للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ) , وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زِيَادٍ الْأَسَدِيُّ قَالَ: لَمَّا سَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَةُ - رضي الله عنهم - إِلَى الْبَصْرَةِ (١) بَعَثَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - رضي الله عنهما - فَقَدِمَا عَلَيْنَا الْكُوفَةَ (٢) فَصَعِدَا الْمِنْبَرَ , فَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَوْقَ الْمِنْبَرِ فِي أَعْلَاهُ , وَقَامَ عَمَّارٌ أَسْفَلَ مِنْ الْحَسَنِ , فَاجْتَمَعْنَا إِلَيْهِ , فَسَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ (٣): إِنَّ عَائِشَةَ قَدْ سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ , وَوَاللهِ إِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ , وَلَكِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ابْتَلَاكُمْ لِيَعْلَمَ إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِيَ. (٤)

الشرح (٥)


(١) أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق كُلَيْب الْجَرْمِيّ قَالَ: رَأَيْت فِي زَمَن عُثْمَان أَنَّ رَجُلًا أَمِيرًا مَرِضَ وَعِنْدَ رَأسه اِمْرَأَة وَالنَّاس يُرِيدُونَهُ , فَلَوْ نَهَتْهُمْ الْمَرْأَة لَانْتَهَوْا , وَلَكِنَّهَا لَمْ تَفْعَل فَقَتَلُوهُ , ثُمَّ غَزَوْت تِلْكَ السَّنَة , فَبَلَغَنَا قَتْل عُثْمَان، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ غَزَاتنَا وَانْتَهَيْنَا إِلَى الْبَصْرَة قِيلَ لَنَا: هَذَا طَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعَائِشَة , فَتَعَجَّبَ النَّاس وَسَأَلُوهُمْ عَنْ سَبَب مَسِيرهمْ , فَذَكَرُوا أَنَّهُمْ خَرَجُوا غَضَبًا لِعُثْمَانَ , وَتَوْبَةً مِمَّا صَنَعُوا مِنْ خِذْلَانه , وَقَالَتْ عَائِشَة: غَضِبْنَا لَكُمْ عَلَى عُثْمَان فِي ثَلَاث: إِمَارَة الْفَتَى , وَضَرْب السَّوْط وَالْعَصَا , فَمَا أَنْصَفْنَاهُ إِنْ لَمْ نَغْضَب لَهُ فِي ثَلَاث: حُرْمَة الدَّم وَالشَّهْر وَالْبَلَد , قَالَ: فَسِرْت أَنَا وَرَجُلَانِ مِنْ قَوْمِي إِلَى عَلِيّ وَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَسَأَلْنَاهُ , فَقَالَ: عَدَا النَّاسُ عَلَى هَذَا الرَّجُل فَقَتَلُوهُ وَأَنَا مُعْتَزِل عَنْهُمْ , ثُمَّ وَلَّوْنِي وَلَوْلَا الْخَشْيَة عَلَى الدِّين لَمْ أُجِبْهُمْ، ثُمَّ اِسْتَأذَنَنِي الزُّبَيْر وَطَلْحَة فِي الْعُمْرَة , فَأَخَذْت عَلَيْهِمَا الْعُهُود وَأَذِنْت لَهُمَا , فَعَرَّضَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ لِمَا لَا يَصْلُح لَهَا , فَبَلَغَنِي أَمْرهمْ فَخَشِيت أَنْ يَنْفَتِق فِي الْإِسْلَام فَتْق فَأَتْبَعْتهمْ، فَقَالَ أَصْحَابه: وَالله مَا نُرِيد قِتَالهمْ إِلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا، وَمَا خَرَجْنَا إِلَّا لِلْإِصْلَاحِ , فَذَكَرَ الْقِصَّة , وَفِيهَا أَنَّ أَوَّل مَا وَقَعَتْ الْحَرْب أَنَّ صِبْيَان الْعَسْكَرَيْنِ تَسَابُّوا ثُمَّ تَرَامَوْا , ثُمَّ تَبِعَهُمْ الْعَبِيد , ثُمَّ السُّفَهَاء , فَنَشِبَتْ الْحَرْب , وَكَانُوا خَنْدَقُوا عَلَى الْبَصْرَة , فَقُتِلَ قَوْم وَجُرِحَ آخَرُونَ، وَغَلَبَ أَصْحَاب عَلِيّ , وَنَادَى مُنَادِيه: لَا تَتَّبِعُوا مُدْبِرًا , وَلَا تُجْهِزُوا جَرِيحًا , وَلَا تَدْخُلُوا دَار أَحَد، ثُمَّ جَمَعَ النَّاس وَبَايَعَهُمْ , وَاسْتَعْمَلَ اِبْن عَبَّاس عَلَى الْبَصْرَة وَرَجَعَ إِلَى الْكُوفَة.
وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة بِسَنَدٍ جَيِّد عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبْزَى قَالَ: اِنْتَهَى عَبْد الله بْن بُدَيْل بْن وَرْقَاء الْخُزَاعِيُّ إِلَى عَائِشَة يَوْمَ الْجَمَل وَهِيَ فِي الْهَوْدَج , فَقَالَ: يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ , أَتَعْلَمِينَ أَنِّي أَتَيْتُك عِنْدَمَا قُتِلَ عُثْمَان فَقُلْتُ: مَا تَأمُرِينِي، فَقُلْتِ اِلْزَمْ عَلِيًّا؟ , فَسَكَتَتْ , فَقَالَ: اِعْقِرُوا الْجَمَل , فَعَقَرُوهُ، فَنَزَلْت أَنَا وَأَخُوهَا مُحَمَّد فَاحْتَمَلْنَا هَوْدَجهَا فَوَضَعْنَاهُ بَيْنَ يَدَيْ عَلِيّ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُدْخِلَتْ بَيْتًا , وَأَخْرَجَ أَيْضًا بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ زَيْد بْن وَهْب قَالَ فَكَفَّ يَده حَتَّى بَدَءُوهُ بِالْقِتَالِ , فَقَاتَلَهُمْ بَعْدَ الظُّهْر , فَمَا غَرَبَتْ الشَّمْس وَحَوْلَ الْجَمَل أَحَدٌ، فَقَالَ عَلِيّ: لَا تُتَمِّمُوا جَرِيحًا وَلَا تَقْتُلُوا مُدْبِرًا وَمَنْ أَغْلَقَ بَابه وَأَلْقَى سِلَاحه فَهُوَ آمِن. فتح الباري (٢٠/ ١٠٨)
(٢) ذَكَرَ عُمَر بْن شَبَّة وَالطَّبَرِيُّ سَبَب ذَلِكَ بِسَنَدِهِمَا إِلَى اِبْن أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ عَلِيّ أَقَرَّ أَبَا مُوسَى عَلَى إِمْرَة الْكُوفَة، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَة أَرْسَلَ هَاشِم بْن عُتْبَةَ بْن أَبِي وَقَّاص إِلَيْهِ أَنْ أَنْهِضْ مَنْ قِبَلَك مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكُنْ مِنْ أَعْوَانِي عَلَى الْحَقّ فَاسْتَشَارَ أَبُو مُوسَى السَّائِب بْن مَالِك الْأَشْعَرِيّ , فَقَالَ: اِتَّبِعْ مَا أَمَرَك بِهِ، قَالَ: إِنِّي لَا أَرَى ذَلِكَ، وَأَخَذَ فِي تَخْذِيل النَّاس عَنْ النُّهُوض، فَكَتَبَ هَاشِم إِلَى عَلِيّ بِذَلِكَ , وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ مَعَ عَقْل بْن خَلِيفَة الطَّائِيّ، فَبَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِر وَالْحَسَنَ بْنَ عَلِيّ يَسْتَنْفِرَانِ النَّاس، وَأَمَّرَ قَرَظَة بْن كَعْب عَلَى الْكُوفَة، فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابه عَلَى أَبِي مُوسَى اِعْتَزَلَ , وَدَخَلَ الْحَسَنُ وَعَمَّار الْمَسْجِد , وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ زَيْد بْن وَهْب قَالَ: أَقْبَلَ طَلْحَة وَالزُّبَيْر حَتَّى نَزَلَا الْبَصْرَة , فَقَبَضَا عَلَى عَامِل عَلِيّ عَلَيْهَا اِبْن حَنِيف، وَأَقْبَلَ عَلِيّ حَتَّى نَزَلَ بِذِي قَار، فَأَرْسَلَ عَبْد الله بْن عَبَّاس إِلَى الْكُوفَة فَأَبْطَأُوا عَلَيْهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عَمَّارًا فَخَرَجُوا إِلَيْهِ. فتح الباري (ج ٢٠ / ص ١٠٨)
