للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م ت حم) , وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: (" كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَجْلِسُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ أَصْحَابِهِ (١) " , فَيَجِيءُ الْغَرِيبُ (٢) فلَا يَدْرِي أَيُّهُمْ هُوَ حَتَّى يَسْأَلَ، فَطَلَبْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نَجْعَلَ لَهُ مَجْلِسًا يَعْرِفُهُ الْغَرِيبُ إِذَا أَتَاهُ، فَبَنَيْنَا لَهُ دُكَّانًا (٣) مِنْ طِينٍ , " فَكَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ (٤) ") (٥) (وَكُنَّا نَجْلِسُ بِجَنْبَتَيْهِ) (٦) (فَبَيْنَمَا نَحْنُ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) (٧) (إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ (٨) يَمْشِي) (٩)

(شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ) (١٠) (كَأَنَّ ثِيَابَهُ لَمْ يَمَسَّهَا دَنَسٌ) (١١) (شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ) (١٢) (أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَطْيَبُ النَّاسِ رِيحًا) (١٣) (لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ, وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ) (١٤) (فَسَلَّمَ مِنْ طَرَفِ السِّمَاطِ (١٥)) (١٦) (فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ، " فَرَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - السَّلَامَ ") (١٧) (قَالَ: أَدْنُو يَا مُحَمَّدُ؟ , قَالَ: " ادْنُهْ "، فَمَا زَالَ يَقُولُ: أَدْنُو مِرَارًا، وَيُقُولُ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " ادْنُ "، حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) (١٨) وفي رواية: (فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْه , وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ) (١٩) (فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا الْإِسْلَامُ (٢٠)؟ ,قَالَ: " الْإِسْلَامُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا (٢١)) (٢٢) وفي رواية: (أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) (٢٣) (وَأَنْ تُقِيمَ الصَلَاةَ [الْمَكْتُوبَةَ] (٢٤) وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ [الْمَفْرُوضَةَ] (٢٥) وَتَصُومَ رَمَضَانَ) (٢٦) (وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) (٢٧) (وَتَعْتَمِرَ وَتَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ , وَأَنْ تُتِمَّ الْوُضُوءَ ") (٢٨) (قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَنَا مُسْلِمٌ؟) (٢٩) وفي رواية: (إِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَقَدْ أَسْلَمْتُ؟) (٣٠) (قَالَ: " نَعَمْ " , قَالَ: صَدَقْتَ، فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَ الرَّجُلِ: صَدَقْتَ) (٣١) (عَجِبْنَا [مِنْهُ] (٣٢) يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ (٣٣)) (٣٤) (ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي مَا الْإِيمَانُ؟ ,

قَالَ: " الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ (٣٥) وَمَلَائِكَتِهِ (٣٦) وَكُتُبِهِ (٣٧) وَبِلِقَائِهِ (٣٨) وَرُسُلِهِ (٣٩) وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الْآخِرِ (٤٠)) (٤١) وفي رواية: (وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ) (٤٢) [وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ] (٤٣) (وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ) (٤٤) (خَيْرِهِ وَشَرِّهِ (٤٥) ") (٤٦) (قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ ذَلِكَ فَقَدْ آمَنْتُ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " نَعَمْ "، قَالَ: صَدَقْتَ (٤٧)) (٤٨) (يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي مَا الإِحْسَانُ (٤٩)؟ , قَالَ:" الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ أَنْ تَعْمَلَ للهِ (٥٠) أَنْ تَخْشَى اللهَ (٥١) كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ , فَإِنَّهُ يَرَاكَ (٥٢) " قَالَ: صَدَقْتَ) (٥٣) (يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي مَتَى السَّاعَةُ (٥٤)؟ , قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ (٥٥) فِي خَمْسٍ (٥٦) لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللهُ , ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ , وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ , وَيَعْلَمُ مَا فِي الَأَرْحَامِ , وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا , وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ , إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (٥٧) وَلَكِنْ سَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا (٥٨)) (٥٩) (إِذَا رَأَيْتَ الْأَمَةَ تَلِدُ رَبَّهَا (٦٠) وفي رواية: (إِذَا وَلَدَتِ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا) (٦١) فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا ,وَإِذَا كَانَ الْحُفَاةُ [الْجُفَاةُ] (٦٢) الْعُرَاةُ (٦٣) الصُّمُّ الْبُكْمُ (٦٤) [الْبُهْمُ (٦٥)] (٦٦) مُلُوكَ الْأَرْضِ , فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا رَأَيْتَ [رُعَاةَ الْإِبِلِ] (٦٧) [وَالْغَنَمِ] (٦٨) يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ (٦٩) فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا) (٧٠) (قَالَ: وَمَنْ أُولَئِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ , قَالَ:" الْعُرَيْبُ (٧١) ") (٧٢) (قَالَ: ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ) (٧٣) (فَلَمَّا لَمْ نَرَ طَرِيقَهُ بَعْدُ) (٧٤) فـ (قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " رُدُّوهُ عَلَيَّ " , فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوهُ) (٧٥) (فَلَمْ يَجِدُوهُ (٧٦)) (٧٧) (فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: " هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ (٧٨)) (٧٩) وفي رواية: (أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ مَعَالِمَ دِينِكُمْ (٨٠) ") (٨١)


(١) أَيْ: فِي وَسَطِهِمْ وَمُعْظَمهمْ. عون المعبود - (ج ١٠ / ص ٢١٦)
(٢) أَيْ: الْمُسَافِر. عون المعبود - (ج ١٠ / ص ٢١٦)
(٣) قَالَ فِي الْقَامُوس: الدُّكَّان: بِنَاءٌ يُسَطَّحُ أَعْلَاهُ لِلْمَقْعَدِ. عون المعبود (١٠/ ٢١٦)
(٤) اسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْقُرْطُبِيُّ اِسْتِحْبَابَ جُلُوسِ الْعَالِمِ بِمَكَانٍ يَخْتَصُّ بِهِ , وَيَكُوُن مُرْتَفِعًا إِذَا اِحْتَاجَ لِذَلِكَ لِضَرُورَةِ تَعْلِيمِ وَنَحْوه. (فتح - ح٥٠)
(٥) (س) ٤٩٩١ , (د) ٤٦٩٨
(٦) (د) ٤٦٩٨
(٧) (حم) ٣٦٧ , وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين
(٨) أَيْ: مَلَكٌ فِي صُورَة رَجُل. (فتح - ح٥٠)
(٩) (خ) ٤٤٩٩
(١٠) (م) ٨ , (ت) ٢٦١٠
(١١) (س) ٤٩٩١
(١٢) (م) ٨ , (ت) ٢٦١٠
(١٣) (س) ٤٩٩١
(١٤) (م) ٨ , (ت) ٢٦١٠
(١٥) أَيْ: الْجَمَاعَة , يَعْنِي الْجَمَاعَة الَّذِينَ كَانُوا جُلُوسًا عَنْ جَانِبَيْهِ. عون (١٠/ ٢١٦)
(١٦) (د) ٤٦٩٨
(١٧) (س) ٤٩٩١ , (د) ٤٦٩٨
(١٨) (س) ٤٩٩١
(١٩) (م) ٨ , (س) ٤٩٩٠
(٢٠) قَدَّمَ السُّؤَالَ عَنْ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ الْأَصْل، وَثَنَّى بِالْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ يُظْهِرُ مِصْدَاقَ الدَّعْوَى، وَثَلَّثَ بِالْإِحْسَانِ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّق بِهِمَا.
وَفِي رِوَايَة عُمَارَة بْن الْقَعْقَاع: بَدَأَ بِالْإِسْلَامِ , لِأَنَّهُ بِالْأَمْرِ الظَّاهِر , وَثَنَّى بِالْإِيمَانِ لِأَنَّهُ بِالْأَمْرِ الْبَاطِن , وَرَجَّحَ هَذَا الطِّيبِيّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرَقِّي.
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِصَّة وَاحِدَة , اِخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِي تَادِيَتِهَا، وَلَيْسَ فِي السِّيَاقِ تَرْتِيٌب، وَيَدُلّ عَلَيْهِ رِوَايَة مَطَرٍ الْوَرَّاق , فَإِنَّهُ بَدَأَ بِالْإِسْلَامِ, وَثَنَّى بِالْإِحْسَانِ, وَثَلَّثَ بِالْإِيمَانِ فَالْحَقُّ أَنَّ الْوَاقِعَ أَمْرٌ وَاحِد، وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّاخِيرُ وَقَعَ مِنْ الرُّوَاة. وَالله أَعْلَم.
(فتح - ح٥٠)
(٢١) قَالَ النَّوَوِيّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِبَادَةِ مَعْرِفَةُ الله , فَيَكُونُ عَطْفُ الصَّلَاة وَغَيْرِهَا عَلَيْهَا لِإِدْخَالِهَا فِي الْإِسْلَام، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعِبَادَةِ الطَّاعَةُ مُطْلَقًا، فَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْوَظَائِف، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عَطْفُ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامّ.
قُلْت: أَمَّا الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ فَبَعِيد؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ مِنْ مُتَعَلَّقَاتِ الْإِيمَان، وَأَمَّا الْإِسْلَام , فَهُوَ أَعْمَالٌ قَوْلِيَّةٌ وَبَدَنِيَّة، وَقَدْ عَبَّرَ فِي حَدِيثِ عُمَر هُنَا بِقَوْلِهِ " أَنْ تَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول الله " , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْعِبَادَةِ فِي حَدِيث الْبَاب: النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ دَفْعُ الِاحْتِمَال الثَّانِي.
وَلَمَّا عَبَّرَ الرَّاوِي بِالْعِبَادَةِ , اِحْتَاجَ أَنْ يُوَضِّحَهَا بِقَوْلِهِ " وَلَا تُشْرِك بِهِ شَيْئًا " , وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهَا فِي رِوَايَة عُمَر , لِاسْتِلْزَامِهَا ذَلِكَ. (فتح - ح٥٠)
(٢٢) (س) ٤٩٩١ , (خ) ٥٠ , (م) ٩
(٢٣) (م) ٨ , (س) ٤٩٩٠
(٢٤) (م) ٩ , (جة) ٦٤
(٢٥) (م) ٩ , (جة) ٦٤
(٢٦) (خ) ٥٠ , (م) ٩
(٢٧) (م) ٨ , (س) ٤٩٩٠
(٢٨) (خز) ١ , (حب) ١٧٣ , (د) ٤٦٩٥ , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: ١٧٥ , ١١٠١ , وصححها الألباني في الإرواء تحت حديث: ٣، وقال الأرنؤوط في (حب) ١٧٣: إسناده صحيح.
(٢٩) (خز) ١ , (حب) ١٧٣
(٣٠) (س) ٤٩٩١
(٣١) (س) ٤٩٩١
(٣٢) (جة) ٦٣
(٣٣) قَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِنَّمَا عَجِبُوا مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ جِهَتِه، وَلَيْسَ هَذَا السَّائِلُ مِمَّنْ عُرِفَ بِلِقَاءِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَا بِالسَّمَاعِ مِنْهُ، ثُمَّ هُوَ يَسْأَلُ سُؤَالَ عَارِفٍ بِمَا يَسْأَلُ عَنْهُ , لِأَنَّهُ يُخْبِرهُ بِأَنَّهُ صَادِقٌ فِيهِ، فَتَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ تَعَجُّبَ الْمُسْتَبْعِد لِذَلِكَ. وَالله أَعْلَم. (فتح - ح٥٠)
(٣٤) (م) ٨ , (س) ٤٩٩٠
(٣٥) قَوْله: (قَالَ: الْإِيمَان أَنْ تُؤْمِن بِاللهِ إِلَخْ) دَلَّ الْجَوَابُ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ , لَا عَنْ مَعْنَى لَفْظه، وَإِلَّا لَكَانَ الْجَوَاب: الْإِيمَان: التَّصْدِيق.
وَقَالَ الطِّيبِيّ: هَذَا يُوهِمُ التَّكْرَار، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ مُتَضَمِّنٌ مَعْنَى أَنْ تَعْتَرِف بِهِ، وَلِهَذَا عَدَّاهُ بِالْبَاءِ، أَيْ: أَنْ تُصَدِّقَ مُعْتَرِفًا بِكَذَا.
قُلْت: وَالتَّصْدِيقُ أَيْضًا يُعَدَّى بِالْبَاءِ , فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى دَعْوَى التَّضْمِين.
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ: لَيْسَ هُوَ تَعْرِيفًا لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، بَلْ الْمُرَادُ مِنْ الْمَحْدُودِ: الْإِيمَان الشَّرْعِيّ، وَمِنْ الْحَدِّ: الْإِيمَان اللُّغَوِيّ.
