وقال في الثمر المستطاب (ج ١ / ص ٤٩١): وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في (الموضوعات) أخرجه من حديث سعد بن أبي وقاص , وزيد بن أرقم , وابن عمر , مقتصرا على بعض طرقه عنهم , وأعلَّه بعض من تكلم فيه من رواته , وليس ذلك بقادح , لما ذكرتُ من كثرة الطرق , وأعلَّه أيضا بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر , وزعم أنه من وضْع الرافضة , قابلوا به الحديث الصحيح في باب ابي بكر. انتهى. وأخطأ في ذلك خطأ شنيعا , فإنه سلك في ذلك ردَّ الأحاديث الصحيحة بتوهُّمه المعارضة , مع أن الجمع بين القصتين ممكن. ثم ذكر وجه الجمع بينهما , وخلاصته: (أن باب علي - رضي الله عنه - كان إلى جهة المسجد ولم يكن لبيته باب غيره , فلذلك لم يؤمر بسدِّه , وإنهم لما سدُّوا الأبواب بأمره - صلى الله عليه وسلم - أحدثوا خوخا يستقربون الدخول إلى المسجد منها , فأُمِروا بعد ذلك بسدها. واستحسن الحافظ هذا الجمع. قلت: وفيه نظر بَيِّن عندي , لأنه على هذا لا منقبة لعلي - رضي الله عنه - في إبقاء بابه , طالما أنه لم يكن له غيره , فمن أين يدخل ويخرج؟ , فهو مضطر , فإذنه - صلى الله عليه وسلم - له يكون للضرورة , ولا فرق حينئذ بينه - رضي الله عنه - وبين غيره , إذا كان في مثل بيته , مع أن الأحاديث المتقدمة تفيد أنها منقبة لعلي - رضي الله عنه - حتى إن ابن عمر - رضي الله عنه - تمنَّى أن تكون له هذه المنقبة كما سبق , فالأقرب في الجمع ما ذكره ابن كثير رحمه الله , حيث قال بعد أن ساق بعض طرق هذا الحديث: " وهذا لا ينافي ما ثبت في (صحيح البخاري) من أمره - صلى الله عليه وسلم - في مرض الموت بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد , إلا باب أبي بكر الصديق , لأن نفي هذا في حق علي كان في حال حياته , لاحتياج فاطمة إلى المرور من بيتها إلى بيت أبيها , فجعل هذا رفقا بها , وأما بعد وفاته , فزالت هذه العلة , فاحتيج إلى فتح باب الصديق , لأجل خروجه إلى المسجد ليصلي بالناس , إذ كان الخليفة عليهم بعد موته - صلى الله عليه وسلم - وفيه إشارة إلى خلافته ". هذا والظاهر أن أمره - صلى الله عليه وسلم - بسد الخوخات والأبواب , هو من قبيل سد الذرائع , لأن وجودها يؤدي إلى استطراق المسجد , وهو منهي عنه , ولذلك قال الحافظ في صدد ذكر ما في الحديث من الفوائد: " وأن المساجد تُصَان عن التطرُّق إليها لغير ضرورة ". أ. هـ