للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ س) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ (١) وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ (٢) فَسَدِّدُوا (٣) وَقَارِبُوا (٤) وَأَبْشِرُوا (٥)) (٦) (وَيَسِّرُوا) (٧) (وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ , وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ (٨) ") (٩)


(١) أَيْ: دِينَ الْإِسْلَامِ ذُو يُسْرٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَدْيَانِ قَبْلَه؛ لِأَنَّ اللهَ رَفَعَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةَ الْإِصْرَ الَّذِي كَانَ عَلَى مَنْ قَبْلهمْ.
وَمِنْ أَوْضَح الْأَمْثِلَة لَهُ أَنَّ تَوْبَتَهُمْ كَانَتْ بِقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ، وَتَوْبَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالْإِقْلَاعِ وَالْعَزْمِ وَالنَّدَم. فتح الباري (١/ ١٣٩)
(٢) الْمُشَادَّة: الْمُغَالَبَة، وَالْمَعْنَى: لَا يَتَعَمَّقْ أَحَدٌ فِي الْأَعْمَالِ الدِّينِيَّة , وَيَتْرُكْ الرِّفْقَ , إِلَّا عَجَزَ وَانْقَطَعَ , فَيُغْلَب.
قَالَ ابْن الْمُنِير: فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّة، فَقَدْ رَأَيْنَا وَرَأَى النَّاسُ قَبْلنَا أَنَّ كُلَّ مُتَنَطِّعٍ فِي الدِّينِ يَنْقَطِع، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَنْعُ طَلَبِ الْأَكْمَل فِي الْعِبَادَة , فَإِنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الْمَحْمُودَة , بَلْ مَنْعُ الْإِفْرَاطِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْمِلَال، أَوْ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّطَوُّعِ الْمُفْضِي إِلَى تَرْكِ الْأَفْضَل، أَوْ إِخْرَاجِ الْفَرْضِ عَنْ وَقْتِهِ , كَمَنْ بَاتَ يُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ وَيُغَالِبُ النَّوْم , إِلَى أَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَنَامَ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الْجَمَاعَة، أَوْ إِلَى أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْس , فَخَرَجَ وَقْتُ الْفَرِيضَة، وَفِي حَدِيث مِحْجَن بْن الْأَدْرَع عِنْد أَحْمَد: " إِنَّكُمْ لَنْ تَنَالُوا هَذَا الْأَمْرَ بِالْمُغَالَبَةِ، وَخَيْرُ دِينِكُمْ الْيَسَرَة ".
وَقَدْ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْإِشَارَةُ إِلَى الْأَخْذِ بِالرُّخْصَةِ الشَّرْعِيَّة، فَإِنَّ الْأَخْذَ بِالْعَزِيمَةِ فِي مَوْضِعِ الرُّخْصَةِ تَنَطُّعٌ، كَمَنْ يَتْرُكُ التَّيَمُّمَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اِسْتِعْمَالِ الْمَاء , فَيُفْضِي بِهِ اِسْتِعْمَالُهُ إِلَى حُصُولِ الضَّرَر. فتح الباري (ح٣٩)
(٣) أَيِ: الْزَمُوا السَّدَادَ , وَهُوَ الصَّوَابُ مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ.
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: السَّدَادُ: التَّوَسُّطُ فِي الْعَمَلِ. (فتح - ح٣٩)
(٤) أَيْ: إِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا الْأَخْذَ بِالْأَكْمَلِ , فَاعْمَلُوا بِمَا يَقْرُبُ مِنْهُ. (فتح - ح٣٩)
(٥) أَيْ: أَبْشِرُوا بِالثَّوَابِ عَلَى الْعَمَلِ الدَّائِمِ وَإِنْ قَلَّ , وَالْمُرَادُ: تَبْشِيرُ مَنْ عَجَزَ عَنِ الْعَمَلِ بِالْأَكْمَلِ بِأَنَّ الْعَجْزَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ صَنِيعِهِ , لَا يَسْتَلْزِمُ نَقْصَ أَجْرِهِ , وَأَبْهَمَ الْمُبَشَّرَ بِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَتَفْخِيمًا. فتح الباري (ح٣٩)
(٦) (خ) ٢٣٣٩ , (س) ٥٠٣٤
(٧) (س) ٥٠٣٤
(٨) أَيِ: اسْتَعِينُوا عَلَى مُدَاوَمَةِ الْعِبَادَةِ بِإِيقَاعِهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمُنَشِّطَةِ , وَالْغَدْوَةُ: سَيْرُ أَوَّلِ النَّهَارِ , وَالرَّوْحَةُ: السَّيْرُ بَعْدَ الزَّوَالِ , وَالدُّلْجَةُ: سَيْرُ آخِرِ اللَّيْلِ , وَقِيلَ: سَيْرُ اللَّيْلِ كُلِّهِ , وَلِهَذَا عَبَّرَ فِيهِ بِالتَّبْعِيضِ؛ وَلِأَنَّ عَمَلَ اللَّيْلِ أَشَقُّ مِنْ عَمَلِ النَّهَارِ , وَهَذِهِ الْأَوْقَاتُ أَطْيَبُ أَوْقَاتِ الْمُسَافِرِ.
وَكَأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - خَاطَبَ مُسَافِرًا إِلَى مَقْصِدٍ , فَنَبَّهَهُ عَلَى أَوْقَاتِ نَشَاطِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا سَافَرَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ جَمِيعًا , عَجَزَ وَانْقَطَعَ , وَإِذَا تَحَرَّى السَّيْرَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الْمُنَشِّطَةِ , أَمْكَنَتْهُ الْمُدَاوَمَةُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ.
وَحُسْنُ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ أَنَّ الدُّنْيَا فِي الْحَقِيقَةِ دَارُ نُقْلَةٍ إِلَى الْآخِرَةِ , وَأَنَّ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِخُصُوصِهَا أَرْوَحُ مَا يَكُونُ فِيهَا الْبَدَنُ لِلْعِبَادَةِ. (فتح - ح٣٩)
(٩) (خ) ٢٣٣٩ , (س) ٥٠٣٤