للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ت حب) , وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رضي الله عنه - قَالَ: (" إِنَّ جِبْرَائِيلَ هَبَطَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ: خَيِّرْ أَصْحَابَكَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ) (١) (إِنْ شَاءُوا الْقَتْلَ، وَإِنْ شَاءُوا الْفِدَاءَ (٢) عَلَى أَنْ يُقْتَلَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ مِنْهُمْ (٣) عِدَّتُهُمْ (٤) " , قَالُوا: الْفِدَاءُ، وَيُقْتَلُ مِنَّا عِدَّتُهُمْ (٥)) (٦).


(١) (ت) ١٥٦٧ , (حب) ٤٧٩٥
(٢) الْمَعْنَى أَنَّكُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ تَقْتُلُوا الْأَسَارَى، وَلَا يَلْحَقُكُمْ ضَرَرٌ مِنْ الْعَدُوِّ وَبَيْنَ أَنْ تَأخُذُوا مِنْهُمْ الْفِدَاءَ. تحفة الأحوذي - (ج ٤ / ص ٢٣٢)
(٣) أَيْ: مِنْ الصَّحَابَةِ. تحفة الأحوذي - (ج ٤ / ص ٢٣٢)
(٤) يَعْنِي بِعَدَدِ مَنْ يُطْلَقُونَ مِنْهُمْ، وَقَدْ قُتِلَ مِنْ الْكُفَّارِ يَوْمَئِذٍ سَبْعُونَ , وَأُسِرَ سَبْعُونَ. تحفة الأحوذي (ج ٤ / ص ٢٣٢)
(٥) إِنَّمَا اِخْتَارُوا ذَلِكَ رَغْبَةً مِنْهُمْ فِي إِسْلَامِ أَسَارَى بَدْرٍ، وَفِي نَيْلِهِمْ دَرَجَةَ الشَّهَادَةِ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ , وَشَفَقَةً مِنْهُمْ عَلَى الْأَسَارَى بِمَكَانِ قَرَابَتِهِمْ مِنْهُمْ.
وقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مُشْكِلٌ جِدًّا , لِمُخَالَفَتِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ وَلِمَا صَحَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي أَمْرِ أَسَارَى بَدْرٍ أَنَّ أَخْذَ الْفِدَاءِ كَانَ رَأيًا رَأَوْهُ , فَعُوتِبُوا عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ تَخْيِيرٌ بِوَحْيٍ سَمَاوِيٍّ , لَمْ تَتَوَجَّهْ الْمُعَاتَبَةُ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} إِلَى قَوْلِهِ {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وَأَظْهَرَ لَهُمْ شَأنَ الْعَاقِبَةِ بِقَتْلِ سَبْعِينَ مِنْهُمْ بَعْدَ غَزْوَةِ أُحُدٍ عِنْدَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} وَمِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ هَذَا التَّأوِيلُ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - فَلَعَلَّ عَلِيًّا ذَكَرَ هُبُوطَ جِبْرِيلَ فِي شَأنِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيَانِهَا , فَاشْتَبَهَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ.
وَمِمَّا جَرَّأَنَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ أَنَّ الْحَدِيثَ تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ , عَنْ سُفْيَانَ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ , فَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ، وَالسَّمْعُ قَدْ يُخْطِئُ، وَالنِّسْيَانُ كَثِيرًا يَطْرَأُ عَلَى الْإِنْسَانِ، ثُمَّ إِنَّ الْحَدِيثَ رُوِيَ عَنْهُ مُتَّصِلًا , وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِهِ مُرْسَلًا، فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ الْقَوْلَ لِظَاهِرِهِ.
وقَالَ الطِّيبِيُّ: أَقُولُ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَالْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي الْحَدِيثِ وَارِدٌ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ وَالِامْتِحَانِ , وَللهِ أَنْ يَمْتَحِنَ عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ، اِمْتَحَنَ اللهُ تَعَالَى أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِك إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} الْآيَتَيْنِ , وَامْتَحَنَ النَّاسَ بِتَعْلِيمِ السِّحْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ} وَامْتَحَنَ النَّاسَ بِالْمَلَكَيْنِ , وَجَعَلَ الْمِحْنَةَ فِي الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ بِأَنْ يَقْبَلَ الْعَامِلُ تَعَلُّمَ السِّحْرِ فَيَكْفُرَ، وَيُؤْمِنَ بِتَرْكِ تَعَلُّمِهِ، وَلَعَلَّ اللهَ تَعَالَى اِمْتَحَنَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَأَصْحَابَهُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: الْقَتْلِ وَالْفِدَاءِ، وَأَنْزَلَ جِبْرِيلُ - عليه السلام - بِذَلِكَ، هَلْ هُمْ يَخْتَارُونَ مَا فِيهِ رِضَا اللهِ تَعَالَى مِنْ قَتْلِ أَعْدَائِهِ , أَمْ يُؤْثِرُونَ الْعَاجِلَةَ مِنْ قَبُولِ الْفِدَاءِ، فَلَمَّا اِخْتَارُوا الثَّانِيَ , عُوقِبُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ}.
وقَالَ الْقَارِي بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْكَلَامِ مَا لَفْظُهُ: قُلْتُ بِعَوْنِ اللهِ: إِنَّ هَذَا الْجَوَابَ غَيْرُ مَقْبُولٍ , لِأَنَّهُ مَعْلُولٌ وَمَدْخُولٌ، فَإِنَّهُ إِذَا صَحَّ التَّخْيِيرُ , لَمْ يَجُزْ الْعِتَابُ وَالتَّعْيِيرُ , فَضْلًا عَنْ التَّعْذِيبِ وَالتَّعْزِيرِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ تَخْيِيرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُنَّ لَوْ اِخْتَرْنَ الدُّنْيَا لَعُذِّبْنَ فِي الْعُقْبَى , وَلَا فِي الْأُولَى.
وَغَايَتُهُ أَنَّهُنَّ يُحْرَمْنَ مِنْ مُصَاحَبَةِ الْمُصْطَفَى , لِفَسَادِ اِخْتِيَارِهِنَّ الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى , وَأَمَّا قَضِيَّةُ الْمَلَكَيْنِ , وَقَضِيَّةُ تَعْلِيمِ السِّحْرِ، فَنَعَمْ , اِمْتِحَانٌ مِنْ اللهِ وَابْتِلَاءٌ، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ تَخْيِيرٌ لِأَحَدٍ، وَلِهَذَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {مَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} أَنَّهُ أَمْرُ تَهْدِيدٍ لَا تَخْيِيرٍ , وَأَمَّا قَوْلُهُ: " أَمْ يُؤْثِرُونَ الْأَعْرَاضَ الْعَاجِلَةَ مِنْ قَبُولِ الْفِدْيَةِ , فَلَمَّا اِخْتَارُوهُ عُوقِبُوا بِقَوْلِهِ {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ} الْآيَةَ "، فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْجُرْأَةِ الْعَظِيمَةِ , وَالْجِنَايَةِ الْجَسِيمَةِ، فَإِنَّهُمْ مَا اخْتَارُوا الْفِدْيَةَ لَا لِلتَّقْوِيَةِ عَلَى الْكُفَّارِ , وَلِلشَّفَقَةِ عَلَى الرَّحِمِ، وَلِرَجَاءِ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ، أَوْ فِي أَصْلَابِهِمْ مَنْ يُؤْمِنُ , وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا وَقَعَ مِنْهُمْ اِجْتِهَادًا وَافَقَ رَأيَهُ - صلى الله عليه وسلم - غَايَتُهُ أَنَّ اِجْتِهَادَ عُمَرَ وَقَعَ أَصْوَبَ عِنْدَهُ تَعَالَى، فَيَكُونُ مِنْ مُوَافَقَاتِ عُمَرَ - رضي الله عنه -. اِنْتَهَى. تحفة الأحوذي - (ج ٤ / ص ٢٣٢)
(٦) (حب) ٤٧٩٥ , (ت) ١٥٦٧ , انظر صحيح موارد الظمآن: ١٤١١ , المشكاة (٣٩٧٣ / التحقيق الثاني)