للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م د جة) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ (" خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ , قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا " , فقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ (١)؟، " فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْهُ " , حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا , فقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لَوْ قُلْتُ نَعَمْ، لَوَجَبَتْ (٢)) (٣) (وَلَوْ وَجَبَتْ , لَمْ تَقُومُوا بِهَا، وَلَوْ لَمْ تَقُومُوا بِهَا عُذِّبْتُمْ) (٤) (بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ) (٥) (ثُمَّ قَالَ: ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ (٦) فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ (٧) كَثْرَةُ سُؤَالِهِمْ، وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ (٨)) (٩) (فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَن شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَاتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ") (١٠)

الشرح (١١)


(١) قِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ وَالزَّكَاة , فَإِنَّ الْأَوَّلَ: عِبَادَةٌ بَدَنِيَّة , وَالثَّانِي: طَاعَةٌ مَالِيَّة , وَالْحَجُّ مُرَكَّب مِنْهُمَا. عون المعبود - (ج ٤ / ص ١٢٤)
(٢) أَيْ: لَوَجَبَ الْحَجُّ كُلَّ عَام , وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يَقْتَضِي أَنَّ أَمْرَ اِفْتِرَاضِ الْحَجِّ كُلَّ عَامٍ كَانَ مُفَوَّضًا إِلَيْهِ , حَتَّى لَوْ قَالَ نَعَمْ , لَحَصَلَ , وَلَيْسَ بِمُسْتَبْعَدٍ , إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَامُرَ اللهُ تَعَالَى بِالْإِطْلَاقِ , وَيُفَوِّضَ أَمْرَ التَّقْيِيدِ إِلَى الَّذِي فُوِّضَ إِلَيْهِ الْبَيَان , فَهُوَ إِنْ أَرَادَ أَنْ يُبْقِيَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ , يُبْقِيه عَلَيْهِ , وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُقَيِّدَهُ بِكُلِّ عَامٍ يُقَيِّدهُ بِهِ.
ثُمَّ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى كَرَاهَةِ السُّؤَالِ فِي النُّصُوصِ الْمُطْلَقَة , وَالتَّفْتِيشِ عَنْ قُيُودِهَا , بَلْ يَنْبَغِي الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِهَا حَتَّى يَظْهَرَ فِيهَا قَيْدٌ , وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ مُوَافِقًا لِهَذِهِ الْكَرَاهَة. شرح سنن النسائي - (ج ٤ / ص ٩٥)
(٣) (م) ١٣٣٧ , (س) ٢٦١٩
(٤) (جة) ٢٨٨٥ , (س) ٢٦٢٠ , انظر صحيح الجامع: ٥٢٧٧
(٥) (د) ١٧٢١ , (جة) ٢٨٨٦
(٦) أَيْ: اُتْرُكُونِي مِنْ السُّؤَالِ عَنْ الْقُيُودِ فِي الْمُطْلَقَات. شرح سنن النسائي (٤/ ٩٥)
وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْأَمْر: تَرْكُ السُّؤَالِ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَقَع , خَشْيَةَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ وُجُوبُهُ
أَوْ تَحْرِيمُه، وَعَنْ كَثْرَةِ السُّؤَال , لِمَا فِيهِ غَالِبًا مِنْ التَّعَنُّت، وَخَشْيَةِ أَنْ تَقَعَ الْإِجَابَةُ بِأَمْرٍ يُسْتَثْقَل، فَقَدْ يُؤَدِّي لِتَرْكِ الِامْتِثَال , فَتَقَعُ الْمُخَالَفَة , لِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إِلَى مِثْل مَا وَقَعَ لِبَنِي إِسْرَائِيل، إِذْ أُمِرُوا أَنْ يَذْبَحُوا الْبَقَرَة , فَلَوْ ذَبَحُوا أَيّ بَقَرَة كَانَتْ , لَامْتَثَلُوا , وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا , فَشُدِّدَ عَلَيْهِمْ، وَبِهَذَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ قَوْلِه: " فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلكُمْ .. إِلَى آخِره ". فتح الباري - (ج ٢٠ / ص ٣٣٩)
(٧) أَيْ: مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. تحفة الأحوذي - (ج ٦ / ص ٤٧٨)
(٨) يَعْنِي: إِذَا أَمَرَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ بَعْدَ السُّؤَالِ أَوْ قَبْلَهُ , اخْتَلَفُوا عَلَيْهِمْ , فَهَلَكُوا وَاسْتَحَقُّوا الْإِهْلَاكَ. تحفة الأحوذي - (ج ٦ / ص ٤٧٨)
(٩) (م) ١٣٣٧ , (خ) ٦٨٥٨
(١٠) (خ) ٦٨٥٨ , (م) ١٣٣٧
(١١) قَوْله - صلى الله عليه وسلم -: (فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَاتُوا مِنْهُ مَا اِسْتَطَعْتُمْ) هَذَا مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَام الْمُهِمَّة، وَمِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي أُعْطِيَهَا - صلى الله عليه وسلم - وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْأَحْكَامِ كَالصَّلَاةِ بِأَنْوَاعِهَا، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ أَرْكَانِهَا , أَوْ بَعْضِ شُرُوطِهَا , أَتَى بِالْبَاقِي وَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْل , غَسَلَ الْمُمْكِن , وَإِذَا وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيه مِنْ الْمَاءِ لِطَهَارَتِهِ , أَوْ لِغَسْلِ النَّجَاسَة , فَعَلَ الْمُمْكِن , وَأَشْبَاهُ هَذَا غَيْرُ مُنْحَصِرَة , وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْه، وَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَصْلِ ذَلِكَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الله تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اِسْتَطَعْتُمْ} ,
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {اِتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاته} فَفِيهَا مَذْهَبَانِ:
أَحَدهمَا: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا الله مَا اِسْتَطَعْتُمْ}
وَالثَّانِي- وَهُوَ الصَّحِيح , أَوْ الصَّوَاب, وَبِهِ جَزَمَ الْمُحَقِّقُونَ -: أَنَّهَا لَيْسَتْ مَنْسُوخَة بَلْ قَوْله تَعَالَى: {فَاتَّقُوا الله مَا اِسْتَطَعْتُمْ} مُفَسِّرَة لَهَا , وَمُبَيِّنَة لِلْمُرَادِ بِهَا،
قَالُوا: {وَحَقّ تُقَاتِه} هُوَ اِمْتِثَالُ أَمْرِهِ , وَاجْتِنَابُ نَهْيِه، وَلَمْ يَامُرْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَّا بِالْمُسْتَطَاعِ، قَالَ الله تَعَالَى: {لَا يُكَلِّف الله نَفْسًا إِلَّا وُسْعهَا} , وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّين مِنْ حَرَج} وَالله أَعْلَم. شرح النووي (٤/ ٤٩٩)
فالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يَقْتَضِي دَوَامَ الْفِعْل , وَإِنَّمَا يَقْتَضِي جِنْسَ الْمَامُورِ بِهِ , وَأَنَّهُ طَاعَةٌ مَطْلُوبَةٌ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُ عَلَى قَدْر طَاقَتِه , وَأَمَّا النَّهْيُ , فَيَقْتَضِي دَوَامَ التَّرْك , وَالله تَعَالَى أَعْلَم. شرح سنن النسائي - (ج ٤ / ص ٩٥)