للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م) , وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: إِنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ (١) فَقَالَ:" اسْقِهِ عَسَلًا " , فَسَقَاهُ) (٢) (ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ) (٣) (فَقَالَ: إِنِّي سَقَيْتُهُ , فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا) (٤) (فَقَالَ: " اسْقِهِ عَسَلًا " , ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ) (٥) (فَقَالَ: إِنِّي سَقَيْتُهُ, فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا) (٦) (فَقَالَ: " اسْقِهِ عَسَلًا") (٧) (ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعَةَ فَقَالَ: لَقَدْ سَقَيْتُهُ , فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا) (٨) (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " صَدَقَ اللهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ , اسْقِهِ عَسَلًا " فَسَقَاهُ فَبَرَأَ) (٩).

الشرح (١٠)


(١) أَيْ: كَثُرَ خُرُوج مَا فِيهِ، يُرِيدُ الْإِسْهَالَ. فتح الباري - (ج ١٦ / ص ٢٣٥)
(٢) (خ) ٥٣٨٦
(٣) (خ) ٥٣٦٠
(٤) (خ) ٥٣٨٦
(٥) (خ) ٥٣٦٠
(٦) (م) ٢٢١٧
(٧) (خ) ٥٣٦٠
(٨) (م) ٢٢١٧
(٩) (خ) ٥٣٦٠ , (م) ٢٢١٧
(١٠) اتَّفَقَ الْأَطِبَّاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرَضَ الْوَاحِدَ يَخْتَلِفُ عِلَاجُهُ بِاخْتِلَافِ السِّنِّ وَالْعَادَةِ وَالزَّمَانِ , وَالْغِذَاءِ الْمَالُوفِ , وَالتَّدْبِيرِ , وَقُوَّةِ الطَّبِيعَةِ , وَعَلَى أَنَّ الْإِسْهَالَ يَحْدُثُ مِنْ أَنْوَاعٍ , مِنْهَا: الْهَيْضَةُ الَّتِي تَنْشَأُ عَنْ تُخَمَةٍ , وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عِلَاجَهَا بِتَرْكِ الطَّبِيعَةِ وَفِعْلِهَا , فَإِنَّ احتَاجَتِ إِلَى مُسَهِّلٍ مُعَيَّنٍ , أُعِينَتْ مَا دَامَ بِالْعَلِيلِ قُوَّةٌ , فَكَأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ اسْتِطْلَاقُ بَطْنِهِ عَنْ تُخَمَةٍ أَصَابَتْهُ , فَوَصَفَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - الْعَسَلَ لِدَفْعِ الْفُضُولِ الْمُجْتَمِعَةِ فِي نَوَاحِي الْمَعِدَةِ وَالْأَمْعَاءِ , لِمَا فِي الْعَسَلِ مِنَ الْجَلَاءِ , وَدَفْعِ الْفُضُولِ الَّتِي تُصِيبُ الْمَعِدَةَ مِنْ أَخْلَاطٍ لَزِجَةٍ تَمْنَعُ اسْتِقْرَارَ الْغِذَاءِ فِيهَا , وَلِلْمَعِدَةِ خَمْلٌ كَخَمْلِ الْمِنْشَفَةِ , فَإِذَا عَلِقَتْ بِهَا الْأَخْلَاطُ اللَّزِجَةُ أَفْسَدَتْهَا وَأَفْسَدَتِ الْغِذَاءَ الْوَاصِلَ إِلَيْهَا , فَكَانَ دَوَاؤُهَا بِاسْتِعْمَالِ مَا يَجْلُو تِلْكَ الْأَخْلَاطَ وَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الْعَسَلِ , لَا سِيَّمَا إِنْ مُزِجَ بِالْمَاءِ الْحَارِّ , وَإِنَّمَا لَمْ يُفِدْهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ , لِأَنَّ الدَّوَاءَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِقْدَارٌ وَكَمِّيَّةٌ بِحَسَبِ الدَّاءِ , إِنْ قَصُرَ عَنْهُ لم يَدْفَعهُ بِالْكُلِّيَّةِ , وَإِن جَاوَزَهُ أَوْهَى الْقُوَّةَ , وَأَحْدَثَ ضَرَرًا آخَرَ , فَكَأَنَّهُ شَرِبَ مِنْهُ أَوَّلًا مِقْدَارًا لَا يَفِي بِمُقَاوَمَةِ الدَّاءِ , فَأَمَرَهُ بِمُعَاوَدَةِ سَقْيِهِ , فَلَمَّا تَكَرَّرَتِ الشَّرَبَاتُ بِحَسَبِ مَادَّةِ الدَّاءِ , بَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى.
