للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م) , وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: (" بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ " وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ) (١) (وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالْأَمْسِ) (٢) (إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ , أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي؟ , أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ (٣) آلِ فُلَانٍ فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلَاهَا (٤) فَيَجِيءُ بِهِ , ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ , فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ) (٥) (عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ) (٦) (فَجَاءَ بِهِ , فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ) (٧) (وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ) (٨) (لَا أُغْنِي شَيْئًا) (٩) (لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ (١٠) طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -) (١١) (" فَثَبَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - سَاجِدًا) (١٢) (فَلَمْ يَرْفَعْ رَأسَهُ) (١٣) (فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مِنْ الضَّحِكِ , فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلَى فَاطِمَةَ - رضي الله عنها - وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ , فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى , " وَثَبَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - سَاجِدًا حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْهُ " , وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ) (١٤) (وَدَعَتْ عَلَى مَنْ صَنَعَ) (١٥) (" فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -) (١٦) (صَلَاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ - وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا , وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا - فَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ , اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ , اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ " , فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمْ الضِّحْكُ وَخَافُوا دَعْوَتَهُ) (١٧).

الشَّرْح:

(" بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ " وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ) (وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالْأَمْسِ) الْجَزُورُ مِنَ الْإِبِلِ: مَا يُجْزَرُ , أَيْ: يُقْطَعُ. فتح٢٤٠

(إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ) هُوَ أَبُو جَهْلٍ سَمَّاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ زَكَرِيَّا. فتح٢٤٠

(أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي) مَأخُوذٌ مِنَ الرِّيَاءِ وَهُوَ التَّعَبُّدُ فِي الْمَلَإِ دُونَ الْخَلْوَةِ لِيُرَى. فتح٥٢٠

(أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلَانٍ فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلَاهَا) السَّلَى: الْجِلْدَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْوَلَدُ , يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ مِنْ الْبَهَائِمِ , وَأَمَّا مِنْ الْآدَمِيَّاتِ فَالْمَشِيمَة. فتح٢٤٠

(فَيَجِيءُ بِهِ , ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ , فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ , فَجَاءَ بِهِ , فَنَظَرَ حَتَّى سَجَدَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - وَضَعَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ)

(وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ , لَا أُغْنِي شَيْئًا) أَيْ: لَا أُغْنِي فِي كَفِّ شَرِّهِمْ أَوْ لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ فِعْلِهِمْ. فتح٢٤٠

(لَوْ كَانَ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -) الْمَنَعَةُ: الْقُوَّة , قال النَّوَوِيُّ: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِمَكَّةَ عَشِيرَة؛ لِكَوْنِهِ هُذَلِيًّا حَلِيفًا وَكَانَ حُلَفَاؤُهُ إِذْ ذَاكَ كُفَّارًا، وَفِي الْكَلَامِ حَذْف تَقْدِيرُهُ: لَطَرَحْتُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -.فتح٢٤٠

(" فَثَبَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - سَاجِدًا , فَلَمْ يَرْفَعْ رَأسَهُ) (فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مِنْ الضَّحِكِ , فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلَى فَاطِمَةَ - رضي الله عنها - وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ , فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى , " وَثَبَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - سَاجِدًا حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْهُ " , وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ , " فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -) (صَلَاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ) (فَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ , اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ , اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ") أَيْ بِإِهْلَاكِ قُرَيْشٍ وَالْمُرَادُ الْكُفَّارُ مِنْهُمْ أَوْ مَنْ سَمَّى مِنْهُمْ فَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ. فتح٢٤٠

فَوائِدُ الْحَدِيث:

