للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م س) , وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: (أَمَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى أَنْ أَسْأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - عَنْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مَا أَمْرُهُمَا: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا , يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (١) {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (٢) قَالَ: فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ , فَقَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ) (٣) (قَالَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا فَأَكْثَرُوا , وَزَنَوْا فَأَكْثَرُوا: يَا مُحَمَّدُ , إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ , لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً) (٤) (فَقَدْ قَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ وَدَعَوْنَا مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ , وَقَدْ أَتَيْنَا الْفَوَاحِشَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ , فَأَنْزَلَ اللهُ: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ , وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا , فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ , وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} , قَالَ: فَهَذِهِ لِأُولَئِكَ) (٥) (يُبَدِّلُ اللهُ شِرْكَهُمْ إِيمَانًا , وَزِنَاهُمْ إِحْصَانًا , وَنَزَلَتْ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ , إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا , إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (٦)) (٧) (وَأَمَّا الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ , فَالرَّجُلُ إِذَا) (٨) (دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ) (٩) (وَعَرَفَ شَرَائِعَهُ , ثُمَّ قَتَلَ (١٠)) (١١) (فلَا تَوْبَةَ لَهُ (١٢)) (١٣) ({فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}) (١٤) (ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ لَقَدْ أَنْزَلَهَا اللهُ فِي آخِرِ مَا أَنْزَلَ , وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ) (١٥) (قَالَ سَعِيدٌ: فَذَكَرْتُهُ لِمُجَاهِدٍ فَقَالَ: إِلَّا مَنْ نَدِمَ (١٦)) (١٧).


(١) [الفرقان/٦٨ - ٧٠]
(٢) [النساء/٩٣]
(٣) (خ) ٣٦٤٢
(٤) (خ) ٤٥٣٢
(٥) (خ) ٣٦٤٢ , (م) ١٢٢
(٦) [الزمر/٥٣]
(٧) (س) ٤٠٠٣ , (خ) ٤٥٣٢
(٨) (خ) ٣٦٤٢
(٩) (م) ٣٠٢٣
(١٠) مَقْصُودُ ابْن عَبَّاس - رضي الله عنه - أَنَّ الْآيَة الَّتِي فِي الْفُرْقَان نَزَلَتْ فِي أَهْل الشِّرْك , وَالْآيَة الَّتِي فِي النِّسَاء , نَزَلَتْ فِي أَهْل الْإِسْلَام الَّذِينَ عَلِمُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ , وَتَحْرِيمَ الْقَتْل , فَجَعَلَ - رضي الله عنه - مَحَلَّ الْآيَتَيْنِ مُخْتَلِفًا.
وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ " فَقَالَ - أَيْ اِبْن عَبَّاس -: هَذِهِ مَكِّيَّة , أَرَاهُ نَسَخَتْهَا آيَةٌ مَدَنِيَّةٌ, الَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء " , فَمِنْ هَذِهِ الرِّوَايَة يَظْهَر أَنَّ مَحَلَّ الْآيَتَيْنِ عِنْد اِبْن عَبَّاس وَاحِد.
قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْح: إِنَّ اِبْنَ عَبَّاس كَانَ تَارَةً يَجْعَلُ الْآيَتَيْنِ فِي مَحَلٍّ وَاحِد , فَلِذَلِكَ يَجْزِم بِنَسْخِ إِحْدَاهُمَا , وَتَارَةً يَجْعَلُ مَحَلَّهُمَا مُخْتَلِفًا.
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْن كَلَامَيْهِ بِأَنَّ عُمُومَ الَّتِي فِي الْفُرْقَان , خُصَّ مِنْهَا مُبَاشَرَةُ الْمُؤْمِنِ الْقَتْلَ مُتَعَمِّدًا، وَكَثِيرٌ مِنْ السَّلَف يُطْلِقُونَ النَّسْخَ عَلَى التَّخْصِيص , وَهَذَا أَوْلَى مِنْ حَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى التَّنَاقُض , وَأَوْلَى مِنْ دَعْوَى أَنَّهُ قَالَ بِالنَّسْخِ , ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ. عون المعبود - (ج ٩ / ص ٣٠٩)
(١١) (خ) ٣٦٤٢
(١٢) هَذَا هُوَ الْمَشْهُور عَنْ اِبْن عَبَّاس - رضي الله عنه - وَجَاءَ عَلَى وَفْقِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ أَحَادِيثٌ كَثِيرَة.
وَمَذْهَبُ جَمِيعِ أَهْل السُّنَّة , وَالصَّحَابَة , وَالتَّابِعِينَ , وَمَنْ بَعْدَهُمْ: مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى التَّغْلِيظ، وَصَحَّحُوا تَوْبَةَ الْقَاتِل كَغَيْرِهِ.
وَقَالُوا: مَعْنَى قَوْله: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} أَيْ: إِنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يُجَازِيَهُ , تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء أَيْضًا: {إِنَّ الله لَا يَغْفِر أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِر مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء}.
وَمِنْ الْحُجَّة فِي ذَلِكَ حَدِيثُ الْإِسْرَائِيلِيّ الَّذِي قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا , ثُمَّ أَتَى تَمَامَ الْمِائَة , فَقَالَ لَهُ: لَا تَوْبَةَ، فَقَتَلَهُ فَأَكْمَلَ بِهِ مِائَةً , ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: " وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّوْبَة "، وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُور.
وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ لِمَنْ قُبِلَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّة , فَمِثْلُهُ لَهُمْ أَوْلَى , لِمَا خَفَّفَ اللهُ عَنْهُمْ مِنْ الْأَثْقَالِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ. فتح الباري (١٣/ ٢٨٢)
(١٣) (م) ٣٠٢٣ , (خ) ٤٤٨٦
(١٤) (خ) ٣٦٤٢
(١٥) (م) ٣٠٢٣ , ٤٣١٤
(١٦) أَيْ: فَإِنَّ لَهُ تَوْبَة. عون المعبود - (ج ٩ / ص ٣٠٩)
(١٧) (خ) ٣٦٤٢