للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(حم) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " إِنَّ الرَّحِمَ شِجْنَةٌ (١) آخِذَةٌ بِحُجْزَةِ الرَّحْمَنِ , يَصِلُ مَنْ وَصَلَهَا , وَيَقْطَعُ مَنْ قَطَعَهَا" (٢)

الشرح (٣)


(١) أَيْ: أُخِذَ اِسْمُهَا مِنْ هَذَا الِاسْم , كَمَا فِي حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف فِي السُّنَن مَرْفُوعًا: " أَنَا الرَّحْمَن، خَلَقْتُ الرَّحِم , وَشَقَقْتُ لَهَا اِسْمًا مِنْ اِسْمِي " , وَالْمَعْنَى أَنَّهَا أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الرَّحْمَةِ , مُشْتَبِكَةٌ بِهَا؛ فَالْقَاطِعُ لَهَا مُنْقَطِعٌ مِنْ رَحْمَةِ الله.
وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّحِمَ اشْتُقَّ اِسْمُهَا مِنْ اِسْمِ الرَّحْمَنِ فَلَهَا بِهِ عَلَاقَة، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا مِنْ ذَاتِ الله. تَعَالَى الله عَنْ ذَلِكَ. فتح (ج١٧ص١١٥)
(٢) (حم) ٢٩٥٦ , انظر صَحِيح الْجَامِع: ١٦٢٩ , الصَّحِيحَة: ١٦٠٢
(٣) قَالَ الْقُرْطُبِيّ: الرَّحِمُ الَّتِي تُوصَلُ , عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، فَالْعَامَّةُ: رَحِمُ الدِّين وَتَجِبُ مُوَاصَلَتُهَا بِالتَّوَادُدِ وَالتَّنَاصُحِ , وَالْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ, وَالْقِيَامِ بِالْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ , وَأَمَّا الرَّحِمُ الْخَاصَّة: فَتَزِيدُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْقَرِيب , وَتَفَقُّدِ أَحْوَالِهِمْ , وَالتَّغَافُلِ عَنْ زَلَّاتِهِمْ , وَتَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُ اِسْتِحْقَاقِهِمْ فِي ذَلِكَ , كَمَا فِي الْحَدِيث " الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَب ".
وَقَالَ اِبْن أَبِي جَمْرَة: تَكُونُ صِلَةُ الرَّحِم بِالْمَالِ، وَبِالْعَوْنِ عَلَى الْحَاجَة، وَبِدَفْعِ الضَّرَر، وَبِطَلَاقَةِ الْوَجْه، وَبِالدُّعَاءِ.
وَالْمَعْنَى الْجَامِع: إِيصَالُ مَا أَمْكَنَ مِنْ الْخَيْرِ، وَدَفْعُ مَا أَمْكَنَ مِنْ الشَّرِّ بِحَسَبِ الطَّاقَة، وَهَذَا إِنَّمَا يَسْتَمِرُّ إِذَا كَانَ أَهْلُ الرَّحِمِ أَهْلَ اسْتِقَامَةٍ، فَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا أَوْ فُجَّارًا , فَمُقَاطَعَتُهُمْ فِي اللهِ هِيَ صِلَتُهُمْ، بِشَرْطِ بَذْلِ الْجُهْدُ فِي وَعْظِهمْ , ثُمَّ إِعْلَامُهُمْ إِذَا أَصَرُّوا أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ تَخَلُّفِهِمْ عَنْ الْحَقّ، وَلَا يَسْقُطُ مَعَ ذَلِكَ صِلَتُهُمْ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ بِظَهْرِ الْغَيْبِ أَنْ يَعُودُوا إِلَى الطَّرِيق الْمُثْلَى. فتح الباري (١٧/ ١١٥)