ بَالَغَ الصَّالِحُونَ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُرْدِ , وَعَنْ النَّظَرِ إلَيْهِمْ , وَعَنْ مُخَالَطَتِهِمْ وَمُجَالَسَتِهِمْ , وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ: لَا تُجَالِسْ أَوْلَادَ الْأَغْنِيَاءِ , فَإِنَّ لَهُمْ صُوَرًا كَصُوَرِ الْعَذَارَى , وَهُمْ أَشَدُّ فِتْنَةً مِنْ النِّسَاءِ , وَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ: مَا أَنَا بِأَخْوَفَ عَلَى الشَّابِّ النَّاسِكِ مِنْ سَبُعٍ ضَارٍ مِنْ الْغُلَامِ الْأَمْرَدِ يَقْعُدُ إلَيْهِ , وَحَرَّمَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْخَلْوَةَ بِالْأَمْرَدِ فِي نَحْوِ بَيْتٍ أَوْ دُكَّانٍ كَالْمَرْأَةِ ; لِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: {مَا خَلَا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا دَخَلَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمَا} بَلْ فِي الْمُرْدِ مَنْ يَفُوقُ النِّسَاءَ بِحُسْنِهِ , فَالْفِتْنَةُ بِهِ أَعْظَمُ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِي حَقِّهِ مِنْ الشُّهْرَةِ مَا لَا يُمْكِنُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ , وَيَتَسَهَّلُ فِي حَقِّهِ مِنْ طُرُقِ الرِّيبَةِ وَالشَّرِّ مَا لَا يَتَيَسَّرُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ , فَهُوَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْلَى.
قَالَ الْبَغَوِيّ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ , فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ حَدَّ الْفَاعِلِ حَدُّ الزِّنَا , إِنْ كَانَ مُحْصَنًا يُرْجَمُ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا يُجْلَدُ مِائَةً ,
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالنَّخَعِيِّ , وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ , وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ , وَعَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً , مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ , وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ اللُّوطِيَّ يُرْجَمُ وَلَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ , رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ , وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. اهـ.
ولَا نَجِدُ حَيَوَانًا ذَكَرًا يَنْكِحُ مِثْلَهُ , فَنَاهِيكَ بِرَذِيلَةٍ تَعَفَّفَتْ عَنْهَا الْحَمِيرُ , فَكَيْفَ يَلِيقُ فِعْلُهَا بِمَنْ هُوَ فِي صُورَةِ رَئِيسٍ أَوْ كَبِيرٍ , كَلًّا بَلْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْ قَذَرِهِ وَأَشْأَمُ مِنْ خَبَرِهِ , وَأَنْتَنُ مِنْ الْجِيَفِ , وَأَحَقُّ بِالشَّرَرِ وَالسَّرَفِ , وَأَخُو الْخِزْيِ وَالْمَهَانَةِ , وَخَائِنُ عَهْدِ اللهِ , وَمَا لَهُ عِنْدَهُ مِنْ الْأَمَانَةِ , فَبُعْدًا لَهُ وَسُحْقًا وَهَلَاكًا فِي جَهَنَّمَ وَحَرْقًا. الزواجر عن اقتراف الكبائر (ج٢ ص٢٣٠)
(٢) (ت) ١٤٥٧ , (جة) ٢٥٦٣ , انظر صَحِيح الْجَامِع: ١٥٥٢ , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: ٢٤١٧