للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" لَا عَدْوَى (١) وَلَا طِيَرَةَ (٢) وَلَا صَفَرَ (٣) وَلَا هَامَةَ (٤) ") (٥) (وَلَا غُولَ ") (٦)

الشرح (٧)


(١) الْعَدْوَى هُنَا: مُجَاوَزَةُ الْعِلَّةِ مِنْ صَاحِبِهَا إِلَى غَيْرِهِ.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّأوِيلِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: الْمُرَادُ مِنْهُ نَفْيُ ذَلِكَ وَإِبْطَالُهُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ , وَالْقَرَائِنُ الْمَسُوقَةُ عَلَى الْعَدْوَى وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إِبْطَالَهَا، فَقَدْ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: " فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ " , وَقَالَ: " لَا يُورَدَنَّ ذُو عَاهَةٍ عَلَى مُصِحٍّ "، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ نَفْيَ مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ أَصْحَابُ الطَّبِيعَةِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الْعِلَلَ الْمُعْدِيَةَ مُؤَثِّرَةً لَا مَحَالَةَ، فَأَعْلَمَهُمْ بِقَوْلِهِ هَذَا أَنْ لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا يُتَوَهَّمُونَ، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَشِيئَةِ , إِنْ شَاءَ اللهُ كَانَ , وَإِنْ لَمْ يَشَأ لَمْ يَكُنْ. تحفة (٤/ ٢٨٨)
(٢) الطِّيَرَة وَالشُّؤْم بِمَعْنَى وَاحِدٍ. فتح الباري (ج ٨ / ص ٤٨٤)
(٣) (الصَّفَرَ) قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ: هُوَ دَاءٌ يَأخُذُ الْبَطْنَ. قَالَ الْحَافِظُ: كَذَا جَزَمَ بِتَفْسِيرِ الصَّفَرِ.
وَقال أَبُو عُبَيْدَةَ: هِيَ حَيَّةٌ تَكُونُ فِي الْبَطْنِ , تُصِيبُ الْمَاشِيَةَ وَالنَّاسَ , وَهِيَ أَعْدَى مِنْ الْجَرَبِ عِنْدَ الْعَرَبِ، فَعَلَى هَذَا , فَالْمُرَادُ بِنَفْيِ الصَّفَرِ , مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ فِيهِ مِنْ الْعَدْوَى
وَرَجَحَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ هَذَا الْقَوْلُ لِكَوْنِهِ قُرِنَ فِي الْحَدِيثِ بِالْعَدْوَى، فَرَدَّ ذَلِكَ الشَّارِعُ بِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا فَرَغَ الْأَجَلُ.
وَقِيلَ فِي الصَّفَرِ قَوْلٌ آخَرُ , وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ شَهْرُ صَفَرَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُحَرِّمُ صَفَرَ , وَتَسْتَحِلُّ الْمُحَرَّمَ، فَجَاءَ الْإِسْلَامُ بِرَدِّ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: " لَا صَفَرَ ". تحفة الأحوذي (٥/ ٤٣٢)
(٤) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ: الْهَامَةُ: الرَّأسُ , وَاسْمُ طَائِرٍ , وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِهَا , وَهِيَ مِنْ طَيْرِ اللَّيْلِ.
وَقِيلَ: هِيَ الْبُومَةُ.
وَقِيلَ: كَانَتْ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ رُوحَ الْقَتِيلِ الَّذِي لَا يُدْرَكُ بِثَأرِهِ تَصِيرُ هَامَةً , فَتَقُولُ: اِسْقُونِي , فَإِذَا أُدْرِكَ بِثَأرِهِ طَارَتْ.
وَقِيلَ: كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ عِظَامَ الْمَيِّتِ - وَقِيلَ: رُوحُهُ - تَصِيرُ هَامَةً , فَتَطِيرُ , وَيُسَمُّونَهُ الصَّدَى، فَنَفَاهُ الْإِسْلَامُ , وَنَهَاهُمْ عَنْهُ. تحفة (٥/ ٤٣١)
(٥) (خ) ٥٤٢٥ , (م) ٢٢٢٠
(٦) (م) ٢٢٢٢ , (د) ٣٩١٣
(٧) قَالَ فِي النِّهَايَة: الْغُول: أَحَد الْغِيلَان, وَهِيَ جِنْسٌ مِنْ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِين كَانَتْ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ الْغُولَ فِي الْفَلَاةِ تَتَرَاءَى لِلنَّاسِ , فَتَتَغَوَّلُ تَغَوُّلًا , أَيْ: تَتَلَوَّن تَلَوُّنًا فِي صُوَر شَتَّى، وَتَغُولُهُمْ , أَيْ: تُضِلُّهُمْ عَنْ الطَّرِيقِ وَتُهْلِكهُمْ، فَنَفَاهُ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبْطَلَهُ.
وَقَوْله " لَا غُول " لَيْسَ نَفْيًا لِعَيْنِ الْغُولِ وَوُجُودِه، وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوب: " كَانَ لِي تَمْرٌ فِي سَهْوَة , فَكَانَتْ الْغُولُ تَجِيءُ فَتَأخُذُ " , وَإِنَّمَا فِيهِ إِبْطَالُ زَعْمِ الْعَرَب فِي تَلَوُّنِهِ بِالصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَة وَاغْتِيَالِه , فَيَكُونُ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ " لَا غُول " أَنَّهَا لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُضِلَّ أَحَدًا. عون المعبود (٨/ ٤٤١)