قُلْت: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَعَادَ لَفْظَ الْإِيمَانِ لِلِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِهِ تَفْخِيمًا لِأَمْرِهِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّل مَرَّة} فِي جَوَاب {مَنْ يُحْيِي الْعِظَام وَهِيَ رَمِيم}، يَعْنِي أَنَّ قَوْله (أَنْ تُؤْمِنَ) يَنْحَلُّ مِنْهُ الْإِيمَان , فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْإِيمَانُ الشَّرْعِيُّ تَصْدِيقٌ مَخْصُوصٌ، وَإِلَّا لَكَانَ الْجَوَاب: الْإِيمَانُ: التَّصْدِيق , وَالْإِيمَانُ بِاللهِ هُوَ التَّصْدِيق بِوُجُودِهِ , وَأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ , مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ النَّقْص. (فتح - ح٥٠)
(٣٦) الْإِيمَان بِالْمَلَائِكَةِ: هُوَ التَّصْدِيقُ بِوُجُودِهِمْ , وَأَنَّهُمْ كَمَا وَصَفَهُمْ الله تَعَالَى {عِبَاد مُكْرَمُونَ} , وَقَدَّمَ الْمَلَائِكَةَ عَلَى الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ نَظَرًا لِلتَّرْتِيبِ الْوَاقِع؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَرْسَلَ الْمَلَكَ بِالْكِتَابِ إِلَى الرَّسُولِ , وَلَيْسَ فِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ فَضَّلَ الْمَلَكَ عَلَى الرَّسُولِ. (فتح - ح٥٠)
(٣٧) الْإِيمَانُ بِكُتُبِ الله: التَّصْدِيقُ بِأَنَّهَا كَلَامُ الله , وَأَنَّ مَا تَضَمَّنَتْهُ حَقّ. (فتح - ح٥٠)
(٣٨) قَوْله: (وَبِلِقَائِهِ) كَذَا وَقَعَتْ هُنَا بَيْن الْكُتُبِ وَالرُّسُل، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ، وَلَمْ تَقَع فِي بَقِيَّة الرِّوَايَات، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا مُكَرَّرَةٌ , لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْإِيمَان بِالْبَعْثِ.
وَالْحَقُّ أَنَّهَا غَيْرُ مُكَرَّرَة، فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْبَعْثِ: الْقِيَامُ مِنْ الْقُبُور وَالْمُرَاد بِاللِّقَاءِ: مَا بَعْد ذَلِكَ.
وَقِيلَ: اللِّقَاء يَحْصُلُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ دَارِ الدُّنْيَا، وَالْبَعْثُ بَعْد ذَلِكَ , وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا رِوَايَة مَطَر الْوَرَّاق , فَإِنَّ فِيهَا " وَبِالْمَوْتِ , وَبِالْبَعْثِ بَعْد الْمَوْت "، وَكَذَا فِي حَدِيث أَنَس , وَابْن عَبَّاس. وَقِيلَ: الْمُرَاد بِاللِّقَاءِ: رُؤْيَة الله، ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ.
وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيّ بِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقْطَعُ لِنَفْسِهِ بِرُؤْيَةِ الله، فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا وَالْمَرْءُ لَا يَدْرِي بِمَ يُخْتَمُ لَهُ، فَكَيْف يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ شُرُوط الْإِيمَان؟.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ: الْإِيمَانُ بِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ , وَهَذَا مِنْ الْأَدِلَّة الْقَوِيَّة لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِ رُؤْيَةِ الله تَعَالَى فِي الْآخِرَة , إِذْ جُعِلَتْ مِنْ قَوَاعِد الْإِيمَان. (فتح - ح٥٠)
(٣٩) الْإِيمَان بِالرُّسُلِ: التَّصْدِيقُ بِأَنَّهُمْ صَادِقُونَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ عَنْ اللهِ، وَدَلَّ الْإِجْمَالُ فِي الْمَلَائِكَةِ وَالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ فِي الْإِيمَانِ بِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيل، إِلَّا مَنْ ثَبَتَ تَسْمِيَتُه , فَيَجِبُ الْإِيمَان بِهِ عَلَى التَّعْيِين. وَهَذَا التَّرْتِيب مُطَابِق لِلْآيَةِ {آمَنَ الرَّسُول بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبّه} وَمُنَاسَبَةُ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُور , وَإِنْ كَانَتْ الْوَاو لَا تُرَتِّبُ , بَلْ الْمُرَادُ مِنْ التَّقَدُّمِ أَنَّ الْخَيْرَ وَالرَّحْمَةَ مِنْ الله، وَمِنْ أَعْظَمِ رَحْمَتِهِ أَنْ أَنْزَلَ كُتُبَهُ إِلَى عِبَادِه، وَالْمُتَلَقِّي لِذَلِكَ مِنْهُمْ الْأَنْبِيَاء، وَالْوَاسِطَةُ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَهُمْ الْمَلَائِكَة. (فتح - ح٥٠)
(٤٠) أَمَّا الْبَعْثُ الْآخِر , فَقِيلَ: ذَكَرَ " الْآخِرَ " تَاكِيدًا , كَقَوْلِهِمْ أَمْسِ الذَّاهِب،
وَقِيلَ: لِأَنَّ الْبَعْثَ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ: الْأُولَى: الْإِخْرَاجُ مِنْ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُود , أَوْ مِنْ بُطُونِ الْأُمَّهَات بَعْدَ النُّطْفَةِ وَالْعَلَقَةِ إِلَى الْحَيَاة الدُّنْيَا.
