للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(م) , وَعَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ (١) قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَسْأَلُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابًا وَيُخْفِي عَنِّي (٢) فَقَالَ: وَلَدٌ نَاصِحٌ , أَنَا أَخْتَارُ لَهُ الْأُمُورَ اخْتِيَارًا , وَأُخْفِي عَنْهُ , فَدَعَا بِقَضَاءِ عَلِيٍّ - رضي الله عنه - فَجَعَلَ يَكْتُبُ مِنْهُ أَشْيَاءَ , وَيَمُرُّ بِهِ الشَّيْءُ فَيَقُولُ: وَاللهِ مَا قَضَى بِهَذَا عَلِيٌّ , إِلَّا أَنْ يَكُونَ ضَلَّ (٣). (٤)


(١) اسْمه: زُهَيْر بْن عَبْد الله بْن جُدْعَان بْن عَمْرو بْن كَعْب بْن سَعْد بْن تَيْم بْن مُرَّة التَّيْمِيُّ الْمَكِّيّ , أَبُو بَكْر , تَوَلَّى الْقَضَاء وَالْأَذَان لِابْن الزُّبَيْر. النووي (١/ ١٦)
(٢) مَعْنَى أَحْفِي: أَنْقُصُ , مِنْ إِحْفَاءِ الشَّوَارِب , وَهُوَ جَزُّهَا , أَيْ: اِمْسِكْ عَنِّي مِنْ حَدِيثك وَلَا تُكْثِرْ عَلَيَّ.
أَوْ يَكُون الْإِحْفَاءُ الْإِلْحَاحَ أَوْ الِاسْتِقْصَاءَ، وَيَكُون عَنِّي بِمَعْنَى عَلَيَّ , أَيْ: اسْتَقْصِي مَا تُحَدِّثنِي , هَذَا كَلَام الْقَاضِي عِيَاض.
وَذَكَرَ صَاحِب مَطَالِع الْأَنْوَار قَوْل الْقَاضِي ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ، قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّهُ بِمَعْنَى الْمُبَالَغَة فِي الْبِرّ بِهِ وَالنَّصِيحَة لَهُ , مِنْ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} أَيْ: أُبَالِغ لَهُ , وَأَسْتَقْصِي فِي النَّصِيحَة لَهُ وَالِاخْتِيَار , فِيمَا أُلْقِي إِلَيْهِ مِنْ صَحِيح الْآثَار.
وَقَالَ الشَّيْخ الْإِمَام أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح: هُمَا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَيْ: يَكْتُم عَنِّي أَشْيَاء , وَلَا يَكْتُبهَا إِذَا كَانَ عَلَيْهِ فِيهَا مَقَال مِنْ الشِّيَع الْمُخْتَلِفَة وَأَهْل الْفِتَن، فَإِنَّهُ إِذَا كَتَبَهَا ظَهَرَتْ , وَإِذَا ظَهَرَتْ خُولِفَ فِيهَا , وَحَصَلَ فِيهَا قَالٌ وَقِيلَ , مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا يَلْزَم بَيَانُهَا لِابْن أَبِي مُلَيْكَةَ، وَإِنْ لَزِمَ , فَهُوَ مُمْكِنٌ بِالْمُشَافَهَةِ دُون الْمُكَاتَبَة , قَالَ: وَقَوْله: (وَلَد نَاصِح) مُشْعِرٌ بِمَا ذَكَرْته. وَقَوْله (أَنَا أَخْتَار لَهُ وَأُخْفِي عَنْهُ) إِخْبَارٌ مِنْهُ بِإِجَابَتِهِ إِلَى ذَلِكَ , ثُمَّ حَكَى الشَّيْخ الرِّوَايَة الَّتِي ذَكَرَهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَرَجَّحَهَا , وَقَالَ: هَذَا تَكَلُّفٌ , لَيْسَتْ بِهِ رِوَايَة مُتَّصِلَة نُضْطَرُّ إِلَى قَبُولِهِ.
هَذَا كَلَام الشَّيْخ أَبِي عَمْرو , وَهَذَا الَّذِي أَخْتَارُهُ مِنْ الْخَاء الْمُعْجَمَة , هُوَ الصَّحِيح , وَهُوَ الْمَوْجُود فِي مُعْظَم الْأُصُول الْمَوْجُودَة بِهَذِهِ الْبِلَاد وَالله أَعْلَمُ. شرح النووي (ج ١ / ص ١٦)
(٣) مَعْنَاهُ: مَا يَقْضِي بِهَذَا إِلَّا ضَالٌّ , وَلَا يَقْضِي بِهِ عَلِيٌّ , إِلَّا أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ ضَلَّ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَضِلَّ , فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بِهِ وَالله أَعْلَمُ. شرح النووي (ج١ص١٦)
(٤) (م) ج١/ص١٢ ح٧