للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ , فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ - وَكَانَ مِنْ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ - رضي الله عنه - وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ , كُهُولًا (١) كَانُوا أَوْ شُبَّانًا - فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي , هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ؟ , فَاسْتَأذِنْ لِي عَلَيْهِ , فَقَالَ: سَأَسْتَأذِنُ لَكَ عَلَيْهِ , قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَاسْتَأذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ , فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ , فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ , فَوَاللهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ (٢) وَلَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ , فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ (٣) فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -: {خُذْ الْعَفْوَ (٤) وَأمُرْ بِالْعُرْفِ (٥) وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (٦)} (٧) وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ , قَالَ: فَوَاللهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ وَكَانَ - رضي الله عنه - وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ. (٨)


(١) الكهل: الشخص الذي جاوز الثلاثين إلى الخمسين , وتم عقله وحِلمه.
(٢) أَيْ: الْكَثِير. فتح الباري (ج ٢٠ / ص ٣٣٧)
(٣) أَيْ: يَضْرِبهُ. فتح الباري (ج ٢٠ / ص ٣٣٧)
(٤) لَمَّا عَدَّدَ اللهُ تَعَالَى مِنْ أَحْوَال الْمُشْرِكِينَ مَا عَدَّدَهُ وَتَسْفِيه رَأيهمْ وَضَلَال سَعْيهمْ أَمَرَ رَسُولَه - صلى الله عليه وسلم - بِأَنْ يَأخُذ الْعَفْو مِنْ أَخْلَاقهمْ، يُقَال: أَخَذْت حَقِّي عَفْوًا أَيْ سَهْلًا، وَهَذَا نَوْع مِنْ التَّيْسِير الَّذِي كَانَ يَأمُر بِهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح أَنَّهُ كَانَ يَقُول: " يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا " , وَالْمُرَاد بِالْعَفْوِ هُنَا ضِدّ الْجَهْد، وَالْعَفْوُ التَّسَاهُل فِي كُلّ شَيْء , كَذَا فِي بَعْض التَّفَاسِير.
وَفِي جَامِع الْبَيَان: خُذْ الْعَفْو مِنْ أَخْلَاق النَّاس , كَقَبُولِ أَعْذَارهمْ وَالْمُسَاهَلَة مَعَهُمْ.
وَفِي تَفْسِير الْخَازِن: الْمَعْنَى: اِقْبَلْ الْمَيْسُور مِنْ أَخْلَاق النَّاس , وَلَا تَسْتَقْصِ عَلَيْهِمْ فَيَسْتَعْصُوا عَلَيْك , فَتَتَوَلَّد مِنْهُ الْعَدَاوَة وَالْبَغْضَاء. وَقَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: خُذْ الْعَفْو مِنْ أَخْلَاق النَّاس وَأَعْمَالهمْ مِنْ غَيْر تَجَسُّس , وَذَلِكَ مِثْل: قَبُول الِاعْتِذَار مِنْهُمْ , وَتَرْك الْبَحْث عَنْ الْأَشْيَاء. عون المعبود (ج١٠/ ص ٣٠٨)
(٥) أي: المعروف من طاعة الله , والإحسان إلى الناس.
(٦) أَيْ: بالمجاملة , وحسن المعاملة , وترك المقابلة , ولذلك لَمَّا قال عُيينة بن حصن لعمر - رضي الله عنه -: ما تعطي الجزل , ولا تقسم بالعدل , وغضب عمر , قال له الحُرّ بن قيس: إن الله يقول: {وأعرض عن الجاهلين} , فتركه عمر.
(٧) [الأعراف: ١٩٩]
(٨) (خ) ٤٣٦٦ , ٦٨٥٦