للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م س حم) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: (كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ , مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رضي الله عنه - فَبَيْنَمَا أَنَا فِي مَنْزِلِهِ بِمِنًى - وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا (١) - إِذْ رَجَعَ إِلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتَ رَجُلًا أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , هَلْ لَكَ فِي فُلَانٍ؟ , يَقُولُ: لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ , لَقَدْ بَايَعْتُ فُلَانًا (٢) فَوَاللهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فَلْتَةً (٣) فَتَمَّتْ , فَغَضِبَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي إِنْ شَاءَ اللهُ لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ , فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ (٤) قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , لَا تَفْعَلْ , فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ (٥) فَإِنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ فِي النَّاسِ , وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً , يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ (٦) وَأَنْ لَا يَعُوهَا , وَأَنْ لَا يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا (٧) فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ , فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ , فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ , فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا , فَيَعِي أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا , فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا وَاللهِ إِنْ شَاءَ اللهُ , لَأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ) (٨) (فَلَمَّا صَدَرَ عُمَرُ مِنْ مِنًى , أَنَاخَ بِالْأَبْطَحِ , ثُمَّ كَوَّمَ كَوْمَةَ بَطْحَاءَ , ثُمَّ طَرَحَ عَلَيْهَا رِدَاءَهُ وَاسْتَلْقَى, ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ كَبِرَتْ سِنِّي , وَضَعُفَتْ قُوَّتِي , وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي , فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلَا مُفَرِّطٍ) (٩) (حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ , إِذَا هُوَ بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ سَمُرَةٍ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلَاءِ الرَّكْبُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا صُهَيْبٌ، فَأَخْبَرْتُهُ) (١٠) (فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيَلْحَقْ بِنَا) (١١) (فَرَجَعْتُ إِلَى صُهَيْبٍ فَقُلْتُ: ارْتَحِلْ فَالْحَقْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٢) (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ثُمَّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي عُقْبِ ذِي الْحَجَّةِ , فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ , عَجَّلْتُ الرَّوَاحَ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ , فَوَجَدْتُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ - رضي الله عنه - جَالِسًا إِلَى رُكْنِ الْمِنْبَرِ , فَجَلَسْتُ حَوْلَهُ تَمَسُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ , فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , فَلَمَّا رَأَيْتُهُ مُقْبِلًا قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ: لَيَقُولَنَّ الْعَشِيَّةَ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ , فَأَنْكَرَ عَلَيَّ وَقَالَ: مَا عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ (١٣)؟ , فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ , فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ , قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ , ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ , فَإِنِّي قَائِلٌ لَكُمْ مَقَالَةً , قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا , فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ , وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَعْقِلَهَا , فلَا أُحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ) (١٤) (إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنَّ دِيكًا أَحْمَرَ نَقَرَنِي ثَلَاثَ نَقَرَاتٍ , وَإِنِّي لَا أُرَاهُ إِلَّا حُضُورَ أَجَلِي) (١٥) (فَقَصَصْتُهَا عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ امْرَأَةِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما - فَقَالَتْ: يَقْتُلُكَ رَجُلٌ مِنْ الْعَجَمِ) (١٦) (وَإِنَّ أَقْوَامًا يَأمُرُونَنِي أَنْ أَسْتَخْلِفَ , وَإِنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ لِيُضَيِّعَ دِينَهُ وَلَا خِلَافَتَهُ , وَلَا الَّذِي بَعَثَ بِهِ نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - فَإِنْ عَجِلَ بِي أَمْرٌ , فَالْخِلَافَةُ شُورَى بَيْنَ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ (١٧) الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ) (١٨) (فَمَنْ بَايَعْتُمْ مِنْهُمْ , فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا) (١٩) (ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُشْهِدُكَ عَلَى أُمَرَاءِ الْأَمْصَارِ , أَنِّي إِنَّمَا بَعَثْتُهُمْ عَلَيْهِمْ لِيَعْدِلُوا عَلَيْهِمْ , وَلِيُعَلِّمُوا النَّاسَ دِينَهُمْ , وَسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ - صلى الله عليه وسلم - وَيَقْسِمُوا فِيهِمْ فَيْئَهُمْ , وَيَرْفَعُوا إِلَيَّ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِهِمْ) (٢٠) (قَالَ: فَخَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , وَأُصِيبَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ) (٢١) (لِأَرْبَعِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) (٢٢).


