للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م) , وَعَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَكِدْتُ [أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ] (١) فِي الصَّلَاةِ، فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ، فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَقُلْتُ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟، قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: كَذَبْتَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأتَ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " أَرْسِلْهُ، اقْرَأ يَا هِشَامُ "، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، ثُمَّ قَالَ: اقْرَأ يَا عُمَرُ "، فَقَرَأتُ الْقِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ " (٢)

الشرح (٣)


(١) (خ) ٢٢٨٧ , (م) ٢٧٠ - (٨١٨)
(٢) (خ) ٤٧٠٦ , (م) ٢٧٠ - (٨١٨)، (ت) ٢٩٤٣، (س) ٩٣٦
(٣) قال صاحب عون المعبود (٤/ ٢٤٣): (سَبْعَة أَحْرُف) أَيْ: سَبْعِ لُغَات , أَوْ قِرَاءَات , أَوْ أَنْوَاع.
قِيلَ: اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى أحْدى وَأَرْبَعِينَ قَوْلًا , مِنْهَا: أَنَّهُ مِمَّا لَا يُدْرَى مَعْنَاهُ , لِأَنَّ الْحَرْف يَصْدُقُ لُغَةً عَلَى حَرْفِ الْهِجَاء , وَعَلَى الْكَلِمَةِ , وَعَلَى الْمَعْنَى , وَعَلَى الْجِهَة.
قَالَ الْعُلَمَاء: إِنَّ الْقِرَاءَات وَإِنْ زَادَتْ عَلَى سَبْعٍ , فَإِنَّهَا رَاجِعَة إِلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ مِنْ الِاخْتِلَافَاتِ:
الْأَوَّلُ: اِخْتِلَافُ الْكَلِمَة فِي نَفْسِهَا بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ , كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (نُنْشِزُهَا، نَنْشُرُهَا) , الْأَوَّل بِالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ , وَالثَّانِي بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَة، وَقَوْله: (سَارِعُوا، وَسَارِعُوا) , فَالْأَوَّلُ بِحَذْفِ الْوَاوِ الْعَاطِفَة قَبْلَ السِّين , وَالثَّانِي بِإِثْبَاتِهَا.
الثَّانِي: التَّغْيِيرُ بِالْجَمْعِ وَالتَّوْحِيدِ كَـ (كُتُبِهِ , وَكِتَابِهِ).
الثَّالِثُ: بِالِاخْتِلَافِ فِي التَّذْكِيرِ وَالتَّأنِيثِ كَمَا فِي (يَكُنْ , وَتَكُنْ).
الرَّابِع: الِاخْتِلَافُ التَّصْرِيفِيّ , كَالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ نَحْو (يَكْذِبُونَ , وَيُكَذِّبُونَ) وَالْفَتْح وَالْكَسْر نَحْو: (يَقْنَط , وَيَقْنِط).
الْخَامِس: الِاخْتِلَاف الْإِعْرَابِيّ , كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذُو الْعَرْش الْمَجِيدُ} بِرَفْعِ الذَّال وَجَرِّهَا.
السَّادِس: اِخْتِلَافُ الْأَدَاةِ , نَحْو: {لَكِنَّ الشَّيَاطِين} بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَتَخْفِيفهَا.
السَّابِع: اِخْتِلَاف اللُّغَات , كَالتَّفْخِيمِ وَالْإِمَالَة , وَإِلَّا فَلَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآن كَلِمَة تُقْرَأُ عَلَى سَبْعَة أَوْجُهٍ , إِلَّا الْقَلِيل , مِثْل (عَبَدَ الطَّاغُوت) (وَلَا تَقُلْ أُفّ لَهُمَا). وَهَذَا كُلُّهُ تَيْسِير عَلَى الْأُمَّة الْمَرْحُومَة، وَلِذَا قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: " فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ " , أَيْ: مِنْ أَنْوَاع الْقِرَاءَات , بِخِلَافِ قَوْله تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} فَإِنَّ الْمُرَاد بِهِ الْأَعَمُّ مِنْ الْمِقْدَار , وَالْجِنْس , وَالنَّوْع.
وَالْحَاصِل أَنَّهُ أَجَازَ بِأَنْ يَقْرَءُوا مَا ثَبَتَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - بِالتَّوَاتُرِ , بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: " أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَة أَحْرُف ".
