(٢) قَالَ اِبْن بَطَّالٍ: ذَهَب مُجَاهِد إِلَى أَنَّ الْآيَة وَهِيَ قَوْله تَعَالَى (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أَشْهُر وَعَشْرًا) نَزَلَتْ قَبْل الْآيَة الَّتِي فِيهَا (وَصِيَّة لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْل غَيْر إِخْرَاج) كَمَا هِيَ قَبْلهَا فِي التِّلَاوَة، وَكَأَنَّ الْحَامِل لَهُ عَلَى ذَلِكَ اِسْتِشْكَال أَنْ يَكُون النَّاسِخ قَبْل الْمَنْسُوخ، فَرَأَى أَنَّ اِسْتِعْمَالهَا مُمْكِن بِحُكْمٍ غَيْر مُتَدَافِع، لِجَوَازِ أَنْ يُوجِبَ الله عَلَى الْمُعْتَدَّة تَرَبُّص أَرْبَعَة أَشْهُر وَعَشْر , وَيُوجِب عَلَى أَهْلهَا أَنْ تَبْقَى عِنْدهمْ سَبْعَة أَشْهُر وَعِشْرِينَ لَيْلَة تَمَام الْحَوْل , إِنْ أَقَامَتْ عِنْدهمْ , قَالَ: وَهُوَ قَوْلٌ لَمْ يَقْلُهُ أَحَد مِنْ الْمُفَسِّرِينَ غَيْره , وَلَا تَابَعَهُ عَلَيْهَا مِنْ الْفُقَهَاء أَحَد، وَأَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ آيَة الْحَوْل مَنْسُوخَة , وَأَنَّ السُّكْنَى تَبَعٌ لِلْعِدَّةِ، فَلَمَّا نُسِخَ الْحَوْل فِي الْعِدَّة بِالْأَرْبَعَةِ أَشْهُر وَعَشْر نُسِخَتْ السُّكْنَى أَيْضًا , وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ: لَمْ يَخْتَلِف الْعُلَمَاء أَنَّ الْعِدَّة بِالْحَوْلِ نُسِخَتْ إِلَى أَرْبَعَة أَشْهُر وَعَشْر، وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا فِي قَوْله (غَيْر إِخْرَاج) فَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّهُ نُسِخَ أَيْضًا، وَرَوَى اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد فَذَكَرَ حَدِيث الْبَاب قَالَ: وَلَمْ يُتَابَع عَلَى ذَلِكَ، وَلَا قَالَ أَحَد مِنْ عُلَمَاء الْمُسْلِمِينَ مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ بِهِ فِي مُدَّة الْعِدَّة، بَلْ رَوَى اِبْن جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِد فِي قَدْرهَا مِثْل مَا عَلَيْهِ النَّاس، فَارْتَفَعَ الْخِلَافُ وَاخْتَصَّ مَا نُقِلَ عَنْ مُجَاهِد وَغَيْره بِمُدَّةِ السُّكْنَى، عَلَى أَنَّهُ أَيْضًا شَاذّ لَا يُعَوَّل عَلَيْهِ. وَالله أَعْلَم فتح الباري - (ج ١٥ / ص ١٩٦)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute