(٢) اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى وُجُوبِ مَنْعِ الطَّعْنِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ , وَلَوْ عَرَفَ الْمُحِقَّ مِنْهُمْ , لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَاتِلُوا فِي تِلْكَ الْحُرُوبِ إِلَّا عَنْ اِجْتِهَاد , وَقَدْ عَفَا اللهُ تَعَالَى عَنْ الْمُخْطِئِ فِي الِاجْتِهَاد، بَلْ ثَبَتَ أَنَّهُ يُؤْجَرُ أَجْرًا وَاحِدًا , وَأَنَّ الْمُصِيبَ يُؤْجَرُ أَجْرَيْنِ. وَحُمِلَ الْوَعِيدُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَنْ قَاتَلَ بِغَيْرِ تَأوِيلٍ سَائِغ , بَلْ بِمُجَرَّدِ طَلَبِ الْمُلْك، وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَنْعُ أَبِي بَكْرَة الْأَحْنَفَ مِنْ الْقِتَالِ مَعَ عَلِيّ , لِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ عَنْ اِجْتِهَادٍ مِنْ أَبِي بَكْرَة , أَدَّاهُ إِلَى الِامْتِنَاع وَالْمَنْع , اِحْتِيَاطًا لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ نَصَحَهُ.قَالَ الْقُرْطُبِيّ: فَبَيَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ الْقِتَالَ إِذَا كَانَ عَلَى جَهْلٍ مِنْ طَلَبٍ للدُّنْيَا , أَوْ اِتِّبَاعٍ للهَوًى , فَهُوَ الَّذِي أُرِيدَ بِقَوْلِهِ " الْقَاتِل وَالْمَقْتُول فِي النَّار ".قُلْت: وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الَّذِينَ تَوَقَّفُوا عَنْ الْقِتَال فِي الْجَمَلِ وَصِفِّينَ , أَقَلُّ عَدَدًا مِنْ الَّذِينَ قَاتَلُوا، وَكُلُّهُمْ مُتَأَوِّلٌ مَأجُورٌ إِنْ شَاءَ الله، بِخِلَافِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ قَاتَلَ عَلَى طَلَبِ الدُّنْيَا. فتح الباري (ج ٢٠ / ص ٨٧)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute