للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(د) , وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ مَيْمُونَةُ , فَأَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ - وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُمِرْنَا بِالْحِجَابِ - فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " احْتَجِبَا مِنْهُ " , فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ , أَلَيْسَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا وَلَا يَعْرِفُنَا؟ , فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا؟ , أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ؟ " (١) (ضعيف)


(١) قال الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (١٢/ ٨٩٩ ح٥٩٥٨): منكر. أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي في ((الكبرى)) (٢/ ٢٢٤ - ٢٢٥ - المصورة) وأحمد وغيرهم؛ كأبي يعلى في ((مسنده)) (٦٩٢٢)، ومن طريقه ابن حبان (١٩٦٨) ومن طريق غيره أيضاً (١٤٥٧)، والطبراني في ((الكبير)) (٢٣/ ٣٠٢ / ٦٧٨ و ٤٠٠/ ٩٥٦)، وابن سعد في ((الطبقات)) (٨/ ١٧٥ - ١٧٦) كلهم من طريق نبهان عن أم سلمة , وقال النسائي: " ما نعلم أحداً روى عن نبهان غير الزهري ". وأقره المزي في ((التهذيب)). قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة نبهان هذا، كما كنتُ بينتُه في ((الإرواء)) (١٧٦٩، ١٨٠٦) بزيادةٍ في تخريج الحديث في الموضع الثاني، وإنما أعدت تخريجه هنا لأمرين:
الأول: أن بعض ذوي الأهواء والمتشددين في موضوع وجه المرأة وكفيها، القائلين بأن ذلك منها عورة , احتجوا بهذا الحديث؛ مغترِّين بتصحيح من صححه؛ كالترمذي وغيره من المتقدمين وكالحافظ العسقلاني من المتأخرين!
فأقول: كانت حجتي - ولا تزال - في تضعيف هذا الحديث جهالة نبهان هذا؛ كما صرح بها ابن حزم، وأقره الذهبي في ((الضعفاء)).
ثم رأيتُ فائدة هامة في كتاب ((شرح منتهى الإرادات)) للشيخ منصور بن يونس البهوتي، فأحببتُ أن أسجلها هنا لِعِزَّتها , قال رحمه الله تعالى (٣/ ٦) بعد أن ذكر الحديث برواية أبي داود: " وقال أحمد: نبهان روى حديثين عجيبين: هذا الحديث , والآخر: " إذا كان لإحداكنَّ مكاتَبٌ؛ فلتحتجب منه ". كأنه أشار إلى ضَعْف حديثه؛ إذ لم يرو إلا هذين الحديثين المخالفَيْن للأُصول. وقال ابن عبد البر: " نبهان مجهول، وليس بمعروف بِحَمْل العلم، ولا يُعرف إلا بهذا الحديث , وحديث آخر "
قلت: وهذه الفائدة قد ذكرها الشيخ البهوتي في كتابه الآخر: (منار السبيل) (٢/ ١٤٠) الذي خرجتُ أحاديثه في كتابي ((إرواء الغليل))، وقد فاتني ذِكْرها في التخريج؛ لأن الذي نَسَخَ الأحاديث منه لم يذكرها مع الحديث. ولِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ.
وقال البيهقي (١٥/ ٣٢٧): قال الشافعي: " لم أَرَ من ارتضيتُ من أهل العلم يُثبِتُ هذا الحديث ".
إذا تبين لك ما ذكرنا من التحقيق؛ فلا يهمَّنَّك تصحيحُ من صحَّحَ الحديث؛ فإنه إما لتساهُل عُرف به , كالترمذي وابن حبان، وإما لشُبهة تعلَّق بها؛ كقول الحافظ في " الفتح " (٩/ ٣٣٧): " وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ , وَأَكْثَرُ مَا عُلِّلَ بِهِ: انْفِرَادُ الزُّهْرِيِّ بِالرِّوَايَةِ عَنْ نَبْهَانَ , وَلَيْسَتْ بِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ , فَإِنَّ مَنْ يَعْرِفُهُ الزُّهْرِيُّ , وَيَصِفُهُ بِأَنَّهُ مُكَاتَبُ أُمِّ سَلَمَةَ , وَلَمْ يُجَرِّحْهُ أَحَدٌ لَا تُرَدُّ رِوَايَتُهُ ".