وَفِي قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - " وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ " إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ هَذَا الدَّوَاءَ نَافِعٌ , وَأَنَّ بَقَاءَ الدَّاءِ لَيْسَ لِقُصُورِ الدَّوَاءِ فِي نَفْسِهِ وَلَكِنْ لِكَثْرَةِ الْمَادَّةِ الْفَاسِدَةِ , فَمِنْ ثَمَّ أَمَرَهُ بِمُعَاوَدَةِ شُرْبِ الْعَسَلِ لِاسْتِفْرَاغِهَا , فَكَانَ كَذَلِكَ , وَبَرَأَ بِإِذْنِ اللهِ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَالطِّبُّ نَوْعَانِ: طِبُّ الْيُونَانِ , وَهُوَ قِيَاسِيٌّ , وَطِبُّ الْعَرَبِ وَالْهِنْدِ وَهُوَ تَجَارِبِيٌّ , وَكَانَ أَكْثَرُ مَا يَصِفهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِمَنْ يَكُونُ عَلِيلًا عَلَى طَرِيقَةِ طِبِّ الْعَرَبِ , وَمِنْهُ مَا يَكُونُ مِمَّا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ , وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ كِتَابِ الْمِائَةِ فِي الطِّبِّ: إِنَّ الْعَسَلَ تَارَةً يَجْرِي سَرِيعًا إِلَى الْعُرُوقِ , وَيَنْفُذُ مَعَهُ جُلُّ الْغِذَاءِ , وَيُدِرُّ الْبَوْلَ , فَيَكُونُ قَابِضًا , وَتَارَةً يَبْقَى فِي الْمَعِدَةِ , فَيُهَيِّجُهَا بِلَذْعِهَا حَتَّى يَدْفَعَ الطَّعَامَ وَيُسْهِلَ الْبَطْنَ , فَيَكُونُ مُسْهِلًا , فَإِنْكَارُ وَصْفِهِ لِلْمُسْهِلِ مُطْلَقًا قُصُورٌ مِنَ الْمُنْكِرِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: طِبُّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُتَيَقَّنٌ الْبُرْءُ , لِصُدُورِهِ عَنِ الْوَحْي , وَطِبُّ غَيْرِهِ أَكْثَرُهُ حَدْسٌ أَوْ تَجْرِبَةٌ , وَقَدْ يَتَخَلَّفُ الشِّفَاءُ عَنْ بَعْضِ مَنْ يَسْتَعْمِلُ طِبَّ النُّبُوَّةِ , وَذَلِكَ لِمَانِعٍ قَامَ بِالْمُسْتَعْمِلِ , مِنْ ضَعْفِ اعْتِقَادِ الشِّفَاءِ بِهِ , وَتَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ , وَأَظْهَرُ الْأَمْثِلَةِ فِي ذَلِكَ الْقُرْآنُ الَّذِي هُوَ شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ , وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ لَا يَحْصُلُ لِبَعْضِ النَّاسِ شِفَاءُ صَدْرِهِ , لِقُصُورِهِ فِي الِاعْتِقَادِ وَالتَّلَقِّي بِالْقَبُولِ , بَلْ لَا يَزِيدُ الْمُنَافِقَ إِلَّا رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِ , وَمَرَضًا إِلَى مَرَضِهِ , فَطِبُّ النُّبُوَّةِ لَا يُنَاسِبُ إِلَّا الْأَبْدَانَ الطَّيِّبَةَ , كَمَا أَنَّ شِفَاءَ الْقُرْآنِ لَا يُنَاسِبُ إِلَّا الْقُلُوب الطّيبَة , وَالله أعلم. فتح الباري - (ج ١٦ / ص ٢٣٥)