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَاد بِالسَّبْعَةِ: التَّكْثِير , لَا التَّحْدِيد، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْل مِنْ الْأَقْوَال.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرْح مُسْلِم: أَصَحّ الْأَقْوَال وَأَقْرَبهَا إِلَى مَعْنَى الْحَدِيث قَوْل مَنْ قَالَ: هِيَ كَيْفِيَّة النُّطْق بِكَلِمَاتِهَا , مِنْ إِدْغَام , وَإِظْهَار , وَتَفْخِيم , وَتَرْقِيق , وَإِمَالَة وَمَدّ , وَقَصْر , وَتَلْيِين، لِأَنَّ الْعَرَب كَانَتْ مُخْتَلِفَة اللُّغَات فِي هَذِهِ الْوُجُوه , فَيَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ لِيَقْرَأَ كُلٌّ بِمَا يُوَافِقُ لُغَتَهُ , وَيَسْهُلُ عَلَى لِسَانِهِ. اِنْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ. قَالَ الْقَارِيّ: وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، فَإِنَّ الْإِدْغَام مَثَلًا فِي مَوَاضِع لَا يَجُوزُ الْإِظْهَار فِيهَا , وَفِي مَوَاضِع لَا يَجُوزُ الْإِدْغَام فِيهَا , وَكَذَلِكَ الْبَوَاقِي ,
وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ اِخْتِلَاف اللُّغَات لَيْسَ مُنْحَصِرًا فِي هَذِهِ الْوُجُوه , لِوُجُوهِ إِشْبَاع مِيمِ الْجَمْعِ وَقَصْره , وَإِشْبَاع هَاء الضَّمِير وَتَرْكه , مِمَّا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى بَعْضه , وَمُخْتَلِف فِي بَعْضه.
وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: إِنَّ الْمُرَاد سَبْعَة أَوْجُه مِنْ الْمَعَانِي الْمُتَّفِقَة , بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَة نَحْو: (أَقْبِلْ , وَتَعَالَ , وَعَجِّلْ , وَهَلُمَّ , وَأَسْرِعْ) فَيَجُوزُ إِبْدَال اللَّفْظ بِمُرَادِفِهِ , أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ , لَا بِضِدِّهِ، وَحَدِيث أَحْمَد بِإِسْنَادٍ جَيِّد صَرِيح فِيهِ،
وَعِنْده بِإِسْنَادٍ جَيِّد أَيْضًا مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة: " أُنْزِلَ الْقُرْآن عَلَى سَبْعَة أَحْرُف , عَلِيمًا حَكِيمًا , غَفُورًا رَحِيمًا ".
وَفِي حَدِيث عِنْده بِسَنَدٍ جَيِّد أَيْضًا: " الْقُرْآن كُلّه صَوَاب , مَا لَمْ يَجْعَلْ مَغْفِرَةً عَذَابًا , أَوْ عَذَابًا مَغْفِرَةً ".
وَلِهَذَا كَانَ أُبَيٌّ يَقْرَأُ: (كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ سَعَوْا فِيهِ) بَدَل (مَشَوْا فِيهِ)، وَابْن مَسْعُود: (أَمْهِلُونَا , وأَخِّرُونَا) بَدَل (انْظِرُونَا).
قَالَ الْقَارِيّ: إِنَّهُ مُسْتَبْعَدٌ جِدًّا مِنْ الصَّحَابَة , خُصُوصًا مِنْ أُبَيٍّ وَابْن مَسْعُود , أَنَّهُمَا يُبَدِّلَانِ لَفْظًا مِنْ عِنْدهمَا بَدَلًا مِمَّا سَمِعَاهُ مِنْ لَفْظ النُّبُوَّةِ , وَأَقَامَاهُ مَقَامَهُ مِنْ التِّلَاوَة، فَالصَّوَابُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ مِنْهُمَا , أَوْ سَمِعَا مِنْهُ - صلى الله عليه وسلم - الْوُجُوهَ , فَقَرَأَ مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا , كَمَا هُوَ الْآن فِي الْقُرْآن , مِنْ الِاخْتِلَافَات الْمُتَنَوِّعَة الْمَعْرُوفَة عِنْد أَرْبَاب الشَّأن، وَكَذَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ , وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ رُخْصَةً لِمَا كَانَ يَتَعَسَّرُ عَلَى كَثِير مِنْهُمْ التِّلَاوَة بِلَفْظٍ وَاحِدٍ , لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِالْكِتَابَةِ وَالضَّبْط , وَإِتْقَان الْحِفْظ , ثُمَّ نُسِخَ بِزَوَالِ الْعُذْر , وَتَيْسِير الْكِتَابَة وَالْحِفْظ , قَالَهُ فِي الْمِرْقَاة.
وَقَالَ الْحَافِظ الْإِمَام الْخَطَّابِيُّ: قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى الْحُرُوف: اللُّغَات , يُرِيدُ أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَى سَبْع لُغَات مِنْ لُغَات الْعَرَب , هِيَ أَفْصَح اللُّغَات وَأَعْلَاهَا فِي كَلَامِهِمْ , قَالُوا: وَهَذِهِ اللُّغَاتُ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْقُرْآن , غَيْر مُجْتَمِعَة فِي الْكَلِمَة الْوَاحِدَة.
وَإِلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا أَشَارَ أَبُو عُبَيْد.
وَقَالَ الْقُتَيْبِيّ: لَا نَعْرِفُ فِي الْقُرْآنِ حَرْفًا يُقْرَأُ عَلَى سَبْعَة أَحْرُف.
قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ: هَذَا غَلَطٌ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآن حُرُوف يَصِحُّ أَنْ تُقْرَأ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُف , مِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {وَعَبَدَ الطَّاغُوت} وَقَوْله تَعَالَى: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعُ وَيَلْعَبُ} وَذَكَرَ وُجُوهًا , كَأَنَّهُ يَذْهَبُ فِي تَأوِيلِ الْأَحَادِيثِ إِلَى أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآن أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَة أَحْرُف , لَا كُلّه.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ وُجُوهًا أُخَر , وَهُوَ أَنَّ الْقُرْآن أُنْزِلَ مُرَخِّصًا لِلْقَارِئِ وَمُوَسِّعًا عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى سَبْعَة أَحْرُف , أَيْ: يَقْرَأُ عَلَى أَيّ حَرْف شَاءَ مِنْهَا عَلَى الْبَدَل مِنْ صَاحِبِهِ وَلَوْ كَانَ مَعْنَى مَا قَالَهُ اِبْن الْأَنْبَارِيّ لَقِيلَ: أُنْزِلَ الْقُرْآنُ بِسَبْعَةِ أَحْرُف , وَإِنَّمَا قِيلَ: (عَلَى سَبْعَة أَحْرُف) لِيُعْلَمَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى , أَيْ: كَأَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَى هَذَا مِنْ الشَّرْط , أَوْ عَلَى هَذَا مِنْ الرُّخْصَة وَالتَّوْسِعَة، وَذَلِكَ لِتَسْهِيلِ قِرَاءَتِهِ عَلَى النَّاسِ , وَلَوْ أَخَذُوا بِأَنْ يَقْرَءُوهُ عَلَى حَرْف وَاحِد لَشَقَّ عَلَيْهِمْ , وَلَكَانَ ذَلِكَ دَاعِيًا إِلَى الزَّهَادَة فِيهِ , وَسَبَبًا لِلْفُتُورِ عَنْهُ.
وَقِيلَ: فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَاد بِهِ التَّوْسِعَةُ , لَيْسَ حَصْر الْعَدَدِ اِنْتَهَى.
وَقَالَ السِّنْدِيُّ: " عَلَى سَبْعَة أَحْرُف " أَيْ: عَلَى سَبْع لُغَات مَشْهُورَةٍ بِالْفَصَاحَةِ , وَكَانَ ذَاكَ رُخْصَة وَتَسْهِيلًا عَلَيْهِمْ , ثُمَّ جَمَعَهُ عُثْمَان ? - رضي الله عنه - حِين خَافَ الِاخْتِلَاف عَلَيْهِمْ فِي الْقُرْآن , وَتَكْذِيب بَعْضهمْ بَعْضًا عَلَى لُغَة قُرَيْش, الَّتِي أُنْزِلَ عَلَيْهَا أَوَّلًا.
وَقَالَ السُّيُوطِيُّ: الْمُخْتَارُ أَنَّ هَذَا مِنْ الْمُتَشَابِه الَّذِي لَا يُدْرَى تَأوِيلُهُ، وَفِيهِ أَكْثَر مِنْ ثَلَاثِينَ قَوْلًا , أَوْرَدْتهَا فِي الْإِتْقَان.
قُلْت: سَبْعُ اللُّغَاتِ الْمَشْهُورَةِ هِيَ: لُغَة الْحِجَاز , وَالْهُذَيْل , وَالْهَوَازِن , وَالْيَمَن وَالطَّيّء , وَالثَّقِيف , وَبَنِي تَمِيمٍ. أ. هـ