وَالثَّانِيَة: الْبَعْثُ مِنْ بُطُونِ الْقُبُورِ إِلَى مَحَلِّ الِاسْتِقْرَار.
وَأَمَّا الْيَوْم الْآخِر , فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ , لِأَنَّهُ آخِرُ أَيَّامِ الدُّنْيَا , أَوْ آخِرُ الْأَزْمِنَةِ الْمَحْدُودَة وَالْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ بِهِ: التَّصْدِيقُ بِمَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ الْحِسَاب, وَالْمِيزَان, وَالْجَنَّة وَالنَّار. (فتح - ح٥٠)
(٤١) (خ) ٥٠ , (م) ٩
(٤٢) (حم) ١٨٤
(٤٣) (حم) ١٨٤ , وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(٤٤) (م) ١٠ , (س) ٤٩٩٠
(٤٥) الْقَدَر مَصْدَر، تَقُول: قَدَرْتُ الشَّيْء , بِتَخْفِيفِ الدَّالّ وَفَتْحهَا , أَقْدِرُهُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح , قَدْرًا , وَقَدَرًا: إِذَا أَحَطْتَ بِمِقْدَارِهِ.
وَالْمُرَاد أَنَّ الله تَعَالَى عَلِمَ مَقَادِيرَ الْأَشْيَاءِ وَأَزْمَانَهَا قَبْلَ إِيجَادِهَا، ثُمَّ أَوْجَدَ مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ يُوجَد، فَكُلُّ مُحْدَثٍ صَادِرٌ عَنْ عِلْمِهِ , وَقُدْرَتِهِ , وَإِرَادَته، هَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ الدِّين بِالْبَرَاهِينِ الْقَطْعِيَّة، وَعَلَيْهِ كَانَ السَّلَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَخِيَارِ التَّابِعِينَ، إِلَى أَنْ حَدَثَتْ بِدْعَةُ الْقَدَرِ فِي أَوَاخِرِ زَمَنِ الصَّحَابَة.
وَقَدْ حَكَى الْمُصَنِّفُونَ فِي الْمَقَالَاتِ عَنْ طَوَائِفَ مِنْ الْقَدَرِيَّة إِنْكَارَ كَوْنِ الْبَارِئ عَالِمًا بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ قَبْلَ وُقُوعِهَا مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا يَعْلَمُهَا بَعْد كَوْنِهَا.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَغَيْره: قَدْ اِنْقَرَضَ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَلَا نَعْرِفُ أَحَدًا يُنْسَبُ إِلَيْهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ , قَالَ: وَالْقَدَرِيَّةُ الْيَوْمَ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ اللهَ عَالِمٌ بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، وَإِنَّمَا خَالَفُوا السَّلَفَ فِي زَعْمِهِمْ بِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَقْدُورَةٌ لَهُمْ , وَوَاقِعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِقْلَال، وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ, مَعَ كَوْنِهِ أَخَفُّ مِنْ الْمَذْهَبِ الْأَوَّل , وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ , فَأَنْكَرُوا تَعَلُّق الْإِرَادَةِ بِأَفْعَالِ الْعِبَاد , فِرَارًا مِنْ تَعَلُّقِ الْقَدِيِم بِالْمُحْدَثِ، وَهُمْ مَخْصُومُونَ بِمَا قَالَ الشَّافِعِيّ: إِنْ سَلَّمَ الْقَدَرِيُّ بِالْعِلْمِ خُصِمَ. يَعْنِي يُقَال لَهُ: أَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فِي الْوُجُودِ خِلَافُ مَا تَضَمَّنَهُ الْعِلْم؟ , فَإِنْ مَنَعَ , وَافَقَ قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّة، وَإِنْ أَجَازَ , لَزِمَهُ نِسْبَة الْجَهْل، تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ.
