للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ابن سعد) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: " إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا رَجَعَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سِتٍّ , أَرْسَلَ الرُّسُلَ إِلَى الْمُلُوكِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ , وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ كُتُبًا "، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الْمُلُوكَ لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلَّا مَخْتُومًا , " فَاتَّخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمَئِذٍ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، فَصُّهُ مِنْهُ , نَقْشُهُ ثَلَاثةَ أَسْطُرٍ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ , وَخَتَمَ بِهِ الْكُتُبَ "، فَخَرَجَ سِتَّةُ نَفَرٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ، وَأَصْبَحَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ الْقَوْمِ الَّذِينَ بَعَثَهُ إِلَيْهِمْ، فَكَانَ أَوَّلَ رَسُولٍ بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ - رضي الله عنه - إِلَى النَّجَاشِيِّ، " وَكَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابَيْنِ , يَدْعُوهُ فِي أَحَدِهِمَا إِلَى الْإِسْلَامِ , وَيَتْلُو عَلَيْهِ الْقُرْآنَ " , فَأَخَذَ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَوَضَعَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ , وَنَزَلَ مِنْ سَرِيرِهِ فَجَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ تَوَاضُعًا، ثُمَّ أَسْلَمَ وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ، وَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَسْتَطِيعُ أَنْ آتِيَهُ لَأَتَيْتُهُ، وَكَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِإِجَابَتِهِ وَتَصْدِيقِهِ وَإِسْلامِهِ عَلَى يَدَيْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، " وَفِي الْكِتَابِ الْآخَرِ , " يَأمُرُهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُزَوِّجَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ " - وَكَانَتْ قَدْ هَاجَرَتْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مَعَ زَوْجِهَا عُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ الأَسَدِيِّ , فَتَنَصَّرَ هُنَاكَ وَمَاتَ - وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْكِتَابِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ بِمَنْ قِبَلَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ , وَيَحْمِلَهُمْ "، فَفَعَلَ , فَزَوَّجَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَصْدَقَ عَنْهُ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، وَأَمَرَ بِجِهَازِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا يُصْلِحُهُمْ , وَحَمَلَهُمْ فِي سَفِينَتَيْنِ مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ , وَدَعَا بِحُقٍّ (١) مِنْ عَاجٍ , فَجَعَلَ فِيهِ كِتَابَيْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: لَنْ تَزَالَ الْحَبَشَةُ بِخَيْرٍ , مَا كَانَ هَذَانِ الْكِتَابَانِ بَيْنَ أَظْهُرِهَا , قَالَ: " وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيَّ - وَهو أَحَدُ السِّتَّةِ - إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا , وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى لِيَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ "، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَيْهِ , وَهو يَوْمَئِذٍ بِحِمْصَ، وَقَيْصَرُ يَوْمَئِذٍ مَاشٍ فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَيْهِ , إِنْ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ أَنْ يَمْشِيَ حَافِيًا مِنْ قُسْطَنْطِينِيَّةَ إِلَى إِيلِيَاءَ , فَقَرَأَ الْكِتَابَ , وَأَذِنَ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةٍ لَهُ بِحِمْصَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ، هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلاحِ وَالرُّشْدِ؟ , وَأَنْ يُثْبَتَ لَكُمْ مُلْكُكُمْ؟ وَتَتَّبِعُونَ مَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ؟ , فَقَالَتِ الرُّومُ: وَمَا ذَاكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ؟ , قَالَ: تَتَّبِعُونَ هَذَا النَّبِيَّ الْعَرَبِيَّ، قَالَ: فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ وَتَنَاحَزُوا (٢) وَرَفَعُوا الصَّلِيبَ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ يَئِسَ مِنْ إِسْلامِهِمْ , وَخَافَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ وَمُلْكِهِ , فَسَكَّنَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا قُلْتُ لَكُمْ مَا قُلْتُ , أَخْتَبِرُكُمْ لِأَنْظُرَ كَيْفَ صَلَابَتُكُمْ فِي دِينِكُمْ , فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمُ الَّذِي أُحِبُّ، فَسَجَدُوا لَهُ , قَالَ: " وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدَ اللهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ - وَهو أَحَدُ السِّتَّةِ - إِلَى كِسْرَى يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ , وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا "، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَقُرِئَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَخَذَهُ فَمَزَّقَهُ، " فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: اللَّهُمَّ مَزِّقْ مُلْكَهُ " , وَكَتَبَ كِسْرَى إِلَى بَاذَانَ عَامِلِهِ عَلَى الْيَمَنِ أَنِ ابْعَثْ مِنْ عِنْدِكَ رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ (٣) إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بِالْحِجَازِ فَلْيَأتِيَانِي بِخَبَرِهِ، فَبَعَثَ بَاذَانُ قَهْرَمَانَهُ (٤) وَرَجُلًا آخَرَ، وَكَتَبَ مَعَهُمَا كِتَابًا , فَقَدِمَا الْمَدِينَةَ وَفَرَائِصُهُمَا (٥) تُرْعَدُ، فَدَفَعَا كِتَابَ بَاذَانَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - " فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَدَعَاهُمَا إِلَى الْإِسْلَامِ , وَقَالَ: ارْجِعَا عَنِّي يَوْمَكُمَا هَذَا حَتَّى تَأتِيَانِي الْغَدَ فَأُخْبِرَكُمَا بِمَا أُرِيدُ " فَجَاءَاهُ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ لَهُمَا: " أَبْلِغَا صَاحِبَكُمَا أَنَّ رَبِّي قَدْ قَتَلَ رَبَّهُ كِسْرَى فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ لِسَبْعِ سَاعَاتٍ مَضَتْ مِنْهَا - وَهِيَ لَيْلَةُ الثُّلاثَاءِ لِعَشْرِ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سَبْعٍ - وَإِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَلَّطَ عَلَيْهِ ابْنَهُ شِيرَوَيْهِ فَقَتَلَهُ "، فَرَجَعَا إِلَى بَاذَانَ بِذَلِكَ , فَأَسْلَمَ هو وَالْأَبْنَاءُ (٦) الَّذِينَ بِالْيَمَنِ , قَالَ: " وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ اللَّخْمِيَّ - رضي الله عنه - وَهو أَحَدُ السِّتَّةِ - إِلَى الْمُقَوْقَسِ صَاحِبِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ , عَظِيمِ الْقِبْطِ , يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ , وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا " فَأَوْصَلَ إِلَيْهِ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَرَأَهُ وَقَالَ لَهُ خَيْرًا , وَأَخَذَ الْكِتَابَ فَجَعَلَهُ فِي حُقٍّ مِنْ عَاجٍ , وَخَتَمَ عَلَيْهِ , وَدَفَعَهُ إِلَى جَارِيَتِهِ , وَكَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ نَبِيًّا قَدْ بَقِيَ , وَكُنْتُ أَظُنُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِالشَّامِ , وَقَدْ أَكْرَمْتُ رَسُولَكَ , وَبَعَثْتُ إِلَيْكَ بِجَارِيَتَيْنِ لَهُمَا مَكَانٌ عَظِيمٌ فِي الْقِبْطِ , وَقَدْ أَهْدَيْتُ لَكَ كِسْوَةً , وَبَغْلَةً تَرْكَبُهَا , وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا , وَلَمْ يُسْلِمْ , " فَقَبِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هَدِيَّتَهُ , وَأَخَذَ الْجَارِيَتَيْنِ " , مَارِيَةَ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأُخْتَهَا سِيرِينَ، وَبَغْلَةً بَيْضَاءَ , لَمْ يَكُنْ فِي الْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ غَيْرُهَا , وَهِيَ: دُلْدُلٌ (٧) قَالَ حَاطِبٌ: كَانَ لِي مُكْرِمًا فِي الضِّيَافَةِ , وَقِلَّةِ اللُّبْثِ بِبَابِهِ , مَا أَقَمْتُ عِنْدَهُ إِلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " ضَنَّ الْخَبِيثُ بِمُلْكِهِ , وَلَا بَقَاءَ لِمُلْكِهِ " , قَالَ: " وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ الأَسَدِيَّ - رضي الله عنه - وَهو أَحَدُ السِّتَّةِ - إِلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ , وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا " , قَالَ شُجَاعٌ: فَأَتَيْتُ إِلَيْهِ وَهو بِغَوْطَةِ دِمَشْقَ , وَهو مَشْغُولٌ بِتَهْيِئَةِ الْإِنْزَالِ وَالْإلْطَافِ لِقَيْصَرَ وَهو جَاءٍ مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ , فَأَقَمْتُ عَلَى بَابِهِ يَوْمَيْنِ أَوثَلَاثةً , فَقُلْتُ لِحَاجِبِهِ: إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهِ، فَقَالَ: لَا تَصِلُّ إِلَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، وَجَعَلَ حَاجِبُهُ - وَكَانَ رُومِيًّا - يَسْأَلُنِي عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَكُنْتُ أُحَدِّثُهُ عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ فَيَرِقَّ حَتَّى يَغْلِبَهُ الْبُكَاءُ , وَيَقُولُ: إِنِّي قَدْ قَرَأتُ الْإِنْجِيلَ , فَأَجِدُ صِفَةَ هَذَا النَّبِيِّ بِعَيْنِهِ , فَأَنَا أُومِنُ بِهِ وَأُصَدِّقُهُ , وَأَخَافُ مِنَ الْحَارِثِ أَنْ يَقْتُلَنِي , قَالَ شُجَاعٌ: وَكَانَ يُكْرِمُنِي وَيُحْسِنُ ضِيَافَتِي , وَخَرَجَ الْحَارِثُ يَوْمًا , فَجَلَسَ وَوَضَعَ التَّاجَ عَلَى رَأسِهِ , فَأَذِنَ لِي عَلَيْهِ , فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَرَأَهُ ثُمَّ رَمَى بِهِ وَقَالَ: مَنْ يُنْتَزِعُ مِنِّي مُلْكِي؟ , أَنَا سَائِرٌ إِلَيْهِ , وَلَوْ كَانَ بِالْيَمَنِ جِئْتُهُ، عَلَيَّ بِالنَّاسِ , فَلَمْ يَزَلْ يَفْرِضُ حَتَّى قَامَ , وَأَمَرَ بِالْخُيُولِ تُنْعَلُ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْ صَاحِبَكَ مَا تَرَى , وَكَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يُخْبِرُهُ خَبَرِي وَمَا عَزَمَ عَلَيْهِ , فَكَتَبَ إِلَيْهِ قَيْصَرُ: أَلَّا تَسِيرُ إِلَيْهِ , وَالْهَ عَنْهُ (٨) وَوَافِنِي بِإِيلِيَاءَ , فَلَمَّا جَاءَهُ جَوَابُ كِتَابِهِ دَعَانِي فَقَالَ: مَتَى تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى صَاحِبِكَ؟ , فَقُلْتُ: غَدَا , فَأَمَرَ لِي بِمِائَةِ مِثْقَالٍ ذَهَبٍ , وَوَصَّلَنِي حَاجِبُهُ , وَأَمَرَ لِي بِنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ، وَقَال لِي: أَقْرِئْ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنِّي السَّلَامَ، فَقَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: " بَادَ مُلْكُهُ " وَأَقْرَأتُهُ مِنْ حَاجِبِهِ السَّلَامَ , وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " صَدَقَ " , وَمَاتَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي شِمْرٍ عَامَ الْفَتْحِ , قَالَ: وَكَانَ فَرْوَةُ بْنُ عمرو الْجُذَامِيُّ عَامِلًا لِقَيْصَرَ عَلَى عَمَّانَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ , " فَلَمْ يَكْتُبْ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - " , فَأَسْلَمَ فَرْوَةُ , وَكَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِإِسْلَامِهِ وَأَهْدَى لَهُ، وَبَعَثَ مِنْ عِنْدِهِ رَسُولًا مِنْ قَوْمِهِ , يُقَالُ لَهُ: مَسْعُودُ بْنُ سَعْدٍ , " فَقَرَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كِتَابَهُ , وَقَبِلَ هَدِيَّتَهُ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ جَوَابَ كِتَابِهِ، وَأَجَازَ مَسْعُودًا بِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا - وَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ - قَالَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو الْعَامِرِيَّ - رضي الله عنه - وَهو أَحَدُ السِّتَّةِ - إِلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ , وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا " , فَقَدِمَ عَلَيْهِ , فَأَنْزَلَهُ وَحَبَاهُ , وَقَرَأَ كِتَابَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَرَدَّ رَدًّا دُونَ رَدٍّ , وَكَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: مَا أَحْسَنَ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ وَأَجْمَلَهُ , وَأَنَا شَاعِرُ قَوْمِي وَخَطِيبُهُمْ , وَالْعَرَبُ تَهَابُ مَكَانِي , فَاجْعَلْ لِي بَعْضَ الْأَمْرِ , أَتَّبِعْكَ , وَأَجَازَ سَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو بِجَائِزَةٍ , وَكَسَاهُ أَثْوَابًا مِنْ نَسْجِ هَجَرَ , فَقَدِمَ بِذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَخْبَرَهُ عَنْهُ بِمَا قَالَ , " فَقَرَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كِتَابَهُ , وَقَالَ: لَو سَأَلَنِي سَيَابَةً (٩) مِنَ الْأَرْضِ مَا فَعَلْتُ , بَادَ وَبَادَ مَا فِي يَدَيْهِ , فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنْ عَامِ الْفَتْحِ , جَاءَهُ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ , قَالَ: وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ - رضي الله عنه - فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ إِلَى جَيْفَرَ , وَعَبْدٍ , ابْنِي الْجُلَنْدِيِّ - وَهُمَا مِنَ الْأَزْدِ , وَالْمَلِكُ مِنْهُمَا جَيْفَرُ - يَدْعُوهُمَا إِلَى الْإِسْلَامِ , وَكَتَبَ مَعَهُ إِلَيْهِمَا كِتَابًا , وَخَتَمَ الْكِتَابَ "، قَالَ عَمْرٌو: فَلَمَّا قَدِمْتُ عُمَانَ , عَمَدْتُ إِلَى عَبْدٍ - وَكَانَ أَحْلَمَ الرَّجُلَيْنِ , وَأَسْهَلَهُمَا خُلُقًا - فَقُلْتُ: إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْكَ وَإِلَى أَخِيكَ، فَقَالَ: أَخِي الْمُقَدَّمُ عَلَيَّ بِالسِّنِّ وَالْمُلْكِ , وَأَنَا أُوصِلُكَ إِلَيْهِ حَتَّى يَقْرَأَ كِتَابَكَ , فَمَكَثْتُ أَيَّامًا بِبَابِهِ , ثُمَّ إِنَّهُ دَعَانِي فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ , فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ الْكِتَابَ مَخْتُومًا , فَفَضَّ خَاتَمَهُ وَقَرَأَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى آخِرِهِ , ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى أَخِيهِ , فَقَرَأَهُ مِثْلَ قِرَاءَتِهِ , إِلَّا أَنِّي رَأَيْتُ أَخَاهَ أَرَقَّ مِنْهُ، فَقَالَ: دَعْنِي يَوْمِي هَذَا , وَارْجِعْ إِلَيَّ غَدًا , فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنِّي فَكَّرْتُ فِيمَا دَعَوْتَنِي إِلَيْهِ , فَإِذَا أَنَا أَضْعَفُ الْعَرَبِ إِذَا مَلَّكْتُ رَجُلًا مَا فِي يَدِي، قُلْتُ: فَإِنِّي خَارِجٌ غَدًا , فَلَمَّا أَيْقَنَّ بِمَخْرَجِي , أَصْبَحَ فَأَرْسَلَ إِلَيَّ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ , فَأَجَابَ إِلَى الْإِسْلَامِ هو وَأَخُوهُ جَمِيعًا , وَصَدَّقَا بِالنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَخَلَّيَا بَيْنِي وَبَيْنَ الصَّدَقَةِ , وَبَيْنَ الْحُكْمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ , وَكَانَا لِي عَوْنًا عَلَى مَنْ خَالَفَنِي , فَأَخَذْتُ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ , فَرَدَّدْتُهَا فِي فُقَرَائِهِمْ , فَلَمْ أَزَلْ مُقِيمًا فِيهِمْ , حَتَّى بَلَغَنَا وَفَاةُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " وَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مُنْصَرَفَهُ مِنَ الْجِعْرَانَةِ (١٠) الْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ - رضي الله عنه - إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيِّ , وَهو بِالْبَحْرَيْنِ (١١) يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ , وَكَتَبَ إِلَيْهِ كِتَابًا "، فَكَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِإِسْلَامِهِ وَتَصْدِيقِهِ , وَإِنِّي قَدْ قَرَأتُ كِتَابَكَ عَلَى أَهْلِ هَجَرَ , فَمِنْهُمْ مَنْ أَحَبَّ الْإِسْلَامَ وَأَعْجَبَهُ وَدَخَلَ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ , وَبِأَرْضِي مَجُوسٌ وَيَهُود , فَأَحْدِثْ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ أَمْرَكَ , " فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " إِنَّكَ مَهْمَا تُصْلِحُ , فَلَنْ نَعْزِلَكَ عَنْ عَمَلِكَ , وَمَنْ أَقَامَ عَلَى يَهُوديَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ , فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ , وَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى مَجُوسِ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ، فَإِنْ أَبَوْا , أُخِذَتْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ , وَبِأَنْ لَا تُنْكَحُ نِسَاؤُهُمْ , وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ أَبَا هُرَيْرَةَ مَعَ الْعَلاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ , وَأَوْصَاهُ بِهِ خَيْرًا، وَكَتَبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِلْعَلاءِ فَرَائِضَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالثِّمَارِ وَالأَمْوَالِ ", فَقَرَأَ الْعَلاءُ كِتَابَهُ عَلَى النَّاسِ, وَأَخَذَ صَدَقَاتِهُمْ. (١٢)


(١) أَيْ: وعاء.
(٢) النَّحْزُ: الضَّرْبُ والدَّفْع. لسان العرب - (ج ٥ / ص ٤١٤)
(٣) الجَلَد: القُوّة والصَّبْر.
(٤) القهرمان: الخازن الأمين المحافظ على ما في عهدته.
(٥) الفَرِيصة: اللحم الذي بين الكتف والصدر , ترتعد عند الفزع.
(٦) الأبْناءُ في الأصل: جمع ابن , ويُقال لأولاد فارس: الأبناء , وهم الذين أرسلهم كسرى مع سيف بن ذي يَزَن لَمَّا جاء يَسْتَنْجِدُه على الحبشة , فنصروه وملَكوا اليمن , وتَدَيَّرُوها وتزوَّجوا في العرب , فقيل لأولادهم: الأبناء , وغلب عليهم هذا الاسم , لأن أمهاتهم من غير جنس آبائهم. النهاية (ج ١ / ص ١٨)
(٧) الدُّلْدُل: القُنْفُذ , ومنه الحديث " كان اسْم بَغْلَتِه - صلى الله عليه وسلم - دُلْدُلاً " النهاية في غريب الأثر - (ج ٢ / ص ٣٠٩)
(٨) أَيْ: اتركه.
(٩) السَّيَابة: البلَحَةُ. النهاية في غريب الأثر - (ج ٢ / ص ١٠٥٠)
(١٠) الجعرانة: بين مكة والطائف، وهي إلى مكة أقرب. وقال الفاكهي: بينها وبين مكة بريد , وَهو اثْنَا عَشَرَ مِيلًا، وقال الباجي: ثمانية عشر ميلا.
(١١) (الْبَحْرَيْنِ) هِيَ الْبَلَدُ الْمَشْهُورُ بِالْعِرَاقِ، وَهُوَ بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَهَجَرَ. فتح (٩/ ٤٢٦)
(١٢) أخرجه (ابن سعد) (١/ ٢٥٨ - ٢٦٠) , انظر الصَّحِيحَة: ١٤٢٩