وقَالَ الرَّافِعِيّ: وَبَيْعُ الْعِينَةِ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِهِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّل , وَيُسَلِّمُهُ إِلَى الْمُشْتَرِي , ثُمَّ يَشْتَرِيهِ قَبْل قَبْضِ الثَّمَنِ , بِثَمَنِ نَقْدٍ أَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ اِنْتَهَى. عون المعبود - (ج ٧ / ص ٤٥٣)وقَالَ الْحَافِظ شَمْس الدِّين ابْن الْقَيِّم - رحمه الله - كما في عون المعبود - (٧/ ٤٥٣): وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ أَبِي إِسْحَاقِ السُّبَيْعِيِّ عَنْ اِمْرَأَته " أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ - رضي الله عنها - فَدَخَلَتْ مَعَهَا أُمّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي بِعْتُ غُلَامًا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَم نَسِيئَة، وَإِنِّي اِبْتَعْتُهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَة: بِئْسَمَا اِشْتَرَيْتِ، وَبِئْسَمَا شَرَيْتِ، أَخْبِرِي زَيْدًا أَنَّ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ بَطَلَ إِلَى أَنْ يَتُوب ".هَذَا الْحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيّ، وَأَعَلَّهُ بِالْجَهَالَةِ بِحَالِ اِمْرَأَة أَبِي إِسْحَاق، وَقَالَ: لَوْ ثَبَتَ , فَإِنَّمَا عَابَتْ عَلَيْهَا بَيْعًا إِلَى الْعَطَاء، لِأَنَّهُ أَجَلٌ غَيْر مَعْلُوم , ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَثْبُت مِثْل هَذَا عَنْ عَائِشَة، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ لَا يَبِيعُ إِلَّا مَا يَرَاهُ حَلَالًا.قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ يُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق عَنْ أُمّه الْعَالِيَة بِنْتِ أَنْفَع " أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَة مَعَ أُمِّ مُحَمَّد " وَقَالَ غَيْره: هَذَا الْحَدِيث حَسَن، وَيُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ عَنْ الْعَالِيَة ثِقَتَانِ ثَبْتَانِ: أَبُو إِسْحَاق زَوْجُهَا، وَيُونُس اِبْنُهَاوَلَمْ يُعْلَمْ فِيهَا جَرْح، وَالْجَهَالَةُ تَرْتَفِع عَنْ الرَّاوِي بِمِثْلِ ذَلِكَ , ثُمَّ إِنَّ هَذَا مِمَّا ضُبِطَتْ فِيهِ الْقِصَّة، وَمَنْ دَخَلَ مَعَهَا عَلَى عَائِشَة، وَقَدْ صَدَّقَهَا زَوْجُهَا وَابْنُهَا , وَهُمَا مَنْ هُمَا، فَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ.وَقَوْله فِي الْحَدِيث الْمُتَقَدِّم " مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَة , فَلَهُ أَوْكَسهمَا أَوْ الرِّبَا "هُوَ مُنَزَّل عَلَى الْعِينَة بِعَيْنِهَا، قَالَهُ شَيْخنَا، لِأَنَّهُ بَيْعَانِ فِي بَيْعٍ وَاحِد، فَأَوْكَسهمَا: الثَّمَنُ الْحَالّ , وَإِنْ أَخَذَ بِالْأَكْثَرِ - وَهُوَ الْمُؤَجَّل - أَخَذَ بِالرِّبَا , فَالْمَعْنَيَانِ لَا يَنْفَكَّانِ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ , إِمَّا الْأَخْذ بِأَوْكَس الثَّمَنَيْنِ، أَوْ الرِّبَا، وَهَذَا لَا يَتَنَزَّلُ إِلَّا عَلَى الْعِينَة.(٢) حُمِلَ هَذَا عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالزَّرْعِ فِي زَمَنٍ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْجِهَاد. عون (٧/ ٤٥٣)(٣) أَيْ: سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ صَغَارًا وَمَسْكَنَة , وَمَنْ أَنْوَاعِ الذُّلِّ: الْخَرَاجُ الَّذِي يُسَلِّمُونَهُ كُلَّ سَنَةٍ لِمُلَّاكِ الْأَرْض , وَسَبَبُ هَذَا الذُّلِّ وَالله أَعْلَم أَنَّهُمْ لَمَّا تَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ , الَّذِي فِيهِ عِزُّ الْإِسْلَام , وَإِظْهَارُهُ عَلَى كُلِّ دِين , عَامَلَهُمْ اللهُ بِنَقِيضِهِ , وَهُوَ إِنْزَالُ الذِّلَّةِ بِهِمْ , فَصَارُوا يَمْشُونَ خَلْفَ أَذْنَابِ الْبَقَر , بَعْد أَنْ كَانُوا يَرْكَبُونَ عَلَى ظُهُورِ الْخَيْلِ , الَّتِي هِيَ أَعَزّ مَكَان. عون المعبود (٧/ ٤٥٣)(٤) (د) ٣٤٦٢ , (هق) ١٠٤٨٤ , (مسند الشاميين) ٢٤١٧ , (بز) ٥٨٨٧(٥) قال الألباني في الصَّحِيحَة ح ١١: فتأمل كيف بيَّنَ هذا الحديثُ ما أُجْمِلَ في حديث أبي أمامة حين رأى سِكَّةً وشيئا من آلة الحرث , فقال: سمعت رسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله اللهُ الذُّل "، فذكر أن تسليط الذل ليس هو لمجرد الزرع والحرث , بل لما اقترن به من الإخلاد إليه , والانشغال به عن الجهاد في سبيل الله , فهذا هو المراد بالحديث، وأما الزرع الذي لم يقترن به شيء من ذلك , فهو المُراد بالأحاديث المُرَغِّبة في الحَرْث , فلا تَعارض بينها ولا إشكال. أ. هـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute