للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م) , وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ: (كَانَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - لَا يُصَلِّي مِنْ الضُّحَى إِلَّا فِي يَوْمَيْنِ: يَوْمَ يَقْدَمُ بِمَكَّةَ - فَإِنَّهُ كَانَ يَقْدَمُهَا ضُحًى - فَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ , ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ , وَيَوْمَ يَأتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ , فَإِنَّهُ كَانَ يَأتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ) (١) (وَكَانَ يَقُولُ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) (٢) (يَأتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ, مَاشِيًا وَرَاكِبًا) (٣) (فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ") (٤) (قَالَ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ) (٥) (فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَرِهَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ) (٦).

الشرح (٧)


(١) (خ) ١١٣٤ , (هق) ١٠٠٧٤
(٢) (م) ٥٢٠ - (١٣٩٩) , (خ) ١١٩١
(٣) (خ) ١١٣٥ , (م) ٥١٥ - (١٣٩٩) , (س) ٦٩٨ , (د) ٢٠٤٠
(٤) (خ) ١١٣٦ , (م) ٥١٦ - (١٣٩٩) , (د) ٢٠٤٠
(٥) (م) ٥٢١ - (١٣٩٩) , (خ) ١١٣٥
(٦) (خ) ١١٣٤
(٧) قال الألباني في الثمر المستطاب ج١ ص٥٧٥: قال الحافظ: (وفي هذا الحديث - على اختلاف طُرُقه - دلالة على جواز تخصيص بعض الأيام ببعض الأعمال الصالحة , والمداومة على ذلك.
وفيه أن النهي عن شدِّ الرحال لغير المساجد الثلاثة , ليس على التحريم , لكون النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي مسجد قباء راكبا.
وتُعُقِّب بأن مجيئه - صلى الله عليه وسلم - إلى قباء إنما كان لمواصلة الأنصار , وتفقد حالهم , وحال من تأخر منهم عن حضور الجمعة معه , وهذا هو السِّر في تخصيص ذلك بالسبت).
قلت: فعلى هذا , فذهابه - صلى الله عليه وسلم - يوم السبت لم يكن مقصودا بالذات , بل مراعاة لمصلحة التفقُّد المذكور , وعليه , فالأيام كلها سواء في الفضيلة في زيارة قباء , لعدم وجود قصد التخصيص , فما ذكره القاري في (المرقاة) (١/ ٤٤٨) عَنْ الطيبي أن: (الزيارة يوم السبت سُنَّة) ليس كما ينبغي.
وأذكر أنني قرأتُ عن بعض العلماء أنه ذهب إلى أن المراد من قوله في الحديث: (كل سبت) أي: كل أسبوع , وأنه ليس المراد يوم السبت نفسه , وقد احتج لذلك من اللغة بما لَا أستحضره , ولا أذكر الآن في أي كتاب قرأت ذلك , فمن وجده فليكتبه , فإذا صح ذلك , فلا دلالة حينئذ في الحديث على التخصيص قط ثم وقفتُ على من ذكر ذلك , وهو الإمام أبو شامة الشافعي في كتابه (الباعث على إنكار البدع والحوادث) وقد ذكر فيه ما يوافق ما ذهبنا إليه من عدم جواز التخصيص , وإليك كلامه في ذلك كله , قال - رحمه الله - (ص ٣٤): (ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصَّها بها الشرع , بل يكون جميع أنواع البر مرسلة في جميع الأزمان , ليس لبعضها على بعض فضل , إِلَّا ما فضَّله الشرع وخصه بنوع من العبادة , فإن كان ذلك اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها , كصوم يوم عرفة , وعاشوراء , والصلاة في جوف الليل , والعمرة في رمضان.
ومن الأزمان ما جعله الشرع مفضَّلا فيه جميع أعمال البر , كعشر ذي الحجة وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر , أي: العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر , فمثل ذلك يكون أيُّ عمل من أعمال البر حصل فيها , كان له الفضل على نظيره في زمن آخر , فالحاصل , أن المكلف ليس له منصِب التخصيص , بل ذلك إلى الشارع , وهذه كانت صفة عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم ساق حديث (الصحيحين) عَنْ عائشة أنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم حتى نقول: لَا يفطر ويفطر حتى نقول: لَا يصوم. وحديث علقمة قال: قلت لعائشة) بسم الله الرحمن الرحيم - صلى الله عليه وآله وسلم - - رضي الله عنهم - سدد خطاكم - رضي الله عنها - - رضي الله عنها - - صلى الله عليه وسلم - - صلى الله عليه وسلم - - رضي الله عنهم - - صلى الله عليه وسلم - سدد خطاكم): هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخص من الأيام شيئا؟ , قالت: لَا , كان عمله ديمة ثم قال: (قال محمد بن مسلمة: ولا يؤتى شيء من المساجد يُعتقد فيه الفضل بعد المساجد الثلاثة , إِلَّا مسجد قباء , قال: وكره أن يُعَدَّ له يوما بعينه فيؤتى فيه خوفا من البدعة , وأن يطول بالناس زمان , فيُجعل ذلك عيدا يعتمد , أو فريضة تُؤخذ , ولا بأس أن يؤتى كل حين , ما لم تجئ فيه بدعة.