فِيهِ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ آكَدُ مِنَ السَّبَبِ وَالْإِعَانَةِ لِقَوْلِهِ فِي عُقْبَةَ أَشْقَى الْقَوْمِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ وَهُوَ أَشَدُّ مِنْهُ كُفْرًا وَأَذًى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ الشَّقَاءَ هُنَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ لِأَنَّهُمُ اشْتَرَكُوا فِي الْأَمْرِ وَالرِّضَا وَانْفَرَدَ عُقْبَةُ بِالْمُبَاشَرَةِ فَكَانَ أَشْقَاهُمْ وَلِهَذَا قُتِلُوا فِي الْحَرْبِ وَقُتِلَ هُوَ صَبْرًا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ حَدَثَ لَهُ فِي صِلَاتِهِ مَا يَمْنَعُ انْعِقَادَهَا ابْتِدَاءً لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَوْ تَمَادَى وَعَلَى هَذَا يَنْزِلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَلَوْ كَانَتْ نَجَاسَةً فَأَزَالَهَا فِي الْحَالِ وَلَا أَثَرَ لَهَا صَحَّتْ اتِّفَاقًا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى طَهَارَةِ فَرْثِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَعَلَى أَنَّ إِزَالَةَ النَّجَاسَةِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَحَمْلُهُ عَلَى مَا سَبَقَ أَوْلَى وَتُعُقِّبَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْفَرْثَ لَمْ يُفْرَدْ بَلْ كَانَ مَعَ الدَّمِ كَمَا فِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ وَالدَّمُ نَجِسٌ اتِّفَاقًا وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْفَرْثَ وَالدَّمَ كَانَا دَاخِلَ السَّلَى وَجِلْدَةُ السَّلَى الظَّاهِرَةُ طَاهِرَةٌ فَكَانَ كَحَمْلِ الْقَارُورَةِ الْمُرَصَّصَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا ذَبِيحَةُ وَثَنِيٍّ فَجَمِيعُ أَجْزَائِهَا نَجِسَةٌ لِأَنَّهَا مَيْتَةٌ وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ التَّعَبُّدِ بِتَحْرِيمِ ذَبَائِحِهِمْ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَارِيخٍ وَلَا يَكْفِي فِيهِ الِاحْتِمَالُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْجَوَابُ الْمَرْضِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمْ مَا وُضِعَ عَلَى ظَهْرِهِ فَاسْتَمَرَّ فِي سُجُودِهِ اسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ الطَّهَارَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِنَا بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ إِنَّمَا تَجِبُ فِي الْفَرِيضَةِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهَا فَرِيضَةٌ فَالْوَقْتُ مُوَسَّعٌ فَلَعَلَّهُ أَعَادَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَ لَنُقِلَ وَلَمْ يُنْقَلْ وَبِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُقِرُّهُ عَلَى التَّمَادِي فِي صَلَاةٍ فَاسِدَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ خَلَعَ نَعْلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَهُ أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ بِمَا أُلْقِيَ عَلَى ظَهْرِهِ أَنَّ فَاطِمَةَ ذَهَبَتْ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأسَهُ وَعَقَّبَ هُوَ صلَاته بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِم وَالله أعلم. فتح٢٤٠

(وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا , وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَكْرِيرِ الدُّعَاءِ ثَلَاثًا. النووي (١٠٧ - ١٧٩٤)


(١) (خ) ٤٩٨
(٢) (م) ١٠٧ - (١٧٩٤)
(٣) الْجَزُور مِنْ الْإِبِلِ مَا يُجْزَرُ أَيْ يُقْطَعُ. فتح الباري لابن حجر - (ج ١ / ص ٣٧٧)
(٤) السَّلَى: هِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الْوَلَدُ , يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ مِنْ الْبَهَائِمِ , وَأَمَّا مِنْ الْآدَمِيَّاتِ فَالْمَشِيمَة. فتح الباري لابن حجر - (ج ١ / ص ٣٧٧)
(٥) (خ) ٤٩٨
(٦) (خ) ٣٠١٤
(٧) (خ) ٢٣٧
(٨) (م) ١٠٧ - (١٧٩٤)
(٩) (خ) ٢٣٧
(١٠) الْمَنَعَةُ: الْقُوَّة , وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِمَكَّةَ عَشِيرَة؛ لِكَوْنِهِ هُذَلِيًّا حَلِيفًا وَكَانَ حُلَفَاؤُهُ إِذْ ذَاكَ كُفَّارًا، وَفِي الْكَلَامِ حَذْف تَقْدِيرُهُ: لَطَرَحْتُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -. فتح الباري (ج ١ / ص ٣٧٧)
(١١) (م) ١٠٧ - (١٧٩٤) , (خ) ٢٣٧
(١٢) (خ) ٤٩٨
(١٣) (خ) ٣٠١٤
(١٤) (خ) ٤٩٨
(١٥) (خ) ٣٦٤١
(١٦) (خ) ٤٩٨
(١٧) (م) ١٠٧ - (١٧٩٤) , (خ) ٤٩٨