للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م) , وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (" قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ: رَبِّ ذَاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً) (١) (فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً , فلَا تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا (٢)) (٣) (فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَهُ مَا لَمْ يَعْمَلْهَا) (٤) (فَإِنْ عَمِلَهَا , فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي , فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا , فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا , فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا , إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ ") (٥)


(١) (م) ١٢٩ , (حم) ٨٢٠٣
(٢) مَذْهَب الْقَاضِي أَبِي بَكْر بْن الطَّيِّب أَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْمَعْصِيَة بِقَلْبِهِ , وَوَطَّنَ نَفْسه عَلَيْهَا، أَثِمَ فِي اِعْتِقَاده وَعَزْمِه , وَيُحْمَل مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيث وَأَمْثَاله عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ لَمْ يُوَطِّنْ نَفْسَه عَلَى الْمَعْصِيَة، وَإِنَّمَا مَرَّ ذَلِكَ بِفِكْرِهِ مِنْ غَيْر اِسْتِقْرَار، وَيُسَمَّى هَذَا هَمًّا , وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْهَمِّ وَالْعَزْم.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض رَحِمَهُ الله: عَامَّةُ السَّلَفِ وَأَهْل الْعِلْم مِنْ الْفُقَهَاء وَالْمُحَدِّثِينَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْر , لِلْأَحَادِيثِ الدَّالَّة عَلَى الْمُؤَاخَذَة بِأَعْمَالِ الْقُلُوب، لَكِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ هَذَا الْعَزْمَ يُكْتَبُ سَيِّئَةً , وَلَيْسَتْ السَّيِّئَةُ الَّتِي هَمَّ بِهَا لِكَوْنِهِ لَمْ يَعْمَلهَا , وَقَطَعَهُ عَنْهَا قَاطِعٌ غَيْرُ خَوْفِ الله تَعَالَى وَالْإِنَابَة , لَكِنَّ نَفْس الْإِصْرَار وَالْعَزْم مَعْصِيَة , فَتُكْتَب مَعْصِيَةً , فَإِذَا عَمِلَهَا كُتِبَتْ مَعْصِيَةً ثَانِيَة.
فَإِنْ تَرَكَهَا خَشْيَةً للهِ تَعَالَى , كُتِبَتْ حَسَنَة كَمَا فِي الْحَدِيث " وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي " فَصَارَ تَرْكُهُ لَهَا لِخَوْفِ الله تَعَالَى , وَمُجَاهَدَتِه نَفْسَه الْأَمَّارَةَ بِالسُّوءِ فِي ذَلِكَ , وَعِصْيَانه هَوَاهُ , حَسَنَةً , فَأَمَّا الْهَمّ الَّذِي لَا يُكْتَب , فَهِيَ الْخَوَاطِر الَّتِي لَا تُوَطَّنُ النَّفْس عَلَيْهَا، وَلَا يَصْحَبُهَا عَقْد وَلَا نِيَّة وَعَزْم.
وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوص الشَّرْع بِالْمُؤَاخَذَةِ بِعَزْمِ الْقَلْبِ الْمُسْتَقِرّ , وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيع الْفَاحِشَة فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَاب أَلِيم} الْآيَة , وَقَوْله تَعَالَى: {اِجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنّ , إِنَّ بَعْض الظَّنّ إِثْم}.
وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوص الشَّرْع وَإِجْمَاع الْعُلَمَاء عَلَى تَحْرِيم الْحَسَد , وَاحْتِقَار الْمُسْلِمِينَ , وَإِرَادَةِ الْمَكْرُوه بِهِمْ , وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ أَعْمَال الْقُلُوب وَعَزْمهَا , وَالله أَعْلَم. شرح النووي على مسلم - (ج ١ / ص ٢٤٧)
(٣) (خ) ٧٠٦٢ , (م) ١٢٨
(٤) (م) ١٢٩
(٥) (خ) ٧٠٦٢ , (م) ١٢٨