للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م) , وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: (قَالَ أَبُو ذَرٍّ - رضي الله عنه -: كُنْتُ رَجُلًا مِنْ غِفَارٍ) (١) (وَكَانُوا يُحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ , فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ , وَأُمُّنَا , فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا , فَأَكْرَمَنَا خَالُنَا وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا، قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِثَلَاثِ سِنِينَ , فَقُلْتُ: لِمَنْ؟ , قَالَ: للهِ , فَقُلْتُ: فَأَيْنَ تَوَجَّهُ؟ , قَالَ: أَتَوَجَّهُ حَيْثُ يُوَجِّهُنِي رَبِّي , أُصَلِّي عِشَاءً , حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ , أُلْقِيتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ (٢) حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ , فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ فَاكْفِنِي , فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ , فَرَاثَ عَلَيَّ (٣) ثُمَّ جَاءَ , فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟ , قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ , يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ , فَقُلْتُ: فَمَا يَقُولُ النَّاسُ؟ , قَالَ: يَقُولُونَ: شَاعِرٌ , كَاهِنٌ , سَاحِرٌ - وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ - قَالَ أُنَيْسٌ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ , فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ , وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ (٤) فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ بَعْدِي أَنَّهُ شِعْرٌ , وَاللهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ , وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، فَقُلْتُ لَهُ: اكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ) (٥) (قَالَ: نَعَمْ , وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ , فَإِنَّهُمْ قَدْ شَنِفُوا لَهُ (٦) وَتَجَهَّمُوا) (٧) (فَأَخَذْتُ جِرَابًا وَعَصًا , ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ , فَجَعَلْتُ لَا أَعْرِفُهُ , وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ) (٨) (فَتَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ (٩) فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ؟ , فَأَشَارَ إِلَيَّ فَقَالَ: الصَّابِئَ , فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلٍّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ , فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ (١٠) فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ , فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ , وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا , وَلَقَدْ لَبِثْتُ يَا ابْنَ أَخِي ثَلَاثِينَ , بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ , مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ , فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي (١١) وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ (١٢) قَالَ: فَبَيْنَمَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانَ (١٣) إِذْ ضُرِبَ عَلَى أَسْمِخَتِهِمْ (١٤) فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ , وَامْرَأَتَيْنِ مِنْهُمْ تَدْعُوَانِ إِسَافًا وَنَائِلَةَ , فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا , فَقُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الْأُخْرَى , فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا (١٥) فَأَتَتَا عَلَيَّ , فَقُلْتُ: هَنٌ مِثْلُ الْخَشَبَةِ , غَيْرَ أَنِّي لَا أَكْنِي (١٦) فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلَانِ وَتَقُولَانِ: لَوْ كَانَ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا , " فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا هَابِطَانِ , فَقَالَ: مَا لَكُمَا؟ " , فَقَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا , فَقَالَ: " مَا قَالَ لَكُمَا؟ " , قَالَتَا: إِنَّهُ قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلَأُ الْفَمَ (١٧) " فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ , وَطَافَ بِالْبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ , ثُمَّ صَلَّى , فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ " قَالَ أَبُو ذَرٍّ: فَكُنْتُ أَنَا أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ , فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ , فَقَالَ: " وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ , ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ " , فَقُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ , " فَأَهْوَى بِيَدِهِ فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ " , فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنْ انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارٍ , فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ , فَقَدَعَنِي صَاحِبُهُ (١٨) وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي , " ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فَقَالَ: مَتَى كُنْتَ هَاهُنَا؟ " , فَقُلْتُ: قَدْ كُنْتُ هَاهُنَا مُنْذُ ثَلَاثِينَ , بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ , قَالَ: " فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟ " , فَقُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ , فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي , وَمَا أَجِدُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ , فَقَالَ: " إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ , إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ (١٩) " , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ , ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ , فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبُو بَكْرٍ , وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا , فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَابًا , فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ - وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا - ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) (٢٠) (فَقُلْتُ لَهُ: اعْرِضْ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ , " فَعَرَضَهُ " , فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي , فَقَالَ لِي: " يَا أَبَا ذَرٍّ , اكْتُمْ هَذَا الْأَمْرَ , وَارْجِعْ إِلَى بَلَدِكَ , فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُورُنَا فَأَقْبِلْ) (٢١) (فَإِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ , لَا أُرَاهَا إِلَّا يَثْرِبَ , فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ؟ , عَسَى اللهُ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ , وَيَأجُرَكَ فِيهِمْ) (٢٢) (فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ , لَأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ , فَجِئْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيهِ , فَقُلْتُ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ , إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ , فَقَامُوا , فَضُرِبْتُ لِأَمُوتَ (٢٣) فَأَدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ , فَأَكَبَّ عَلَيَّ , ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: وَيْلَكُمْ , تَقْتُلُونَ رَجُلًا مِنْ غِفَارَ؟ , وَمَتْجَرُكُمْ وَمَمَرُّكُمْ عَلَى غِفَارَ؟ , فَأَقْلَعُوا عَنِّي , فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحْتُ الْغَدَ , رَجَعْتُ فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالْأَمْسِ , فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ , فَصُنِعَ بِي مِثْلَ مَا صُنِعَ بِالْأَمْسِ , وَأَدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ , وَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ بِالْأَمْسِ) (٢٤) (فَأَتَيْتُ أُنَيْسًا , فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ , فَقُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ , فَقَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ (٢٥) فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ , فَأَتَيْنَا أُمَّنَا، فَقَالَتْ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا , فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ , فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارًا فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ , وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ أَيْمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيُّ , وَكَانَ سَيِّدَهُمْ وَقَالَ نِصْفُهُمْ: " إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ " أَسْلَمْنَا , " فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَدِينَةَ " , فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ الْبَاقِي) (٢٦).


(١) (خ) ٣٣٢٨
(٢) الخفاء: الكِساء , وكل شيء غَطَّيت به شيئاً فهو خِفاء. النهاية (٢/ ١٣٢)
(٣) أَيْ: تأخر.
(٤) أَيْ: طُرُقه وَأَنْوَاعه. شرح النووي على مسلم - (ج ٨ / ص ٢٣٦)
(٥) (م) ١٣٢ - (٢٤٧٣)
(٦) أَيْ: أبْغَضُوه. النهاية في غريب الأثر - (ج ٢ / ص ١٢٣٥)
(٧) (م) ١٣٢ - م - (٢٤٧٣)
(٨) (خ) ٣٣٢٨
(٩) يَعْنِي: نَظَرْتُ إِلَى أَضْعَفِهِمْ فَسَأَلْته، لِأَنَّ الضَّعِيفَ مَأمُون الْغَائِلَة غَالِبًا. شرح النووي على مسلم (ج ٨ / ص ٢٣٦)
(١٠) يَعْنِي مِنْ كَثْرَة الدِّمَاء الَّتِي سَالَتْ , وَالنُّصُب: الصَّنَم , وَالْحَجَر كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تَنْصِبُهُ وَتَذْبَحُ عِنْده، فَيَحْمَرُّ بِالدَّمِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُب} شرح النووي على مسلم - (ج ٨ / ص ٢٣٦)
(١١) أَيْ: اِنْثَنَتْ لِكَثْرَةِ السِّمَن وَانْطَوَتْ. شرح النووي (ج ٨ / ص ٢٣٦)
(١٢) هِيَ رِقَّةُ الْجُوعِ , وَضَعْفه , وَهُزَاله. شرح النووي (ج ٨ / ص ٢٣٦)
(١٣) (قَمْرَاء): مُقْمِرَةٌ , طَالِعٌ قَمَرُهَا، وَالْإِضْحِيَان: هِيَ الْمُضِيئَة. النووي (٨/ ٢٣٦)
(١٤) الْمُرَاد بِأَصْمِخَتِهِمْ هُنَا: آذَانهمْ , أَيْ نَامُوا، قَالَ الله تَعَالَى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ} أَيْ أَنَمْنَاهُمْ. شرح النووي (ج ٨ / ص ٢٣٦)
(١٥) أَيْ: مَا اِنْتَهَتَا عَنْ قَوْلهمَا، بَلْ دَامَتَا عَلَيْهِ. شرح النووي (٨/ ٢٣٦)
(١٦) أَيْ: قَالَ لَهُمَا وَمَثَّلَ الْخَشَبَة بِالْفَرْجِ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ سَبَّ إِسَاف وَنَائِلَة , وَغَيْظَ الْكُفَّار بِذَلِكَ. شرح النووي (ج ٨ / ص ٢٣٦)
(١٧) أَيْ: عَظِيمَة , لَا شَيْء أَقْبَح مِنْهَا. شرح النووي (ج ٨ / ص ٢٣٦)
(١٨) أَيْ: كَفَّنِي ومنعني. شرح النووي على مسلم - (ج ٨ / ص ٢٣٦)
(١٩) أَيْ: تُشْبِعُ شَارِبهَا كَمَا يُشْبِعُهُ الطَّعَام. شرح النووي (ج ٨ / ص ٢٣٦)
(٢٠) (م) ١٣٢ - (٢٤٧٣)
(٢١) (خ) ٣٣٢٨
(٢٢) (م) ١٣٢ - (٢٤٧٣)
(٢٣) أي: ضربوه ضربا يريدون به قتله , وليس مجرد تعذيبه.
(٢٤) (خ) ٣٣٢٨، (م) ١٣٣ - (٢٤٧٤)
(٢٥) أَيْ: لَا أَكْرَههُ , بَلْ أَدْخُلُ فِيهِ. شرح النووي (ج ٨ / ص ٢٣٦)
(٢٦) (م) ١٣٢ - (٢٤٧٣)، (حم) ٢١٥٦٥