للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(م) , وَعَنْ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيَّ: أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ - رضي الله عنهما - وَبَيْنَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ مُنَازَعَةٌ فِي مَالٍ كَانَ بَيْنَهُمَا بِذِي الْمَرْوَةِ، فَكَانَ الْوَلِيدُ يَتَحَامَلُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ بِسُلْطَانِهِ فِي حَقِّهِ، فَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ: أَحْلِفُ بِاللهِ لَتَنْصِفَنِّي مِنْ حَقِّي، أَوْ لَآخُذَنَّ سَيْفِي , ثُمَّ لَأَقُومَنَّ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ لَأَدْعُوَنَّ بِحِلْفِ الْفُضُولِ (١) فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - وَهُوَ عِنْدَ الْوَلِيدِ حِينَ قَالَ الْحُسَيْنُ مَا قَالَ-: وَأَنَا أَحْلِفُ بِاللهِ , لَئِنْ دَعَا بِهَا , لَآخُذَنَّ سَيْفِي , وَلَأَقُومَنَّ عِنْدَهُ وَمَعَهُ حَتَّى يُنْصَفَ مِنْ حَقِّهِ، أَوْ نَمُوتُ جَمِيعًا، وَبَلَغَتِ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الزُّهْرِيَّ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَبَلَغَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ - يَعْنِي التَّيْمِيَّ - فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ , أَنْصَفَ الْحُسَيْنَ مِنْ حَقِّهِ حَتَّى رَضِيَ. (٢)


(١) قَالَ الطحاوي في شرح مشكل الآثار (١٥/ ٢١٥ح٥٩٦٦): حِلْفُ الْمُطَيَّبِينَ عِنْدَ أَهْلِ الْأَنْسَابِ جَمِيعًا كَانَ قَبْلَ عَامِ الْفِيلِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، وَكَانَ ذَلِكَ الْحِلْفُ فِي ثَمَانِيَةِ أَبْطُنٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُمْ: هَاشِمٌ، وَالْمُطَّلِبُ، وَعَبْدُ شَمْسٍ وَنَوْفَلٌ , بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ، وَتَيْمُ بْنُ مُرَّةَ، وَأَسَدُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، وَزُهْرَةُ بْنُ كِلَابٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ فِهْرٍ، لَمَّا حَاوَلَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ إِخْرَاجَ السِّقَايَةِ وَاللِّوَاءِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَتَحَالَفَتْ هَذِهِ الثَّمَانِيَةُ الْأَبْطُنُ عَلَى ذَلِكَ، وَبَعَثَتْ إِلَيْهِمْ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِجَفْنَةٍ فِيهَا طِيبٌ، فَغَمَسُوا فِيهَا أَيْدِيَهُمْ، ثُمَّ ضَرَبُوا بِهَا الْكَعْبَةَ , تَوْكِيدًا لِحِلْفِهِمْ ذَلِكَ، فَسُمُّوا بِذَلِكَ الْمُطَيَّبِينَ، ثُمَّ تَرَكُوا مَا كَانَ فِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فِي أَيْدِيهِمْ كَمَا كَانَ، لَمَّا خَافُوا أَنْ يَقَعَ فِي ذَلِكَ قِتَالٌ , أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمُ الْعَرَبُ، وَكَانَ مَوْلِدُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ ذَلِكَ فِي عَامِ الْفِيلِ , فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ , حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ رَجُلٌ مِنْ زُبَيْدٍ بِتِجَارَةٍ لَهُ، فَبَاعَهَا مِنَ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ، فَمَطَلَهُ بِهَا، وَغَلَبَهُ عَلَيْهَا، فَحَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ أَشْرَفَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ، حَيْثُ أَخَذَتْ قُرَيْشٌ مَجَالِسَهَا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
يَا آلَ فِهْرٍ لِمَظْلُومٍ بِضَاعَتَهُ ... بِبَطْنِ مَكَّةَ نَائِي الْأَهْلِ وَالنَّفَرِ
وَمُحْرِمٍ أَشْعَثٍ لَمْ يَقْضِ عُمْرَتَهُ ... أَمْسَى يُنَاشِدُ حَوْلَ الْحِجْرِ وَالْحَجَرِ
هَلْ مُخْفِرٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ يَقُولُ لَهُمْ ... هَلْ كَانَ فِينَا حَلَالًا مَالُ مُعْتَمِرِ
إِنَّ الْحَرَامَ لِمَنْ تَمَّتْ حَرَامَتُهُ ... وَلَا حَرَامَ لِثَوْبِ الْفَاجِرِ الْغُدَرِ
فَلَمَّا سَمِعَتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ , أَعْظَمَتْ مَا عَمِلَ السَّهْمِيُّ، فَتَحَالَفُوا عِنْدَ ذَلِكَ حِلْفَ الْفُضُولِ، وَكَانَ الَّذِي تَعَاقَدُوهُ: مَا قَدْ ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيِّ قَالَ: " وَأَمَّا حِلْفُ الْفُضُولِ، فَإِنَّ قَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ: بَنُو هَاشِمٍ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، وَأَسَدُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى، وَزُهْرَةُ بْنُ كِلَابٍ، وَتَيْمُ بْنُ مُرَّةَ فَتَعَاقَدُوا وَتَحَالَفُوا عَلَى أَنْ لَا يَجِدُوا بِمَكَّةَ مَظْلُومًا مِنْ أَهْلِهَا، وَمِنْ غَيْرِهِمْ , مِمَّنْ دَخَلَهَا مِنْ سَائِرِ النَّاسِ , إِلَّا قَامُوا مَعَهُ، وَكَانُوا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ، حَتَّى يَرُدُّوا عَلَيْهِ مَظْلَمَتَهُ، فَسَمَّتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ الْحِلْفَ: حِلْفَ الْفُضُولِ، وَكَانَ أَهْلُهُ الْمَذْكُورُونَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ , مُطَيَّبِينَ جَمِيعًا، لِأَنَّهُمْ مِنَ الْمُطَيَّبِينَ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْحِلْفِ الْأَوَّلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْهُمْ ".
قال الطحاوي: فَكَانَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ: " شَهِدْتُ مَعَ عُمُومَتِي حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ "، هُوَ حِلْفَ الْفُضُولِ الَّذِي تَحَالَفَهُ الْمُطَيَّبُونَ، وَهُمْ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْحِلْفِ الْأَوَّلِ , الَّذِي لَمْ يَشْهَدْهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَبَانَ بِحَمْدِ اللهِ أَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ لَمْ يَكُنْ بِمُخَالِفٍ , إِذْ كَانَ لَهُ هَذَا الْوَجْهُ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ. أ. هـ
(٢) (مش) ٥٩٧١ , وصححه الألباني في صحيح السيرة ص٣٦