قلت: وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي قباء كل سبت , ولكن معنى هذا أنه كان يزوره في كل أسبوع , وعبَّر بالسبت عن الأسبوع , كما يُعبَّر عنه بالجمعة , ونظيره ما في (الصحيحين) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - في استسقاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة , قال فيه: فلا والله ما رأينا الشمس سبتا , والله أعلم).
وكذلك الاستدلال بالحديث على جواز التخصيص المذكور ليس بجيد أيضا , إِلَّا أن يكون المراد به التخصيص مراعاة للمصلحة , لَا ترجيحا ليوم على آخر بدون نصٍّ من النبي - صلى الله عليه وسلم - مثال ذلك: تخصيص يومٍ للتدريس , أو إلقاء محاضرة ليجتمع الناس لسماع ذلك , فهذا لَا مانع منه , لأن اليوم ليس مقصودا بالذات , ولذلك ينتقل منه إلى غيره مرارا , ملاحقة للمصلحة.
وهذا بخلاف تخصيص بعض الأيام ببعض العبادات , بزعم أنها فيها أفضل منها في غيرها , كتخصيص ليلة العيدين بالقيام والعبادة , وتخصيص يومهما بالزيارة - أعني زيارة القبور - وتخصيص شهر ربيع الأول , بقراءة قصة مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكل هذا وأمثاله , بدع ومنكرات , يجب نبذها , والنهي عنها , ولذلك لما استدل النووي في (شرح مسلم) بالحديث على جواز التخصيص قال: (وكره ابن مسلمة المالكي ذلك , ولعله لم تبلغه هذه الأحاديث)
قلت: هذا بعيد , والأقرب أنها بلغته , ولكنه لم يفهم منها ما ذهب إليه النووي وغيره , وقد بينَّا ما هو الحق عندنا في المسألة. والله أعلم.
(فائدة): قال شيخ الإسلام في (الفتاوى) (٢/ ١٨٦): (ذكر بعض المتأخرين من العلماء أنه لَا بأس بالسفر إلى المَشَاهِد , واحتجوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي قباء كل سبت راكبا وماشيا , ولا حجة لهم فيه , لأن قباء ليس مشهدا , بل مسجد , وهي منهيٌّ عن السفر إليها باتفاق الأئمة , لأن ذلك ليس بسفر مشروع , بل لو سافر إلى قباء من دويرة أهله , لم يجز.
ولكن لو سافر إلى المسجد النبوي , ثم ذهب منه إلى قباء , فهذا يُستحب , كما يُستحب زيارة قبور أهل البقيع , وشهداء أحد).
قلت: ولهذا قلنا: (ولكن لَا يجوز أن يشد الرحل إليه للحديث السابق) وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لَا تشد الرحال إِلَّا إلى ثلاثة مساجد. . . الحديث) وليس هذا منها , تلك هي المساجد الأربعة التي جاء النص بتفضيلها على غيرها من المساجد فأما هذه , فإنها سواء في الفضل , وإن كان الأقدم منها أفضل , لكونها أبعد عن أن تكون بنيت للإضرار والفخر والمباهاة , كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
وأما ما نقله ابن عابدين في (الحاشية) (١/ ١٤) عَنْ كتاب (أخبار الدول) بالسند إلى سفيان الثوري أن (الصلاة في مسجد دمشق بثلاثين ألف صلاة) فهو مع كونه موقوفا على سفيان الثوري , فإنه لَا يصح عنه , وهو منكر، وقد رواه ابن عساكر في (تاريخه) من طريق أحمد بن أنس بن مالك: أنبأنا حبيب المؤذن: أنبأنا أبو زياد الشعباني أو أبو أمية الشعباني قال: كنا بمكة , فإذا رجل في ظل الكعبة , وإذا هو سفيان الثوري , فقال رجل: يا أبا عبد الله , ما تقول في الصلاة في هذه البلدة؟ , قال: بمائة ألف صلاة , قال: ففي مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ , قال: بخمسين ألف صلاة , قال: ففي بيت المقدس؟ , قال: بأربعين ألف صلاة , قال: ففي مسجد دمشق؟ , قال: بثلاثين ألف صلاة.