كذا قال! وليس يخفى على البصير أن وَصْفَ الزهري لنبهان بما ذُكر ليس له علاقة بالتوثيق بوجه من الوجوه مُطْلَقًا، وهل هو إلا كما لو قال: " عبد فلان، أو " أخو فلان "؛ بل و" ابن فلان " ونحو ذلك من الأوصاف التي لا تُسْمِنُ ولا تُغني من جوع في التعديل والتوثيق!
وكل من له معرفة بهذا العلم وتتبع لتراجم الرواة يجد أمثلة كثيرة من هذا النوع؛ مثل أبي الأحوص مولى بني كعب، وأبي عثمان بن سنة الخزاعي الكعبي؛ فقد روى عنهما الزهري، ومع ذلك لم يوثِّقْهُما الحافظ؛ بل قال فيهما كما قال في نبهان: " مقبول "؛ أي: غير مقبول إلا إذا توبع! , هذا هو مراده كما تقدم.
وكذلك فعل جمهورٌ ممن ذهب إلى القول بأن وجه المرأة عورة؛ كالشيخ (فلان) وغيره من المقلدين حَدِيثًا وَفِقْهًا! , ولعلهم ظنوا لما رأوا تصحيح من صححه ممن سبقت الإشارة إليه أنه لا خلاف في ذلك، وذلك لِضيقِ عَطَنهم، وعدم درايتهم بأقوال المضعِّفين، وعلى رأسهم الإمام أحمد , ثم البيهقي , وابن عبد البر.
ولعل بعضَهُم عرف ذلك , ثم تجاهله لغاية في نفسه , هذا هو الأمر الأول.
والآخر: أن الحديث مع ضعف إسناده، منكرٌ في متنه؛ لِمُخَالَفَتِهِ حديث فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس رضي الله عنهما في قصة طلاقها من زوجها، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تنتقل إلى أم شريك، ثم أرسل إليها: إن أم شريك يأتيها المهاجرون الأولون، فانطلقي إلى ابن أم مكتوم الأعمى؛ فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك، فانطلقت إليه. . . الحديث. رواه مسلم (٤/ ١٩٦) وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (١٨٠٤)
فهو مخالفٌ لحديث نبهان من وجهين: الأول: إذنه صلى الله عليه وسلم لفاطمة بأن تقضي عدتها عند ابن أم مكتوم. وفي حديث نبهان أنه قال لأم سلمة وميمونة حين دخل ابن أم مكتوم: " قوما "!
والآخر: أن إذنه صلى الله عليه وسلم لها يستلزم جواز نظرها إلى ابن أم مكتوم، وفي حديث نبهان: " ألستما تبصرانه؟! ".
ولذلك؛ قال في " شرح منتهى الإرادات " (٣/ ٦): " ويباح لامرأةٍ نظرٌ من رجلٍ إلى غير عورة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس. . . (فذكر الحديث).
وقالت عائشة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه , وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد ". متفق عليه.
ولأنهن لو مُنِعْنَ النظر؛ لوجب على الرجال الحجاب كما وجب على النساء؛ لئلا يَنْظُرْنَ إليهم ".
ثم ذكر حديث نبهان , وتضعيف أحمد وابن عبد البر إياه - كما تقدم - ونقله عنه، ثم قال: " وحديث فاطمة صحيح، فالحجة به لازمة , ثم يحتمل أن حديث نبهان خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال أحمد وأبو داود ".
قلت: وهذا الجمع إنما يصار إليه لو صحَّ الحديث، وإذ لا , فلا. أ. هـ