(٣) وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ: " فَقَالَ عَمَّار: إِنَّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بَعَثَنَا إِلَيْكُمْ لِنَسْتَنْفِركُمْ، فَإِنَّ أُمَّنَا قَدْ سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَة " , وَعِنْدَ عُمَر بْن شَبَّة: " فَكَانَ عَمَّار يَخْطُب وَالْحَسَن سَاكِت " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي لَيْلَى فِي الْقِصَّة الْمَذْكُورَة: " فَقَالَ الْحَسَن: إِنَّ عَلِيًّا يَقُول إِنِّي أُذَكِّر الله رَجُلًا رَعَى للهِ حَقًّا إِلَّا نَفَرَ، فَإِنْ كُنْت مَظْلُومًا أَعَانَنِي وَإِنْ كُنْت ظَالِمًا أَخْذَلَنِي، وَالله إِنَّ طَلْحَة وَالزُّبَيْر لَأَوَّل مَنْ بَايَعَنِي ثُمَّ نَكَثَا، وَلَمْ أَسْتَأثِر بِمَالٍ وَلَا بَدَّلْت حُكْمًا " قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِ اِثْنَا عَشَرَ أَلْف رَجُل. فتح الباري (ج ٢٠ / ص ١٠٨)
(٤) (خ) ٦٦٨٧ , (ت) ٣٨٨٩
(٥) وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: " وَوَاللهِ إِنِّي لَأَقُول لَكُمْ هَذَا , وَوَاللهِ إِنَّهَا لَزَوْجَة نَبِيّكُمْ " زَادَ عُمَر بْن شَبَّة فِي رِوَايَته: " وَأَنَّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ بَعَثَنَا إِلَيْكُمْ وَهُوَ بِذِي قَار " , وَمُرَاد عَمَّار بِذَلِكَ أَنَّ الصَّوَاب فِي تِلْكَ الْقِصَّة كَانَ مَعَ عَلِيّ , وَأَنَّ عَائِشَة مَعَ ذَلِكَ لَمْ تَخْرُج بِذَلِكَ عَنْ الْإِسْلَام , وَلَا أَنْ تَكُون زَوْجَة النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فِي الْجَنَّة , فَكَانَ ذَلِكَ يُعَدُّ مِنْ إِنْصَاف عَمَّار وَشِدَّة وَرَعه وَتَحَرِّيه قَوْل الْحَقّ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ أَبِي يَزِيد الْمَدِينِيّ قَالَ: " قَالَ عَمَّار بْن يَاسِر لِعَائِشَةَ لَمَّا فَرَغُوا مِنْ الْجَمَل: مَا أَبْعَدَ هَذَا الْمَسِير مِنْ الْعَهْد الَّذِي عُهِدَ إِلَيْكُمْ " يُشِير إِلَى قَوْله تَعَالَى (وَقَرْن فِي بُيُوتكُنَّ) , فَقَالَتْ: أَبُو الْيَقْظَان؟ , قَالَ: نَعَمْ , قَالَتْ: وَالله إِنَّك مَا عَلِمْتُ لَقَوَّالٌ بِالْحَقِّ , قَالَ: الْحَمْد للهِ الَّذِي قَضَى لِي عَلَى لِسَانك , وَقَوْله " لِيَعْلَم إِيَّاهُ تُطِيعُونَ أَمْ هِيَ " , الْمُرَاد إِظْهَار الْمَعْلُوم , كَمَا فِي نَظَائِره. فتح الباري (ج ٢٠ / ص ١٠٨)