للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ (١) فَمَنْ رَغِبَ عَنْ أَبِيهِ , فَهُوَ كُفْرٌ " (٢)

الشرح (٣)


(١) أَيْ: لَا تَنْتَسِبُوا إِلَى غَيْرهمْ. فتح الباري (١٩/ ٢٥٧)
(٢) (خ) ٦٣٨٦ , (م) ٦٢
(٣) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَيْسَ مَعْنَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ مَنْ اِشْتَهَرَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْوَعِيدِ , كَالْمِقْدَادِ بْن الْأَسْوَد، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ مَنْ تَحَوَّلَ عَنْ نِسْبَتِهِ لِأَبِيهِ , إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ , عَالِمًا عَامِدًا مُخْتَارًا، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة لَا يَسْتَنْكِرُونَ أَنْ يَتَبَنَّى الرَّجُلُ وَلَدَ غَيْرِهِ , وَيَصِيرُ الْوَلَدُ يُنْسَبُ إِلَى الَّذِي تَبَنَّاهُ , حَتَّى نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ} , وَقَوْله سُبْحَانه وَتَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} , فَنُسِبَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَبِيهِ الْحَقِيقِيِّ , وَتَرَكَ الِانْتِسَابَ إِلَى مَنْ تَبَنَّاهُ , لَكِنْ بَقِيَ بَعْضُهُمْ مَشْهُورًا بِمَنْ تَبَنَّاهُ , فَيُذْكَرُ بِهِ لِقَصْدِ التَّعْرِيفِ , لَا لِقَصْدِ النَّسَبِ الْحَقِيقِيِّ , كَالْمِقْدَادِ بْن الْأَسْوَد، وَلَيْسَ الْأَسْوَدُ أَبَاهُ، وَإِنَّمَا كَانَ تَبَنَّاهُ , وَاسْمُ أَبِيهِ الْحَقِيقِيّ: عَمْرو بْن ثَعْلَبَة بْن مَالِك بْن رَبِيعَة الْبَهْرَانِيّ، وَكَانَ أَبُوهُ حَلِيفَ كِنْدَة , فَقِيلَ لَهُ: الْكِنْدِيّ، ثُمَّ حَالَفَ هُوَ الْأَسْوَدَ بْنَ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيّ , فَتَبَنَّى الْمِقْدَادَ , فَقِيلَ لَهُ: اِبْنُ الْأَسْوَد. اِنْتَهَى مُلَخَّصًا مُوَضَّحًا.
قَالَ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْكُفْرِ حَقِيقَةَ الْكُفْرِ الَّتِي يَخْلُدُ صَاحِبُهَا فِي النَّارِ.
وَقَالَ بَعْض الشُّرَّاح: سَبَبُ إِطْلَاقِ الْكُفْرِ هُنَا , أَنَّهُ كَذَبَ عَلَى الله , كَأَنَّهُ يَقُول: خَلَقَنِي اللهُ مِنْ مَاء فُلَان، وَلَيْسَ كَذَلِكَ , لِأَنَّهُ إِنَّمَا خَلَقَهُ مِنْ غَيْرِهِ.
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَدِيث " اِبْن أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ "
و" مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ " , لَيْسَ عَلَى عُمُومِه , إِذْ لَوْ كَانَ عَلَى عُمُومِهِ لَجَازَ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى خَالِهِ مَثَلًا , وَكَانَ مُعَارِضًا لِحَدِيثِ الْبَابِ الْمُصَرِّحِ بِالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَعُرِفَ أَنَّهُ خَاصٌّ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ مِنْهُمْ فِي الشَّفَقَةِ وَالْبِرِّ وَالْمُعَاوَنَةِ , وَنَحْوِ ذَلِكَ. فتح الباري (١٩/ ١٧١)