للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(طح) , وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: آيَةٌ فِي كِتَابِ اللهِ - عز وجل - لَا يَسْأَلُنِي النَّاسُ عَنْهَا , وَلَا أَدْرِي , أَعَرَفُوهَا فلَا يَسْأَلُونِي عَنْهَا؟ , أَمْ جَهِلُوهَا فلَا يَسْأَلُونِي عَنْهَا؟ , قِيلَ: وَمَا هِيَ؟ , قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ , أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ , لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا , وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ , لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ , وَقَالُوا: شَتَمَ مُحَمَّدٌ آلِهَتَنَا فَقَامَ ابْنُ الزِّبَعْرَيِّ , فَقَالَ: مَا شَأنُكُمْ؟ , قَالُوا: شَتَمَ مُحَمَّدٌ آلِهَتَنَا، قَالَ: وَمَا قَالَ؟ , قَالُوا: قَالَ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ , أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}، قَالَ: ادْعُوهُ لِي، فَدُعِيَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَيِّ: يَا مُحَمَّدُ , هَذَا شَيْءٌ لِآلِهَتِنَا خَاصَّةً؟ , أَمْ لِكُلِّ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللهِ؟ , قَالَ: " بَلْ لِكُلِّ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللهِ - عز وجل - "، فَقَالَ: خَصَمْنَاهُ وَرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ، يَا مُحَمَّدُ , أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عِيسَى عَبْدٌ صَالِحٌ , وَعُزَيْرًا عَبْدٌ صَالِحٌ، وَالْمَلَائِكَةَ عِبَادٌ صَالِحُونَ؟، قَالَ: " بَلَى "، قَالَ: فَهَذِهِ النَّصَارَى يَعْبُدُونَ عِيسَى , وَهَذِهِ الْيَهُودُ تَعْبُدُ عُزَيْرًا , وَهَذِهِ بَنُو مَلِيحٍ تَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ، قَالَ: فَضَجَّ أَهْلُ مَكَّةَ , فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ , لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} (١) أَيْ: عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، وَعُزَيْرًا , وَمَنْ عَبَدُوا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ , الَّذِينَ مَضَوْا عَلَى طَاعَةِ اللهِ، فَاتَّخَذَهُمْ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الضَّلالَةِ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ، قَالَ: وَنَزَلَتْ: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ , وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ؟ , مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا , بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٢)} (٣). (٤)


(١) [الأنبياء١٠١ - ١٠٢]
(٢) [الزخرف/٥٧، ٥٨]
(٣) قال الألباني في صحيح السيرة ص١٩٨: وهذا الجدل الذي سلكوه باطل , وهم يعلمون ذلك , لأنهم قومٌ عرب , ومن لغتهم أن (ما) لِمَا لَا يَعقِل , فقوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ , أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} , إنما أراد بذلك ما كانوا يعبدونه من الأحجار التي كانت صُوَر أصنام , ولَا يتناول ذلك الملائكة , الذين زعموا أنهم يعبدونهم في هذه الصور , ولَا المسيح , ولَا عُزيرا , ولَا أحدا من الصالحين , لأن الْآية لَا تتناولهم , لَا لفظا ولَا معنى , فهم يعلمون أن ما ضربوه بعيسى ابن مريم من المثل جدلٌ باطلٌ كما قال الله تعالى: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا , بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} ثم قال: {إنْ هُوَ} أي: عيسى {إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} أي: بِنُبُوَّتِنا {وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} أي: دليلا على تمام قدرتنا على ما نشاء , حيث خلقناه من أنثى بلا ذكر , وقد خلقنا حواء من ذكر بلا أنثى , وخلقنا آدم , لَا من هذا ولَا من هذا , وخلقنا سائر بني آدم من ذكر وأنثى , كما قال في الْآية الأخرى: {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} [مريم: ٢١] أي: أمارة ودليلا على قدرتنا الباهرة {وَرَحْمَةً مِنَّا} نرحم بها من نشاء. أ. هـ
(٤) (طح) ٩٨٦، انظر صحيح السيرة ص١٩٨