للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ حم) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى (١)) (٢) وفي رواية: (لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَن ظَهْرِ غِنًى) (٣) (وَلَا يَلُومُ اللهُ عَلَى الْكَفَافِ) (٤) (وَلْيَبْدَأ أَحَدُكُمْ بِمَنْ يَعُولُ (٥)) (٦) (قَالَ سَعِيدٌ: فَسُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَنْ أَعُولُ؟ , فَقَالَ: امْرَأَتُكَ مِمَّنْ تَعُولُ) (٧) (تَقُولُ: أَطْعِمْنِي , وَإِلَّا طَلِّقْنِي (٨)) (٩) (وَوَلَدُكَ , يَقُولُ: أَطْعِمْنِي , إِلَى مَنْ تَدَعُنِي؟) (١٠) (وَخَادِمُكَ , يَقُولُ: أَطْعِمْنِي , وَإِلَّا فَبِعْنِي ") (١١)


(١) أَيْ: أَفْضَل الصَّدَقَة مَا أَخْرَجَهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبْقِيَ مِنْهُ قَدْرَ الْكِفَايَة وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَهُ: وَابْدَأ بِمَنْ تَعُولُ , وَقَالَ النَّوَوِيّ: مَذْهَبُنَا أَنَّ التَّصَدُّقَ بِجَمِيعِ الْمَالِ مُسْتَحَبّ لِمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ , وَلَا لَهُ عِيَال لَا يَصْبِرُونَ، وَيَكُونُ هُوَ مِمَّنْ يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَاقَةِ وَالْفَقْرِ، فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ هَذِهِ الشُّرُوطَ , فَهُوَ مَكْرُوه.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِمِ ": مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَفْضَلُ الصَّدَقَة مَا وَقَعَ بَعْدَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ النَّفْسِ وَالْعِيَال , بِحَيْثُ لَا يَصِيرُ الْمُتَصَدِّق مُحْتَاجًا بَعْدَ صَدَقَتِهِ إِلَى أَحَد، فَمَعْنَى الْغِنَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ: حُصُول مَا تُدْفَعُ بِهِ الْحَاجَة الضَّرُورِيَّة , كَالْأَكْلِ عِنْدَ الْجُوعِ الْمُشَوِّشِ , الَّذِي لَا صَبْرَ عَلَيْهِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَالْحَاجَة إِلَى مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ الْأَذَى، وَمَا هَذَا سَبِيله , فَلَا يَجُوزُ الْإِيثَارُ بِهِ , بَلْ يَحْرُمُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا آثَرَ غَيْرَهُ بِهِ أَدَّى إِلَى إِهْلَاكِ نَفْسِهِ , أَوْ الْإِضْرَارِ بِهَا , أَوْ كَشْف عَوْرَتِهِ، فَمُرَاعَاة حَقِّهِ أَوْلَى عَلَى كُلِّ حَال، فَإِذَا سَقَطَتْ هَذِهِ الْوَاجِبَاتُ , صَحَّ الْإِيثَارُ , وَكَانَتْ صَدَقَتُهُ هِيَ الْأَفْضَل , لِأَجْلِ مَا يَتَحَمَّلُ مِنْ مَضَضِ الْفَقْر , وَشِدَّةِ مَشَقَّتِهِ، فَبِهَذَا يَنْدَفِعُ التَّعَارُض بَيْنَ الْأَدِلَّةِ إِنْ شَاءَ اللهُ. فتح الباري (ج ٥ / ص ٢٦)
(٢) (خ) ٥٠٤٠ , (س) ٢٥٣٤
(٣) (حم) ٧١٥٥ , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح.
(٤) (حم) ٨٧٢٨ , وقال الشيخ شعيب الأرناءوط: إسناده حسن.
(٥) أَيْ: بِمَنْ يَجِب عَلَيْه نَفَقَته، يُقَال: عَالَ الرَّجُلُ أَهْله إِذَا مَانَهُمْ، أَيْ: قَامَ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ قُوت وَكِسْوَة , وَهُوَ أَمْرٌ بِتَقْدِيمِ مَا يَجِبُ عَلَى مَا لَا يَجِبُ. وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر: اُخْتُلِفَ فِي نَفَقَة مَنْ بَلَغَ مِنْ الْأَوْلَاد , وَلَا مَال لَهُ وَلَا كَسْب، فَأَوْجَبَتْ طَائِفَة النَّفَقَة لِجَمِيعِ الْأَوْلَاد , أَطْفَالًا كَانُوا أَوْ بَالِغِينَ , إِنَاثًا وَذُكْرَانًا , إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمْوَال يَسْتَغْنُونَ بِهَا، وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّ الْوَاجِب أَنْ يُنْفِق عَلَيْهِمْ حَتَّى يَبْلُغ الذَّكَر , أَوْ تَتَزَوَّج الْأُنْثَى , ثُمَّ لَا نَفَقَة عَلَى الْأَب , إِلَّا إِنْ كَانُوا زَمْنَى، فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَال , فَلَا وُجُوب عَلَى الْأَب , وَأَلْحَق الشَّافِعِيُّ وَلَد الْوَلَد وَإِنْ سَفَلَ بِالْوَلَدِ فِي ذَلِكَ. فتح الباري - (ج ١٥ / ص ٢١٢)
(٦) (حم) ١٥٦١٦ , (خ) ٥٠٤١
(٧) (حم) ١٠٨٣٠
(٨) اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ " إِمَّا أَنْ تُطْعِمنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقنِي " مَنْ قَالَ: يُفَرَّق بَيْن الرَّجُل وَامْرَأَته إِذَا أَعْسَر بِالنَّفَقَةِ , وَاخْتَارَتْ فِرَاقه، وَهُوَ قَوْل جُمْهُور الْعُلَمَاء. فتح
(٩) (حم) ٧٤٢٣ , (خ) ٥٠٤٠
(١٠) (خ) ٥٠٤٠ , (حم) ١٠٧٩٥
(١١) (حم) ٧٤٢٣ , (خ) ٥٠٤٠ , وصححه الألباني في الإرواء: ٢١٨١