(فتح - ح٥٠)
(٤٦) (م) ٨ , (ت) ٢٦١٠
(٤٧) ظَاهِرُ السِّيَاق يَقْتَضِي أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى مَنْ صَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ، وَقَدْ اِكْتَفَى الْفُقَهَاءُ بِإِطْلَاقِ الْإِيمَانِ عَلَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَرَسُولِه، وَلَا اِخْتِلَاف؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِرَسُولِ اللهِ الْمُرَادُ بِهِ الْإِيمَانُ بِوُجُودِهِ , وَبِمَا جَاءَ بِهِ عَنْ رَبِّه، فَيَدْخُلُ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ تَحْتَ ذَلِكَ. وَالله أَعْلَم. (فتح - ح٥٠)
(٤٨) (س) ٤٩٩١ , (حم) ٢٩٢٦
(٤٩) تَقُول: أَحْسَنْتَ كَذَا , إِذَا أَتْقَنْتَه، وَأَحْسَنْتَ إِلَى فُلَان , إِذَا أَوْصَلْتَ إِلَيْهِ النَّفْعَ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُرَاد , لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِتْقَانُ الْعِبَادَة.
وَقَدْ يُلْحَظ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُخْلِصَ مَثَلًا , مُحْسِنٌ بِإِخْلَاصِهِ إِلَى نَفْسِه.
وإِحْسَان الْعِبَادَة: الْإِخْلَاصُ فِيهَا , وَالْخُشُوعُ , وَفَرَاغُ الْبَالِ حَالَ التَّلَبُّسِ بِهَا , وَمُرَاقَبَةُ الْمَعْبُود. (فتح - ح٥٠)
(٥٠) (حم) ١٨٤ , (حب) ١٧٣ , وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(٥١) (م) ١٠
(٥٢) أَشَارَ فِي الْجَوَابِ إِلَى حَالَتَيْنِ: أَرْفَعُهُمَا أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ مُشَاهَدَةُ الْحَقِّ بِقَلْبِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَاهُ بِعَيْنِهِ , وَهُوَ قَوْله " كَأَنَّك تَرَاهُ " أَيْ: وَهُوَ يَرَاكَ.
وَالثَّانِيَة: أَنْ يَسْتَحْضِرَ أَنَّ الْحَقَّ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ , يَرَى كُلَّ مَا يَعْمَلُ، وَهُوَ قَوْله " فَإِنَّهُ يَرَاك " , وَهَاتَانِ الْحَالَتَانِ يُثَمِّرُهُمَا مَعْرِفَةُ اللهِ وَخَشْيَتُه.
وَقَالَ النَّوَوِيّ: مَعْنَاهُ أَنَّكَ إِنَّمَا تُرَاعِي الْآدَابَ الْمَذْكُورَةَ إِذَا كُنْتَ تَرَاهُ وَيَرَاكَ، لِكَوْنِهِ يَرَاكَ , لَا لِكَوْنِك تَرَاهُ , فَهُوَ دَائِمًا يَرَاك، فَأَحْسِنْ عِبَادَتَه وَإِنْ لَمْ تَرَهُ، فَتَقْدِير الْحَدِيث: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ , فَاسْتَمِرَّ عَلَى إِحْسَانِ الْعِبَادَة , فَإِنَّهُ يَرَاك. (فتح - ح٥٠)
(٥٣) (خ) ٥٠ , (م) ١٠
(٥٤) أَيْ: مَتَى تَقُوم السَّاعَة؟ , وَالْمُرَاد: يَوْم الْقِيَامَة. (فتح - ح٥٠)
(٥٥) عَدَلَ عَنْ قَوْله (لَسْت بِأَعْلَم بِهَا مِنْك) إِلَى لَفْظٍ يُشْعِرُ بِالتَّعْمِيمِ , تَعْرِيضًا لِلسَّامِعِينَ، أَيْ: أَنَّ كُلَّ مَسْئُولٍ وَكُلَّ سَائِلٍ فَهُوَ كَذَلِكَ.
قَالَ النَّوَوِيّ: يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ أَنَّ الْعَالِمَ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ , يُصَرِّح بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ، وَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ نَقْصٌ مِنْ مَرْتَبَتِه، بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى مَزِيدِ وَرَعِه. (فتح - ح٥٠)
(٥٦) أَيْ: عِلْمُ وَقْتِ السَّاعَةِ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ خَمْس , كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فِي تِسْع آيَات} , أَيْ: اِذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ بِهَذِهِ الْآيةِ فِي جُمْلَةِ تِسْعِ آيَات. (فتح - ح٥٠)
(٥٧) [لقمان/٣٤]
(٥٨) أَشْرَاط السَّاعَة: عَلَامَاتُهَا , وَمِنْهَا مَا يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْمُعْتَاد، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ خَارِقًا لِلْعَادَةِ. (فتح - ح٨٠)
(٥٩) (خ) ٥٠ , (م) ١٠
(٦٠) الْمُرَاد بِالرَّبِّ: الْمَالِكُ أَوْ السَّيِّد , وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي مَعْنَى ذَلِكَ، وَقَدْ لَخَّصْتُهَا بِلَا تَدَاخُل:
الْأَوَّل: قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَاهُ اِتِّسَاعُ الْإِسْلَامِ , وَاسْتِيلَاءُ أَهْلِهِ عَلَى بِلَادِ الشِّرْكِ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ، فَإِذَا مَلَكَ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ وَاسْتَوْلَدَهَا , كَانَ الْوَلَد مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ رَبِّهَا لِأَنَّهُ وَلَد سَيِّدهَا , قَالَ النَّوَوِيّ وَغَيْره: إِنَّهُ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ.
