للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م) , وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ (١) مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ (٢) مِنْ النَّارِ (٣) " (٤)


(١) أي: إنَّ العقابَ عليهِ أشَدُّ؛ لأنَّ المَفْسَدَةَ الحَاصِلَةَ بذلكَ أشَدُّ؛ فإنَّهُ كَذِبٌ على اللهِ تعالى، ووَضْعُ شرعٍ أو تَغْييرُهُ , وافتراءُ الكذبِ على اللهِ تعالى مُحَرَّمٌ مُطْلقًا، قصَدَ بِهِ الإضلالَ , أو لم يَقْصِد؛ قالَهُ الطحاويُّ.
ولأنَّ وَضْعَ الخَبَرِ الذي يُقْصَدُ به الترغيبُ , كَذِبٌ على اللهِ تعالى في وضعِ الأَحْكامِ؛ فإنَّ المندوبَ قِسْمٌ من أقْسَامِ الأحكامِ الشرعية، وإخبارٌ عن أنَّ اللهَ تعالى وَعَدَ على ذَلِكَ العملِ بِذَلكَ الثَّوَابِ، وكُلُّ ذلكَ كَذِبٌ وافتراءٌ على اللهِ تعالى؛ فَيَتَنَاوَلُه عُمُومُ قولِه تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا}.
وقد استجازَ بعضُ فقهاءِ العراقِ نِسْبَةَ الحُكْمِ الذي دَلَّ عليه القِياسُ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نسبةً قَوْلِيَّة، وحكايَةً نَقْلِيَّة، فيقولُ في ذلك: قالَ رَسولُ الله ِ - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا؛ ولذلكَ ترى كُتُبَهُم مَشحونةً بأحاديثَ مَرفوعة، تَشْهَدُ مُتُونُها بأنَّهَا موضوعَةٌ؛ لأنَّهَا تُشْبِهُ فتاوى الفقهاءْ، ولا تَلِيقُ بِجَزَالةِ كلامِ سَيِّدِ الأنبياءِ، مع أَنَّهُمْ لا يُقيمون لَها صحيحَ سَنَدْ، ولا يُسْنِدونِها من أئمَّةِ النَّقْلِ إلى كبيرِ أَحَدْ، فهؤلاءِ قَدْ خالفوا ذلكَ النَّهْيَ الأَكيدْ، وشَمِلَهُمْ ذلك الذَّمُّ والوعيدْ.
ولا شَكَّ في أنَّ تكذيبَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كُفْر، وأمَّا الكَذِبُ عليه , فإنْ كانَ الكاذبُ مُسْتَحِلًّا لِذلك , فهو كافر، وإن كان غيرَ مُسْتَحِلٍّ , فهو مرتكبُ كبيرةٍ، وهل يكفُرُ بها أم لا؟ , اختُلِف فيه، والله أعلم. المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - (١/ ٣٢)
وَقَدْ قَال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِكُفْرِ مَنْ فَعَل ذَلِكَ، مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ، وَوَجَّهَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِأَنَّ الْكَذِبَ عَلَيْهِ - صلى الله عليه وسلم - هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ كَذِبٌ عَلَى اللهِ، وَإِفْسَادٌ لِلدِّينِ مِنَ الدَّاخِل. الموسوعة الفقهية الكويتية (٤٠/ ٦٢)
(٢) أَيْ: فَلْيَتَّخِذْ لِنَفْسِهِ مَنْزِلًا، يُقَال: تَبَوَّأَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ , إِذَا اِتَّخَذَهُ سَكَنًا , وَهُوَ أَمْرٌ بِمَعْنَى الْخَبَرِ أَيْضًا، أَوْ بِمَعْنَى التَّهْدِيدِ، أَوْ بِمَعْنَى التَّهَكُّمِ، أَوْ دُعَاءٌ عَلَى فَاعِلِ ذَلِكَ , أَيْ: بَوَّأَهُ اللهُ ذَلِكَ. فتح الباري (١/ ١٧٤)
(٣) لَا يَلْزَمُ مِنْ إِثْبَاتِ الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْكَذِبِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْكَذِبُ عَلَى غَيْرِهِ مُبَاحًا، بَلْ يُسْتَدَلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْكَذِبِ عَلَى غَيْرِهِ بِدَلِيلٍ آخَر، وَالْفَرْقُ بَيْنهمَا أَنَّ الْكَذِبَ عَلَيْهِ تُوُعِّدَ فَاعِلُهُ بِجَعْلِ النَّارِ لَهُ مَسْكَنًا , بِخِلَافِ الْكَذِبِ عَلَى غَيْرِه. فتح الباري (٤/ ٣٣٤)
(٤) (خ) ١٢٢٩ , (م) ٤