للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م) , عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ (١) السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا , مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ , ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ, وَذُو الْحِجَّةِ , وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ (٢) الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ " (٣)


(١) أَيْ: دَارَ عَلَى التَّرْتِيب الَّذِي اِخْتَارَهُ الله تَعَالَى وَوَضَعَهُ يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض، قَالَ الْإِمَام الْحَافِظ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِم: مَعْنَى هَذَا الْكَلَام أَنَّ الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَتْ قَدْ بَدَّلَتْ أَشْهُر الْحَرَام , وَقَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ أَوْقَاتهَا مِنْ أَجْل النَّسِيء الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ , وَهُوَ مَا ذَكَرَ الله سُبْحَانه فِي كِتَابه فَقَالَ: {إِنَّمَا النَّسِيء زِيَادَة فِي الْكُفْر , يُضَلّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا , يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا} , وَمَعْنَى النَّسِيء: تَأخِير رَجَب إِلَى شَعْبَان , وَالْمُحَرَّم إِلَى صَفَر، وَأَصْله مَأخُوذ مِنْ نَسَأتُ الشَّيْء , إِذَا أَخَّرْته، وَمِنْهُ: النَّسِيئَة فِي الْبَيْع، وَكَانَ مِنْ جُمْلَة مَا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ الدِّين , تَعْظِيم هَذِهِ الْأَشْهُر الْحُرُم , وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ فِيهَا عَنْ الْقِتَال وَسَفْك الدِّمَاء , وَيَأمَن بَعْضهمْ بَعْضًا , إِلَى أَنْ تَنْصَرِم هَذِهِ الْأَشْهُر , وَيَخْرُجُوا إِلَى أَشْهُر الْحِلّ، فَكَانَ أَكْثَرُهمْ يَتَمَسَّكُونَ بِذَلِكَ , فَلَا يَسْتَحِلُّونَ الْقِتَال فِيهَا، وَكَانَ قَبَائِل مِنْهُمْ يَسْتَبِيحُونَهَا , فَإِذَا قَاتَلُوا فِي شَهْرٍ حَرَام , حَرَّمُوا مَكَانه شَهْرًا آخَر مِنْ أَشْهُر الْحِلّ , فَيَقُولُونَ: نَسَأنَا الشَّهْر، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ حَتَّى اِخْتَلَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَخَرَجَ حِسَابه مِنْ أَيْدِيهمْ، فَكَانُوا رُبَّمَا يَحُجُّونَ فِي بَعْض السِّنِينَ فِي شَهْر , وَيَحُجُّونَ فِي بَعْض السِّنِينَ فِي شَهْر , وَيَحُجُّونَ مِنْ قَابِل فِي شَهْر غَيْره , إِلَى أَنْ كَانَ الْعَام الَّذِي حَجَّ فِيهِ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَصَادَفَ حَجُّهمْ شَهْرَ الْحَجّ الْمَشْرُوع , وَهُوَ ذُو الْحِجَّة , فَوَقَفَ بِعَرَفَة في الْيَوْم التَّاسِع مِنْهُ، ثُمَّ خَطَبَهُمْ فَأَعْلَمهُمْ أَنَّ أَشْهُر الْحَجّ قَدْ تَنَاسَخَتْ بِاسْتِدَارَةِ الزَّمَان , وَعَادَ الْأَمْر إِلَى الْأَصْل الَّذِي وَضَعَ الله حِسَاب الْأَشْهُر عَلَيْهِ يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض، وَأَمَرَهُمْ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ , لِئَلَّا يَتَبَدَّل أَوْ يَتَغَيَّر فِيمَا يُسْتَأنَف مِنْ الْأَيَّام. عون المعبود - (ج ٤ / ص ٣٣٥)
(٢) إِنَّمَا أَضَافَ الشَّهْر إِلَى مُضَر , لِأَنَّهَا تُشَدِّد فِي تَحْرِيم رَجَب، وَتُحَافِظ عَلَى ذَلِكَ أَشَدّ مِنْ مُحَافَظَة سَائِر الْعَرَب، فَأُضِيفَ الشَّهْر إِلَيْهِمْ بِهَذَا الْمَعْنَى. عون المعبود - (ج ٤ / ص ٣٣٥)
(٣) (خ) ٥٢٣٠ , (م) ٢٩ - (١٦٧٩) , (د) ١٩٤٧ , (حم) ٢٠٤٠٢