ثم رواه ابن عساكر من طريق أخرى عن أحمد بن أنس فقال فيه: (عن أبي زياد وأبي أمية بغير شك)، وأيًّا ما كان , فهذا سند ضعيف مجهول أبو زياد الشعباني الظاهر أنه خيار بن سلمة , أبو زياد الشامي قال الحافظ في (التقريب): (مقبول من الثالثة) , وأما قرينه أبو أمية الشعباني , فهو يحمد - بضم التحتانية , وسكون المهملة , وكسر الميم , وقيل: بفتح أوله والميم - وقيل: اسمه عبد الله , قال الحافظ: (مقبول من الثانية) , وأما أحمد بن أنس بن مالك , وحبيب المؤذن , فلم أجد من ترجمهما غير هذا الأخير , فأورده ابن عساكر في ترجمه بقوله: (كان يؤذن في مسجدِ سوقِ الأحد) , ولم يزد على ذلك , وقد ساق له الذهبي في (الميزان) منكَرات , منها ما رواه بسنده عن أنس مرفوعا: (ما من نبي يموت , فيقيم في قبره إِلَّا أربعين يوما , حتى يرد الله إليه روحه) , ثم قال: (مررت بموسى ليلة أسري بي , وهو قائم يصلي بين عالية وعويلية) , رواه ابن حبان , وساق إسناده إليه , وقال: (وهذا باطل موضوع). وأخرجه ابن الجوزي في (الموضوعات).
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن (رجلين اختلفا في الصلاة في جامع بني أمية: هل هي بتسعين صلاة كما زعموا أم لَا؟ , وقد ذكروا أن فيه ثلاثمائة نبي مدفون , فهل ذلك صحيح أم لَا؟ , وقد ذكروا أن النائم بالشام , كالقائم بالليل بالعراق , وذكروا أن الصائم المتطوع في العراق , كالمفطر بالشام , وذكروا أن الله خلق البَرَكة إحدى وسبعين جزءا , منها جزء واحد بالعراق , وسبعون بالشام , فهل ذلك صحيح أم لَا؟)
فأجاب: (الحمد لله , لم يرد في جامع دمشق حديثٌ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بتضعيف الصلاة فيه , ولكن هو من أكثر المساجد ذكرا لله تعالى , ولم يثبت أن فيه عدد الأنبياء المذكورين , وأما القائم بالشام أو غيره , فالأعمال بالنيات , فإن المقيم فيه بنية صالحة , فإنه يثاب على ذلك , وكل مكان يكون فيه العبد أطوع لله , فمقامه أفضل , وقد جاء في فضل الشام وأهله أحاديث صحيحة , ودلَّ القرآن على أن البركة فيه , في أربعة مواضع , ولا ريب أن ظهور الإسلام وأعوانه فيه بالقلب واليد واللسان أقوى منه في غيره , وفيه من ظهور الإيمان , وقمع الكفر والنفاق , ما لَا يوجد في غيره , وأما ما ذُكِر من حديث الفطر والصيام , وأن البركة إحدى وسبعون جزءا بالشام والعراق على ما ذُكِر , فهذا لم نسمعه عن أحد من أهل العلم. والله أعلم). (الفتاوى) (١/ ٣١١)
قلت: ولو ثبت أن فيه الأنبياء المذكورين , فهو غير مستلزم لفضيلة قصد الصلاة فيه كما يتوهم بعض الناس , بل هو منهي عنه أشد النهي , لأنه من اتخاذ القبور مساجد , وقد نُهِينا عن ذلك كما سبق.
ولذلك قال شيخ الإسلام أيضا - رحمه الله - في (الفتاوى) (٤/ ٣١٠): (وما يفعله بعض الناس من تحرِّي الصلاة والدعاء عند ما يُقال: إنه قبر نبي , أو قبر أحد من الصحابة والقرابة , أو ما يقرب من ذلك , أو إلصاق بدنه , أو شيء من بدنه بالقبر , أو بما يجاور القبر من عود وغيره , كمن يتحرى الصلاة والدعاء في قبلي شرقي جامع دمشق , عند الموضع الذي يقال: إنه قبر هود - والذي عليه العلماء أنه قبر معاوية بن أبي سفيان - أو عند المثال الخشب , الذي يقال: تحته رأس يحيى بن زكريا , ونحو ذلك , فهو مخطئ مبتدع , مخالف للسُّنة , فإن الصلاة والدعاء بهذه الأمكنة , ليس لها مزية عند أحد من سلف الأمة وأئمتها , ولا كانوا يفعلون ذلك , بل كانوا يَنهون عن مثل ذلك , كما نهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أسباب ذلك ودواعيه, وإن لم يقصدوا دعاء القبر, والدعاء به , فكيف إذا قصدوا ذلك؟) ثم قال: (وأما الدعاء لأجل كون المكان فيه قبر نبي , أو ولي , فلم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها أن الدعاء فيه أفضل من غيره , ولكن هذا مما ابتدعه بعض أهل القبلة , مضاهاة للنصارى وغيرهم من المشركين , فأصله من دين المشركين , لَا من دين عباد الله المخلصين , كاتخاذ القبور مساجد , فإن هذا لم يستحبَّه أحد من سلف الأمة وأئمتها , ولكن ابتدعه بعض أهل القبلة مضاهاة لمن لعنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اليهود والنصارى). أ. هـ