قُلْت: لَكِنَّ فِي كَوْنِهِ الْمُرَادُ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ اِسْتِيلَادَ الْإِمَاءِ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْمَقَالَة، وَالِاسْتِيلَاءُ عَلَى بِلَادِ الشِّرْكِ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ وَاِتِّخَاذُهُمْ سَرَارِيَّ وَقَعَ أَكْثَرُهُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَام، وَسِيَاقُ الْكَلَامِ يَقْتَضِي الْإِشَارَةَ إِلَى وُقُوعِ مَا لَمْ يَقَعْ مِمَّا سَيَقَعُ قُرْبَ قِيَامِ السَّاعَة.
الثَّانِي: أَنْ تَبِيعَ السَّادَةُ أُمَّهَاتِ أَوْلَادهمْ , وَيَكْثُرُ ذَلِكَ , فَيَتَدَاوَلُ الْمُلَّاكُ الْمُسْتَوْلَدَةَ حَتَّى يَشْتَرِيَهَا وَلَدُهَا , وَلَا يَشْعُرُ بِذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا , فَاَلَّذِي يَكُونُ مِنْ الْأَشْرَاطِ غَلَبَةُ الْجَهْلِ بِتَحْرِيمِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَاد , أَوْ الِاسْتِهَانَةُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة.
فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا , فَلَا يَصْلُحُ الْحَمْلُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا جَهْلَ وَلَا اِسْتِهَانَةَ عِنْدَ الْقَائِلِ بِالْجَوَازِ.
قُلْنَا: يَصْلُحُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى صُورَةٍ اِتِّفَاقِيَّةٍ , كَبَيْعِهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا، فَإِنَّهُ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ.
الثَّالِث: أَنْ يَكْثُرَ الْعُقُوقُ فِي الْأَوْلَادِ , فَيُعَامِلُ الْوَلَدُ أُمَّهُ مُعَامَلَةَ السَّيِّدِ أَمَتَه , مِنْ الْإِهَانَةِ بِالسَّبِّ وَالضَّرْبِ وَالِاسْتِخْدَام , فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ رَبُّهَا مَجَازًا لِذَلِكَ.
أَوْ الْمُرَاد بِالرَّبِّ: الْمُرَبِّي , فَيَكُونُ حَقِيقَة، وَهَذَا أَوْجَهُ الْأَوْجُهِ عِنْدِي لِعُمُومِهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقَامَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ حَالَةٌ تَكُونُ مَعَ كَوْنِهَا تَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْأَحْوَالِ مُسْتَغْرَبَة.
وَمُحَصَّلُهُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ السَّاعَةَ يَقْرُبُ قِيَامُهَا عِنْد اِنْعِكَاسِ الْأُمُور , بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمُرَبَّى مُرَبِّيًا , وَالسَّافِل عَالِيًا، وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ فِي الْعَلَامَة الْأُخْرَى: " أَنْ تَصِير الْحُفَاةُ مُلُوكَ الْأَرْضِ ".
قَالَ النَّوَوِيّ: يُجْمَع بَيْن مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ إِطْلَاقِ الرَّبِّ عَلَى السَّيِّدِ الْمَالِكِ فِي قَوْله " رَبّهَا " وَبَيْنَ مَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ , وَهُوَ فِي الصَّحِيح " لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ أَطْعِمْ رَبَّكَ، وَضِّئْ رَبَّك، اِسْقِ رَبَّك، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي وَمَوْلَايَ " بِأَنَّ اللَّفْظَ هُنَا خَرَجَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَة , أَوْ الْمُرَادُ بِالرَّبِّ هُنَا الْمُرَبِّي، وَفِي الْمَنْهِيّ عَنْهُ السَّيِّد، أَوْ أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ مُتَأَخِّرٌ، أَوْ مُخْتَصٌّ بِغَيْرِ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -. (فتح - ح٥٠)
(٦١) (جة) ٦٤ , (خ) ٤٤٩٩
(٦٢) (حم) ٩٤٩٧ , وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(٦٣) الْحُفَاة الْعُرَاة: الْمُرَادُ بِهِمْ أَهْلُ الْبَادِيَة.
