للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(م جة) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ (١) وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ (٢) احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ (٣) وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ (٤) وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ , كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ , وَمَا شَاءَ فَعَلَ، (وفي رواية: قَدَّرَ اللهُ , وَمَا شَاءَ فَعَلَ) فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ " (٥)

الشرح (٦)


(١) الْمُرَاد بِالْقُوَّةِ هُنَا: عَزِيمَةُ النَّفْسِ , وَالْقَرِيحَةُ فِي أُمُورِ الْآخِرَة، فَيَكُونُ صَاحِبُ هَذَا الْوَصْفِ أَكْثَرَ إِقْدَامًا عَلَى الْعَدُوِّ فِي الْجِهَاد، وَأَسْرَعَ خُرُوجًا إِلَيْهِ , وَذَهَابًا فِي طَلَبِهِ، وَأَشَدَّ عَزِيمَةً فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ , وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَرِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَاحْتِمَالِ الْمَشَاقِّ فِي ذَاتِ اللهِ تَعَالَى، وَأَرْغَبَ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْأَذْكَارِ وَسَائِرِ الْعِبَادَات، وَأَنْشَطَ طَلَبًا لَهَا , وَمُحَافَظَةً عَلَيْهَا، وَنَحْو ذَلِكَ. شرح النووي (ج ٩ / ص ١٩)
(٢) أَيْ: فِي كُلٍّ مِنْ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ خَيْرٌ , لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِيمَان، مَعَ مَا يَأتِي بِهِ الضَّعِيف مِنْ الْعِبَادَات. شرح النووي (ج ٩ / ص ١٩)
(٣) اِحْرِصْ عَلَى طَاعَةِ الله تَعَالَى , وَالرَّغْبَةِ فِيمَا عِنْده، وَاطْلُبْ الْإِعَانَةَ مِنْ اللهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ. شرح النووي على مسلم - (ج ٩ / ص ١٩)
(٤) أَيْ: لَا تَعْجَزْ وَلَا تَكْسَلْ عَنْ طَلَبِ الطَّاعَة، وَلَا عَنْ طَلَبِ الْإِعَانَة. النووي (٩/ ١٩)
(٥) (م) ٢٦٦٤ , (جة) ٧٩
(٦) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاء: هَذَا النَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ قَالَهُ مُعْتَقِدًا ذَلِكَ حَتْمًا، وَأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ تُصِبْهُ قَطْعًا، فَأَمَّا مَنْ رَدَّ ذَلِكَ إِلَى مَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلَّا مَا شَاءَ الله، فَلَيْسَ مِنْ هَذَا.
وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق - رضي الله عنه - فِي الْغَار: " لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا " , وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ مُسْتَقْبَل، وَلَيْسَ فِيهِ دَعْوَى لِرَدِّ قَدَرٍ بَعْدَ وُقُوعِه , وَكَذَا حَدِيثِ: " لَوْلَا حِدْثَانُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ , لَأَتْمَمْتُ الْبَيْتَ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيم " , وَ" لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ هَذِهِ " , وَ" لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ " , وَشِبْهُ ذَلِكَ، فَكُلُّهُ مُسْتَقْبَلٌ لَا اِعْتِرَاضَ فِيهِ عَلَى قَدَر، فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ اِعْتِقَادِهِ فِيمَا كَانَ يَفْعَلُ لَوْلَا الْمَانِع، وَعَمَّا هُوَ فِي قُدْرَتِه، فَأَمَّا مَا ذَهَبَ , فَلَيْسَ فِي قُدْرَتِه.
فَالَّذِي عِنْدِي فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ النَّهْيَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعُمُومِه؛ لَكِنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيه، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُه - صلى الله عليه وسلم -: " فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَان " أَيْ: يُلْقِي فِي الْقَلْبِ مُعَارَضَةَ الْقَدَر، وَيُوَسْوِسُ بِهِ الشَّيْطَان.
وَقَدْ جَاءَ مِنْ اِسْتِعْمَالِ (لَوْ) فِي الْمَاضِي , كقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لَوْ اِسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اِسْتَدْبَرْتُ , مَا سُقْتُ الْهَدْي " , وَغَيْرُ ذَلِكَ , فَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ عَنْ إِطْلَاقِ ذَلِكَ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، فَيَكُونُ نَهْيَ تَنْزِيهٍ , لَا تَحْرِيم.
فَأَمَّا مَنْ قَالَهُ تَأَسُّفًا عَلَى مَا فَاتَ مِنْ طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى، أَوْ مَا هُوَ مُتَعَذِّرٌ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَنَحْو هَذَا، فَلَا بَأسَ بِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ أَكْثَرُ الِاسْتِعْمَالِ الْمَوْجُودِ فِي الْأَحَادِيث. شرح النووي على مسلم - (ج ٩ / ص ١٩)