(٢) قال الألباني في الصَّحِيحَة (٢٦٤٧): وفي ذلك من الفقه: تفريق الصحابة بين الحضر والسفر في أدب التلاقي، ففي الحالة الأولى: المصافحة، وفي الحالة الأخرى: المعانقة , ولهذا كنتُ أتحرَّجُ من المعانَقة في الحضر، وبخاصة أنني كنت خرَّجتُ في المجلد الأول من هذه " السلسلة " (رقم ١٦٠) حديثَ نهيِهِ صلى الله عليه وسلم عن الانحناء والالتزام والتقبيل , ثم لما جهَّزت المجلد لإعادة طبعه، وأعدت النظر في الحديث، تبين لي أن جملة " الالتزام " ليس لها ذكر في المتابعات أو الشواهد التي بها كنت قوَّيت الحديث، فحذفتها منه كما في الطبعة الجديدة من المجلد , فلما تبين لي ضعفها زال الحرج والحمد لله، وبخاصة حين رأيت التزام ابن التيِّهان الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم في حديث خروجه صلى الله عليه وسلم إلى منزله رضي الله عنه الثَّابت في " الشمائل المحمدية " (رقم ١١٣ ص ٧٩ - مختصر الشمائل). ولكن هذا إنما يدلُّ على الجواز أحيانا، وليس على الالتزام والمداومة , كما لو كان سنة، كما هو الحال في المصافحة , فتنبه. وقد رأيت للإمام البغوي - رحمه الله - كلاما جيدا في التفريق المذكور وغيره، فرأيتُ من تمام الفائدة أن أذكره هنا , قال - رحمه الله - في " شرح السنة " (١٢/ ٢٩٣) بعد أن ذكر حديث جعفر وغيره مما ظاهرُه الاختلاف: " فَأَما الْمَكْرُوه مِن المعانقة والتقبيل، فَمَا كَانَ عَلَى وَجه المَلَقِ والتعظيم، وَفِي الْحَضَر، فَأَما الْمَأذُون فِيهِ، فَعِنْدَ التوديع، وَعند الْقدوم مِن السّفر، وَطولِ الْعَهْد بالصَّاحِب، وَشدَّةُ الْحبِّ فِي اللهِ. وَمنْ قَبَّلَ، فَلَا يُقَبِلْ الْفَمَ، وَلَكِنْ , الْيَدَ , وَالرَّأسَ , والجَبْهَة، وَإِنَّمَا كُرِه ذَلِكَ فِي الْحَضَر فِيمَا يُرى، لِأَنَّهُ يَكْثُر، وَلَا يَستوجٍبُه كلُّ أَحَد، فَإِن فعله الرَّجُلُ بِبَعْضِ النّاسِ دون بعض، وَجَدَ عَلَيْهِ الّذِينَ تَرَكَهُمْ، وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ قَصَّرَ بحقوقهم , وَآثرَ عَلَيْهِم، وَتَمامُ التَّحِيَّةِ المُصَافَحَةُ ". أ. هـ