للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(حم) , وَعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ قَالَ: مَا نَصَرَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي مَوْطِنٍ كَمَا نَصَرَ يَوْمَ أُحُدٍ، قَالَ: فَأَنْكَرْنَا ذَلِكَ , فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كِتَابُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى , إِنَّ اللهَ - عز وجل - يَقُولُ فِي يَوْمِ أُحُدٍ: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللهُ وَعْدَهُ , إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} (١) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَالْحَسُّ: الْقَتْلُ , {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ , وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ , وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ , مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا , وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ , ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ , وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ , وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (٢) وَإِنَّمَا عَنَى بِهَذَا الرُّمَاةَ , " وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَقَامَهُمْ فِي مَوْضِعٍ , ثُمَّ قَالَ: احْمُوا ظُهُورَنَا , فَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ , فلَا تَنْصُرُونَا , وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ غَنِمْنَا , فلَا تَشْرُكُونَا , فَلَمَّا غَنِمَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبَاحُوا عَسْكَرَ الْمُشْرِكِينَ " , أَكَبَّ الرُّمَاةُ جَمِيعًا , فَدَخَلُوا فِي الْعَسْكَرِ يَنْهَبُونَ , وَقَدْ الْتَقَتْ صُفُوفُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَهُمْ هَكَذَا - وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ - وَالْتَبَسُوا , فَلَمَّا أَخَلَّ (٣) الرُّمَاةُ تِلْكَ الْخَلَّةَ (٤) الَّتِي كَانُوا فِيهَا , دَخَلَتْ الْخَيْلُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَضَرَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا , وَقُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ نَاسٌ كَثِيرٌ , وَقَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابِهِ أَوَّلُ النَّهَارِ , حَتَّى قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ سَبْعَةٌ أَوْ تِسْعَةٌ , وَجَالَ الْمُسْلِمُونَ جَوْلَةً (٥) نَحْوَ الْجَبَلِ , وَلَمْ يَبْلُغُوا حَيْثُ يَقُولُ النَّاسُ الْغَارَ , إِنَّمَا كَانُوا تَحْتَ الْمِهْرَاسِ (٦) وَصَاحَ الشَّيْطَانُ: قُتِلَ مُحَمَّدٌ , فَلَمْ يُشَكَّ فِيهِ أَنَّهُ حَقٌّ , فَمَا زِلْنَا كَذَلِكَ , مَا نَشُكُّ أَنَّهُ قَدْ قُتِلَ , " حَتَّى طَلَعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ السَّعْدَيْنِ (٧) نَعْرِفُهُ بِتَكَفُّئِهِ (٨) إِذَا مَشَى " , قَالَ: فَفَرِحْنَا حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يُصِبْنَا مَا أَصَابَنَا , " فَرَقِيَ (٩) رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَحْوَنَا وَهُوَ يَقُولُ: اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ رَسُولِهِ , وَيَقُولُ مَرَّةً أُخْرَى: اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا , حَتَّى انْتَهَى إِلَيْنَا فَمَكَثَ سَاعَةً " , فَإِذَا أَبُو سُفْيَانَ يَصِيحُ فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ , اعْلُوا هُبَلُ اعْلُوا هُبَلُ - يَعْنِي: آلِهَتَهُ - أَيْنَ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ (١٠)؟ , أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ , أَيْنَ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ , فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا أُجِيبُهُ؟ , قَالَ: " بَلَى " , فَلَمَّا قَالَ اعْلُوا هُبَلُ , قَالَ عُمَرُ: اللهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ , فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ , إِنَّهُ قَدْ أُنْعِمَتْ عَيْنُهَا , أَيْنَ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ؟ , أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ , فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ , فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ , الْأَيَّامُ دُوَلٌ , وَإِنَّ الْحَرْبَ سِجَالٌ (١١) فَقَالَ عُمَرُ: لَا سَوَاءً , قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ , وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ , قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَزْعُمُونَ ذَلِكَ , لَقَدْ خِبْنَا إِذَنْ وَخَسِرْنَا , ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَمَا إِنَّكُمْ سَوْفَ تَجِدُونَ فِي قَتْلَاكُمْ مُثْلَةً (١٢) وَلَمْ يَكُنْ ذَاكَ عَنْ رَأيِ سَرَاتِنَا (١٣) ثُمَّ أَدْرَكَتْهُ حَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ (١٤) فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَانَ ذَلِكَ وَلَمْ نَكْرَهْهُ. (١٥)


(١) [آل عمران/١٥٢]
(٢) [آل عمران/١٥٢]
(٣) أخَلَّ: ترك المكان.
(٤) الخَلَّة: الفُرجة , والثغرة التي فتحها الرماة بإخلالهم بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(٥) الجولة: الدوران.
(٦) المِهراس: حجر ضخم , منقور ومحفور , ويسع ماء كثيرا يُحفظ فيه.
(٧) أَيْ: سعد بن معاذ , وسعد بن عبادة.
(٨) تَكَفَّأ: مال صدره إلى الأمام , كالذي يهبط من مكان مرتفع.
(٩) رقي: صعد.
(١٠) قَالَ أَبُو حَاتِمٍ ابن حبان: أَبُو كَبْشَةَ هَذَا , وَالِدُ أُمِّ أُمِّ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: كَانَ قَدْ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ , فَاسْتَحْسَنَ دِينَ النَّصَارَى , فَرَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ وَأَظْهَرَهُ، فَعَاتَبَتْهُ قُرَيْشٌ حَيْثُ جَاءَ بِدِينٍ غَيْرِ دِينِهِمْ، فَكَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَيِّرُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَتَنْسِبُهُ إِلَيْهِ، يَعْنُونَ بِهِ أَنَّهُ جَاءَ بِدَيْنٍ غَيْرِ دِينِهِمْ، كَمَا جَاءَ أَبُو كَبْشَةَ بِدَيْنٍ غَيْرِ دِينَهِمْ.
(١١) (الحرب سِجال) أَيْ: مَرَّة لنا ومَرَّة علينا , ونُصْرتها متداولة بين الفريقين.
(١٢) المُثْلة: جدع الأطراف أو قطعها , أو تشويه الجسد تنكيلا.
(١٣) السَّرَاة: أشراف القوم وزعماؤهم.
(١٤) الحمية: الأنفة والغيرة.
(١٥) (حم) ٢٦٠٩ , (ك) ٣١٦٣ , وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن