للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(م جة حم) , وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ , تَرْكُ الصَلَاةِ) (١) (فَإِذَا تَرَكَهَا فَقَدْ أَشْرَكَ ") (٢) وفي رواية: " فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ " (٣)

الشرح (٤)


(١) (م) ٨٢ , (ت) ٢٦٢٠
(٢) (جة) ١٠٨٠ , انظر صَحِيح الْجَامِع: ٥٣٨٨، صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: ٥٦٨
(٣) (حم) ٢٣٠٥٧ , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده قوي.
(٤) مَعْنَى " بَيْنهُ وَبَيْنَ الشِّرْك تَرْكُ الصَّلَاةِ ", أَيْ أَنَّ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ كُفْرِه كَوْنُه لَمْ يَتْرُكْ الصَّلَاة، فَإِذَا تَرَكَهَا لَمْ يَبْقَ بَيْنَه وَبَيْن الشِّرْكِ حَائِل، بَلْ دَخَلَ فِيهِ , ثُمَّ إِنَّ الشِّرْكَ وَالْكُفْرَ قَدْ يُطْلَقَانِ بِمَعْنَى وَاحِدٍ , وَهُوَ الْكُفْر بِاللهِ تَعَالَى , وَأَمَّا تَارِك الصَّلَاة , فَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا لِوُجُوبِهَا , فَهُوَ كَافِرٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، خَارِجٌ مِنْ مِلَّة الْإِسْلَام , إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ , وَلَمْ يُخَالِط الْمُسْلِمِينَ مُدَّةً يَبْلُغُهُ فِيهَا وُجُوبُ الصَّلَاة عَلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ تَكَاسُلًا مَعَ اِعْتِقَادِه وُجُوبَهَا , كَمَا هُوَ حَالُ كَثِيرٍ مِنْ النَّاس فَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ:
فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا الله , وَالْجَمَاهِير مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف إِلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُر , بَلْ يَفْسُقُ , وَيُسْتَتَاب , فَإِنْ تَابَ , وَإِلَّا قَتَلْنَاهُ حَدًّا , كَالزَّانِي الْمُحْصَن، وَلَكِنَّهُ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ إِلَى أَنَّهُ يَكْفُر , وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب كَرَّمَ الله وَجْهه , وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد بْن حَنْبَل - رحمه الله - وَبِهِ قَالَ عَبْد الله بْن الْمُبَارَك , وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ , وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رضي الله عنه -.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَة , وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْل الْكُوفَة , وَالْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا الله أَنَّهُ لَا يَكْفُر، وَلَا يُقْتَل، بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّي. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِكُفْرِهِ بِظَاهِرِ الْحَدِيث، وَبِالْقِيَاسِ عَلَى كَلِمَة التَّوْحِيد. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: لَا يُقْتَل , بِحَدِيثِ: " لَا يَحِلُّ دَمُ اِمْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث " , وَلَيْسَ فِيهِ الصَّلَاة.
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُر , بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} , وَبِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: " مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله دَخَلَ الْجَنَّة " , وَ " مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله دَخَلَ الْجَنَّة " , وَ " لَا يَلْقَى الله تَعَالَى عَبْد بِهِمَا غَيْر شَاكٍّ فَيُحْجَب عَنْ الْجَنَّةِ " , و " حَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّار مَنْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله " , وَغَيْر ذَلِكَ.
وَاحْتَجُّوا عَلَى قَتْلِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} , وَقَوْله - صلى الله عليه وسلم -: " أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله , وَيُقِيمُوا الصَّلَاة , وَيُؤْتُوا الزَّكَاة , فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ ".
وَتَأَوَّلُوا قَوْله - صلى الله عليه وسلم -: " بَيْن الْعَبْدِ وَبَيْنِ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاة " عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عُقُوبَةَ الْكَافِر , وَهِيَ الْقَتْل، أَوْ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَئُولُ بِهِ إِلَى الْكُفْر، أَوْ أَنَّ فِعْلَهُ فِعْلُ الْكُفَّار. وَالله أَعْلَم. (النووي - ج ١ / ص ١٧٩)