للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(م) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ , حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأنْهَارًا" (١)

الشرح (٢)


(١) (م) ١٥٧ , (حم) ٩٣٨٤
(٢) أرض العرب المقصودة في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - هي شبه الجزيرة العربية , والرطوبة النادرة , والجفاف الشديد هما أبرز السمات المميزة للمناطق الصحراوية بصفة عامة , فقد تشهد بعض الجهات الداخلية وخاصة الربع الخالي في شبه الجزيرة العربية سنوات بطولها دون أن تتلقى قطرة مطر واحدة (دكتور صلاح الدين بحيري «جغرافية الصحارى العربية» ص١٢, ١٣.
وهذا بدوره يكون له أثر على الغطاء النباتي والزراعي, حيث ينتشر اللون الأصفر لون الرمال القاسية الملتهبة , ولا يستثنى من ذلك إلا بعض المناطق الساحلية التي تسقط عليها بعض الأمطار , والواحات المتناثرة بالقرب من الآبار والعيون.
وقد وصف المولى - عز وجل - بعض أرض العرب وصحرائها , حين قال في كتابه الكريم على لسان سيدنا إبراهيم - عليه السلام -: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} (إبراهيم: ٣٧) وهو وَصْفٌ يدل على حالة الجدب والقفر والجفاف الذي تعيشه شبه الجزيرة العربية منذ عهد إبراهيم الخليل - عليه السلام -.
والمعنى الظاهر للحديث: أن صحراء شبه الجزيرة العربية ستغطيها المروج أي المراعي والأنهار في آخر الزمان قبل قيام الساعة.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «حتى تعود» يدل على أنها كانت كذلك في وقت سابق , وأنها ستعود إلى حالتها الأولى , وأن طبيعتها الصحراوية الجافة هي حالة طارئة عليها , فالحديث في الواقع يتضمن حقيقة ونبوءة , وإعجازا خبريًّا , وآخر علمياً.
فالإعجاز العلمي: أن شبه الجزيرة العربية كانت في الماضي أرضًا ذات مَراعٍ وأنهار , ثم طرأت عليها الحالة الصحراوية الراهنة.
والإعجاز الإخباري: أن الأنهار والمسطحات الخضراء , ستعود ثانيةً إلى شِبه الجزيرة العربية في آخر الزمان قبل قيام الساعة.
وقد استغرق هذا الحديث أربعة عشر قرنا من الزمان لكي يُفهم على هذا الوجه الصحيح , حدث ذلك بعد التقدُّم الهائل في علوم الجيولوجيا والتاريخ المناخي والفلك وغيرها , وبعد العديد من أعمال الحفر والتنقيب بصحراء شبه الجزيرة العربية, والتي تُثبت لغير المسلمين بما لا يدع مجالا للشك صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - والإعجاز العلمي في هذا الحديث.
تؤكد المكتشفات العلمية الحديثة ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث المعجز من أن شبه الجزيرة العربية لم تكن صحراء بالمعنى المتعارف عليه حاليا , بل كانت أرضا خضراء , تتدفق فيها الأنهار , وتترقرق في بعض نواحيها البحيرات الواسعة وتنهض في ما أصبح بادية بعد ذلك مدن على قدر كبير من التقدم الزراعي والحرفي.
وقد أُجْريت حديثا دراسة عبر الأقمار الصناعية لشبه الجزيرة العربية , حيث أظهرت الصور الجوية وجود مجرى لنهر قديم عملاق يخترق شبه الجزيرة العربية من الغرب ويتجه إلى الشرق ناحية الكويت , ويختفي مجرى هذا النهر تحت كميات هائلة من الكثبان الرملية , وأوضحت الصور أيضًا أن مساحة شاسعة من شمال غرب الكويت عبارة عن دلتا لهذا النهر العملاق , ويشير هذا الكشف كما ذكر الدكتور فاروق الباز (جريدة الشرق الأوسط, عدد ٢٧/ ٣/١٩٩٣ في تحقيق أُجري مع الدكتور فاروق الباز, عالم الجيولوجيا والفضاء المصري المقيم بأمريكا) إلى وجود كميات هائلة من المياه الجوفية في مسار النهر القديم.
ويتضمن هذا الحديث النبوي الشريف إلى جانب الحقيقة العلمية المبهرة والمعجزة , والتي أثبتها البحث العلمي الحديث , والمتعلقة بمناخ شبه الجزيرة العربية منذ آلاف السنين يتضمن أيضا نبوءة علمية عجيبة وغريبة أخرى , ألا وهي: عودة الصورة الأصلية القديمة لشبه الجزيرة العربية .. أمطار غزيرة , وأنهار جارية , ومراع ومساحات خضراء وارفة!!
ويعتقد البعض أن ما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تحقق الآن في شبه الجزيرة العربية , نتيجة لاكتشاف مياه جوفيه بكميات كبيرة , تدفق منها العديد من الآبار والعيون الجارية وهذا مخالف لظاهر كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد قال: «مروجا وأنهارا» ولم يقل «مروجا وعيونا» , ومعروف أن الأنهار تتكون أساسا من سقوط الأمطار الغزيرة , وهذا ما لم يحدث حتى الآن.
والظن الغالب , والتفسير الأقرب إلى المفهوم من كلامه - صلى الله عليه وسلم - أن هذا سيحدث كنتيجة لتغيُّر شامل في مناخ الكرة الأرضية , ينتج عنه تحرُّك نطاق المطر بحيث تدخل صحراء شبه الجزيرة العربية فيها , مما يؤدي إلى جريان الأنهار في أوديتها الجافة.