(٦٤) قِيلَ لَهُمْ (الصُّمّ الْبُكْم) مُبَالَغَةً فِي وَصْفِهِمْ بِالْجَهْلِ، أَيْ: لَمْ يَسْتَعْمِلُوا أَسْمَاعَهُمْ وَلَا أَبْصَارَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ , وَإِنْ كَانَتْ حَوَاسُّهُمْ سَلِيمَة.
(فتح - ح٥٠)
(٦٥) قَالَ الْقُرْطُبِيّ: الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُمْ سُودُ الْأَلْوَان , لِأَنَّ الْأُدْمَةَ غَالِبُ أَلْوَانهمْ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا شَيْءَ لَهُمْ , كَقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - " يُحْشَر النَّاس حُفَاة عُرَاة بُهْمًا " ,
قَالَ: وَفِيهِ نَظَر؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَسَبَ لَهُمْ الْإِبِل، فَكَيْفَ يُقَالُ لَا شَيْءَ لَهُمْ.
قُلْت: يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا إِضَافَةُ اِخْتِصَاصٍ لَا مِلْك، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ , أَنَّ الرَّاعِي يَرْعَى لِغَيْرِهِ بِالْأُجْرَةِ، وَأَمَّا الْمَالِكُ , فَقَلَّ أَنْ يُبَاشِرَ الرَّعْيَ بِنَفْسِهِ. (فتح - ح٥٠)
(٦٦) (خ) ٥٠
(٦٧) (خ) ٥٠
(٦٨) (جة) ٦٤
(٦٩) أَيْ: تَفَاخَرُوا فِي تَطْوِيلِ الْبُنَيَانِ , وَتَكَاثَرُوا بِهِ. (فتح - ح٥٠)
(٧٠) (م) ١٠
(٧١) الْمُرَاد بِهِمْ أَهْل الْبَادِيَة.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: الْمَقْصُودُ الْإِخْبَارُ عَنْ تَبَدُّلِ الْحَالِ , بِأَنْ يَسْتَوْلِيَ أَهْلُ الْبَادِيَةِ عَلَى الْأَمْر , وَيَتَمَلَّكُوا الْبِلَادَ بِالْقَهْرِ , فَتَكْثُرُ أَمْوَالُهُمْ , وَتَنْصَرِفُ هِمَمُهمْ إِلَى تَشْيِيدِ الْبُنْيَانِ وَالتَّفَاخُرِ بِهِ، وَقَدْ شَاهَدْنَا ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَان , وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَر: " لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَكُون أَسْعَد النَّاس بِالدُّنْيَا لُكَع اِبْن لُكَع " , وَمِنْهُ: " إِذَا وُسِّدَ الْأَمْر - أَيْ: أُسْنِدَ - إِلَى غَيْر أَهْله فَانْتَظِرُوا السَّاعَة " , وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيح. (فتح - ح٤٨)
(٧٢) (حم) ١٧٢٠٧ , ١٧٥٣٧ , انظر الصَّحِيحَة: ١٣٤٥
(٧٣) (م) ١٠
(٧٤) (حم) ١٧٢٠٧
(٧٥) (م) ٩
(٧٦) فِي الحديثِ أَنَّ الْمَلَكَ يَجُوزُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لِغَيْرِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَيَرَاهُ وَيَتَكَلَّمُ بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ يَسْمَعُ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ كَلَامَ الْمَلَائِكَة. (فتح - ح٥٠)
(٧٧) (حم) ٣٧٤ , وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
(٧٨) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: اِشْتَمَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى جَمِيعِ وَظَائِفِ الْعِبَادَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ مِنْ عُقُودِ الْإِيمَان , اِبْتِدَاءً , وَحَالًا , وَمَآلًا , وَمِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِح، وَمِنْ إِخْلَاصِ السَّرَائِر , وَالتَّحَفُّظِ مِنْ آفَاتِ الْأَعْمَال، حَتَّى إِنَّ عُلُومَ الشَّرِيعَةِ كُلِّهَا رَاجِعَةٌ إِلَيْهِ , وَمُتَشَعِّبَة مِنْهُ. (فتح - ح٥٠)
(٧٩) (خ) ٥٠ , (م) ٨ , (د) ٤٦٩٥
(٨٠) أَيْ: مَسَائِله. حاشية السندي على ابن ماجه - (ج ١ / ص ٥٥)
(٨١) (ت) ٢٦١٠ , (جة) ٦٣