(١) كَانَ ذَلِكَ سَنَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ. فتح الباري (ج ١٩ / ص ٢٥٧)
(٢) هُوَ طَلْحَة بْن عُبَيْد الله. فتح الباري (ج ١٩ / ص ٢٥٧)
(٣) أَيْ: فَجْأَة، وَجَاءَ عَنْ سَحْنُون عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولهَا بِضَمِّ الْفَاء وَيُفَسِّرهَا بِانْفِلَاتِ الشَّيْء مِنْ الشَّيْء وَيَقُول: إِنَّ الْفَتْح غَلَط , وَإِنَّهُ إِنَّمَا يُقَال فِيمَا يُنْدَم عَلَيْهِ وَبَيْعَة أَبِي بَكْر مِمَّا لَا يَنْدَم عَلَيْهِ أَحَد، وَتُعُقِّبَ بِثُبُوتِ الرِّوَايَة بِفَتْحِ الْفَاء , وَلَا يَلْزَم مِنْ وُقُوع الشَّيْء بَغْتَة أَنْ يَنْدَم عَلَيْهِ كُلّ أَحَد , بَلْ يُمْكِن النَّدَم عَلَيْهِ مِنْ بَعْض دُون بَعْض، وَإِنَّمَا أَطْلَقُوا عَلَى بَيْعَة أَبِي بَكْر ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرهَا فِي الْحَال الْأَوَّل. فتح الباري (ج ١٩ / ص ٢٥٧)
(٤) الْمُرَاد أَنَّهُمْ يَثْبُتُونَ عَلَى الْأَمْر بِغَيْرِ عَهْد وَلَا مُشَاوَرَة، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ بَعْد عَلِيّ وِفْق مَا حَذَّرَهُ عُمَر - رضي الله عنه -.فتح الباري (١٩/ ٢٥٧)
(٥) الرَّعَاع بِفَتْحِ الرَّاء: الْجَهَلَة الرُّذَلَاء، وَالْغَوْغَاء: أَصْله صِغَار الْجَرَاد حِين يَبْدَأ فِي الطَّيَرَان، وَيُطْلَق عَلَى السِّفْلَة الْمُسْرِعِينَ إِلَى الشَّرّ. فتح الباري (ج١٩ص٢٥٧)
(٦) أَيْ: ينقلوها عنك.
(٧) أَيْ: يَحْمِلُونَهَا عَلَى غَيْر وَجْههَا، وَلَا يَعْرِفُونَ الْمُرَاد بِهَا. فتح (ج١٩ص٢٥٧)
(٨) (خ) ٦٤٤٢
(٩) (ط) ١٥٠٦، (ك) ٤٥١٣
(١٠) (خ) ١٢٢٦ , (م) ٢٢ - (٩٢٨)
(١١) (م) ٢٢ - (٩٢٨) , (خ) ١٢٢٦
(١٢) (خ) ١٢٢٦ , (م) ٢٢ - (٩٢٨)
(١٣) أَرَادَ اِبْن عَبَّاس أَنْ يُنَبِّه سَعِيدًا , مُعْتَمِدًا عَلَى مَا أَخْبَرَهُ بِهِ عَبْد الرَّحْمَن , لِيَكُونَ عَلَى يَقَظَة , فَيُلْقِيَ بَاله لِمَا يَقُولهُ عُمَر , فَلَمْ يَقَع ذَلِكَ مِنْ سَعِيد مَوْقِعًا , بَلْ أَنْكَرَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَم بِمَا سَبَقَ لِعُمَر , وَعَلَى بِنَاء أَنَّ الْأُمُور اِسْتَقَرَّتْ. فتح (ج١٩ص٢٥٧)
(١٤) (خ) ٦٤٤٢
(١٥) (م) ٧٨ - (٥٦٧)
(١٦) (حم) ٨٩ , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.
(١٧) مَعْنَى (شُورَى) أَيْ: يَتَشَاوَرُونَ فِيهِ , وَيَتَّفِقُونَ عَلَى وَاحِد مِنْ هَؤُلَاءِ السِّتَّة: عُثْمَان , وَعَلِيّ , وَطَلْحَة , وَالزُّبَيْر وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاص , وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَلَمْ يُدْخِل سَعِيد بْن زَيْد مَعَهُمْ , وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَشَرَة؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَقَارِبه، فَتَوَرَّعَ عَنْ إِدْخَاله , كَمَا تَوَرَّعَ عَنْ إِدْخَال اِبْنه عَبْد الله - رضي الله عنهم -.شرح النووي (ج٢ / ص ٣٣٢)
(١٨) (م) ٧٨ - (٥٦٧)
(١٩) (حم) ٨٩
(٢٠) (م) ٧٨ - (٥٦٧)
(٢١) (حم) ٨٩
(٢٢) (حم) ٣٤١ , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: صحيح.