(٢) تَخْصِيصُه - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَدِيثِ " الشَّيْخ الزَّانِي , وَالْمَلِك الْكَذَّاب , وَالْعَائِل الْمُسْتَكْبِر " بِالْوَعِيدِ الْمَذْكُور سَبَبُه أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ اِلْتَزَمَ الْمَعْصِيَة الْمَذْكُورَةَ مَعَ بُعْدِهَا مِنْهُ، وَعَدَمُ ضَرُورَتِه إِلَيْهَا، وَضَعْفُ دَوَاعِيهَا عِنْدَه - وَإِنْ كَانَ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِذَنْبٍ - لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ إِلَى هَذِهِ الْمَعَاصِي ضَرُورَة مُزْعِجَة، وَلَا دَوَاعِيَ مُعْتَادَة، أَشْبَهَ إِقْدَامُهُمْ عَلَيْهَا الْمُعَانَدَةَ وَالِاسْتِخْفَاف بِحَقِّ الله تَعَالَى، وَقَصْدَ مَعْصِيَتِه , لَا لِحَاجَةٍ غَيْرهَا؛ فَإِنَّ الشَّيْخ لِكَمَالِ عَقْله , وَتَمَام مَعْرِفَته بِطُولِ مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَان، وَضَعْفِ أَسْبَابِ الْجِمَاعِ وَالشَّهْوَةِ لِلنِّسَاءِ، وَاخْتِلَالِ دَوَاعِيهِ لِذَلِكَ، عِنْدَهُ مَا يُرِيحُهُ مِنْ دَوَاعِي الْحَلَال فِي هَذَا , وَيُخَلِّي سِرَّهُ مِنْهُ , فَكَيْف بِالزِّنَا الْحَرَام؟، وَإِنَّمَا دَوَاعِي ذَلِكَ الشَّبَاب، وَالْحَرَارَةُ الْغَرِيزِيَّة، وَقِلَّة الْمَعْرِفَة، وَغَلَبَة الشَّهْوَة , لِضَعْفِ الْعَقْل , وَصِغَر السِّنّ.وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ لَا يَخْشَى مِنْ أَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مُدَاهَنَتِه وَمُصَانَعَتِه؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِنَّمَا يُدَاهِنُ وَيُصَانِعُ بِالْكَذِبِ وَشِبْهِه مَنْ يَحْذَرُهُ، وَيَخْشَى أَذَاهُ وَمُعَاتَبَتَه، أَوْ يَطْلُبُ عِنْدَه بِذَلِكَ مَنْزِلَةً أَوْ مَنْفَعَة، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ الْكَذِبِ مُطْلَقًا.وَكَذَلِكَ الْعَائِلُ الْفَقِيرُ , قَدْ عَدِمَ الْمَال , وَإِنَّمَا سَبَبُ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاء وَالتَّكَبُّر وَالِارْتِفَاع عَلَى الْقُرَنَاء , الثَّرْوَة فِي الدُّنْيَا , لِكَوْنِهِ ظَاهِرًا فِيهَا، وَحَاجَاتُ أَهْلهَا إِلَيْهِ؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَه أَسْبَابُهَا , فَلِمَاذَا يَسْتَكْبِر وَيَحْتَقِرُ غَيْره؟ , فَلَمْ يَبْقَ فِعْلُه، وَفِعْلُ الشَّيْخِ الزَّانِي، وَالْإِمَامُ الْكَاذِب، إِلَّا لِضَرْبٍ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ بِحَقِّ الله تَعَالَى. النووي (ج١ص٢١٩)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute