(٢) (د) ١١٧
(٣) وَفِي هَذَا رَدّ عَلَى عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة , فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مِنْ مَنْدُوبَات الْوُضُوء أَنْ لَا يَلْطِم وَجْهه بِالْمَاءِ , كَمَا نَقَلَهُ الْعِرَاقِيّ فِي شَرْحه , وَالْخَطِيب الشِّرْبِينِيّ فِي الْإِقْنَاع , وَقَالُوا: يُمْكِن تَأوِيل الْحَدِيث بِأَنَّ الْمُرَاد صَبّ الْمَاء عَلَى وَجْهه لَا لَطْمه، لَكِنَّ رِوَايَة أحمد تَرُدّ هَذَا التَّأوِيل. عون المعبود - (ج ١ / ص ١٣٦)
(٤) قَالَ النَّوَوِيّ: فِيهِ دَلَالَة لِمَا كَانَ اِبْن شُرَيْح يَفْعَلهُ فَإِنَّهُ كَانَ يَغْسِل الْأُذُنَيْنِ مَعَ الْوَجْه وَيَمْسَحهُمَا أَيْضًا مُنْفَرِدَتَيْنِ عَمَلًا بِمَذَاهِب الْعُلَمَاء، وَهَذِهِ الرِّوَايَة فِيهَا تَطْهِيرهمَا مَعَ الْوَجْه وَمَعَ الرَّأس. عون المعبود - (ج ١ / ص ١٣٦)
(٥) قَالَ النَّوَوِيّ: هَذِهِ اللَّفْظَة مُشْكِلَة، فَإِنَّهُ ذَكَرَ الصَّبّ عَلَى النَّاصِيَة بَعْد غَسْل الْوَجْه ثَلَاثًا وَقَبْل غَسْل الْيَدَيْنِ، فَظَاهِره أَنَّهَا مَرَّة رَابِعَة فِي غَسْل الْوَجْه , وَهَذَا خِلَاف إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ، فَيُتَأَوَّل عَلَى أَنَّهُ كَانَ بَقِيَ مِنْ أَعْلَى الْوَجْه شَيْء وَلَمْ يُكْمِل فِيهِ الثَّلَاث، فَأَكْمَلَهُ بِهَذِهِ الْقَبْضَة , وقَالَ الشَّيْخ وَلِيّ الدِّين الْعِرَاقِيّ: الظَّاهِر أَنَّهُ إِنَّمَا صَبَّ الْمَاء عَلَى جُزْء مِنْ الرَّأس، وَقَصَدَ بِذَلِكَ تَحَقُّق اِسْتِيعَاب الْوَجْه كَمَا قَالَ الْفُقَهَاء، وَإِنَّمَا يَجِب غَسْل جُزْء مِنْ الرَّأس لَيَتَحَقَّقَ غَسْل الْوَجْه , قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَعِنْدِي وَجْه ثَالِث فِي تَأوِيله، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَاد بِذَلِكَ مَا يُسَنّ فِعْله بَعْد فَرَاغ غَسْل الْوَجْه مِنْ أَخْذ كَفٍّ مَاءٍ وَإِسَالَته عَلَى جَبْهَته , قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: يُسْتَحَبّ لِلْمُتَوَضِّئِ بَعْد غَسْل وَجْهه أَنْ يَضَع كَفًّا مِنْ مَاء عَلَى جَبْهَته لِيَتَحَدَّر عَلَى وَجْهه , قُلْت: مَا قَالَهُ السُّيُوطِيُّ هُوَ حَسَن جِدًّا , وَلِهَذَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ تَحْت حَدِيث عَلِيّ: فِيهِ اِسْتِحْبَابُ إِرْسَالِ غَرْفَةٍ مِنْ الْمَاء عَلَى النَّاصِيَة، لَكِنْ بَعْد غَسْل الْوَجْه , لَا كَمَا يَفْعَلهُ الْعَامَّة عَقِيبَ الْفَرَاغ مِنْ الْوُضُوء. عون المعبود - (ج ١ / ص ١٣٦)
(٦) (حم) ٦٢٥ , (د) ١١٧ , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن.
(٧) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ يَكُون الْمَسْح فِي كَلَام الْعَرَب بِمَعْنَى الْغَسْل , أَخْبَرَنِي الْأَزْهَرِيّ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْر بْن عُثْمَان عَنْ أَبِي حَاتِم عَنْ أَبِي زَيْد الْأَنْصَارِيّ قَالَ: الْمَسْح فِي كَلَام الْعَرَب يَكُون غَسْلًا وَيَكُون مَسْحًا، وَمِنْهُ يُقَال لِلرَّجُلِ إِذَا تَوَضَّأَ فَغَسَلَ أَعْضَاءَهُ قَدْ تَمَسَّحَ، وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون تِلْكَ الْحَفْنَة مِنْ الْمَاء قَدْ وَصَلَتْ إِلَى ظَاهِر الْقَدَم وَبَاطِنهَا وَإِنْ كَانَتْ الرِّجْل فِي النَّعْل , وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله (فَغَسَلَهَا بِهَا). عون المعبود - (ج ١ / ص ١٣٦)
(٨) قوله: (فَفَتَلَهَا بِهَا) هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخ , وَفِي بَعْضهَا فَغَسَلَهَا بِهَا، وَالْفَتْل مِنْ بَاب ضَرَبَ أَيْ: لَوَى.
قَالَ فِي التَّوَسُّط: أَيْ: فَتَلَ رِجْله بِالْحَفْنَةِ الَّتِي صَبَّهَا عَلَيْهَا، وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ أَوْجَبَ الْمَسْح وَهُمْ الرَّوَافِض , وَمَنْ خَيَّرَ بَيْنه وَبَيْن الْغَسْل , وَلَا حُجَّة , لِأَنَّ هَذِهِ الْحَفْنَة وَصَلَتْ إِلَى ظَهْر قَدَمه وَبَطْنه، لِدَلَائِل قَاطِعَة بِالْغَسْلِ، وَلِحَدِيثِ عَلِيّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ وَقَالَ: هَذَا وُضُوء مَنْ لَمْ يُحْدِث. عون المعبود - (ج ١ / ص ١٣٦)
(٩) أَيْ: عُبَيد اللهِ الْخَوْلَانِيُّ.
(١٠) أَيْ: أَضَرَبَ حَفْنَةً مِنْ مَاء عَلَى رِجْلَيْهِ وَكَانَتْ الرِّجْلَانِ فِي النَّعْلَيْنِ. عون المعبود - (ج ١ / ص ١٣٦)
(١١) أَيْ: ابْنُ عَبَّاس - رضي الله عنه - , وَقَالَ الشَّعْرَانِيّ فِي كَشْف الْغُمَّة عَنْ جَمِيع الْأُمَّة: إِنَّ الْقَائِل لِلَّفْظِ قُلْت هُوَ اِبْن عَبَّاس سَأَلَ عَلِيًّا وَهَذَا لَفْظه: قَالَ ابْن عَبَّاس: فَسَأَلْت عَلِيًّا - رضي الله عنه - فَقُلْت: وَفِي النَّعْلَيْنِ؟ , قَالَ: وَفِي النَّعْلَيْنِ. عون المعبود (ج١ص ١٣٦)
(١٢) قَالَ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْقَيِّمِ: هَذَا مِنْ الْأَحَادِيث الْمُشْكِلَة جِدًّا، وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ مَسَالِكُ النَّاس فِي دَفْع إِشْكَاله: فَطَائِفَة ضَعَّفَتْهُ، مِنْهُمْ الْبُخَارِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، قَالَ: وَالَّذِي خَالَفَهُ أَكْثَر وَأَثْبَت مِنْهُ , وَأَمَّا الْحَدِيث الْآخَر - يَعْنِي هَذَا -فَلَيْسَ مِمَّا يُثْبِت أَهْل الْعِلْم بِالْحَدِيثِ لَوْ اِنْفَرَدَ , وَفِي هَذَا الْمَسْلَك نَظَر: فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَى فِي صَحِيحه حَدِيثَ اِبْنِ عَبَّاسٍ بكَمَا سَيَأتِي، وَقَالَ فِي آخِره: " ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَة مِنْ مَاء فَرَشَّ بِهَا عَلَى رِجْله الْيُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَة أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا - يَعْنِي رِجْله الْيُسْرَى - ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - يَتَوَضَّأ ".
الْمَسْلَك الثَّانِي: أَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام، ثُمَّ نُسِخَ بِأَحَادِيث الْغَسْل , وَكَانَ اِبْنُ عَبَّاسٍ أَوَّلًا يَذْهَب إِلَيْهِ، بِدَلِيلِ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ: عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ أَرْسَلَهُ إِلَى الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ يَسْأَلهَا عَنْ وُضُوء النَّبِيِّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فَذَكَر الْحَدِيث وَقَالَتْ: " ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ " , قَالَتْ: وَقَدْ أَتَانِي اِبْنُ عَمٍّ لَك تَعْنِي اِبْنَ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرْته فَقَالَ: " مَا أَجِد فِي الْكِتَاب إِلَّا غَسْلَيْنِ وَمَسْحَيْنِ " , ثُمَّ رَجَعَ اِبْنُ عَبَّاسٍ عَنْ هَذَا لَمَّا بَلَغَهُ غَسْل النَّبِيّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - رِجْلَيْهِ، وَأَوْجَبَ الْغَسْل، فَلَعَلَّ حَدِيث عَلِيٍّ وَحَدِيث اِبْنِ عَبَّاسٍ كَانَا فِي أَوَّل الْأَمْر ثُمَّ نُسِخَ , (قلت: الحديث ضعفه الألباني والأرناءوط) وَالَّذِي يَدُلّ عَلَيْهِ أَنَّ فِيهِ " أَنَّهُ مَسَحَ عَلَيْهِمَا بِدُونِ حَائِل " كَمَا رَوَى هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَالَ لَنَا اِبْنُ عَبَّاسٍ: " أَتُحِبُّونَ أَنْ أُحَدِّثكُمْ كَيْف كَانَ رَسُول الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - يَتَوَضَّأ؟ " فَذَكَرَ الْحَدِيث، قَالَ: " ثُمَّ اِغْتَرَفَ غَرْفَة أُخْرَى فَرَشَّ عَلَى رِجْله وَفِيهَا النَّعْل، وَالْيُسْرَى مِثْل ذَلِكَ، وَمَسَحَ بِأَسْفَل الْكَعْبَيْنِ " , وَرَوَى الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " تَوَضَّأَ رَسُولُ الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فَذَكَرَهُ قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ حَفْنَة مِنْ مَاء فَرَشَّ قَدَمَيْهِ وَهُوَ مُنْتَعِل ".
الْمَسْلَك الثَّالِث: أَنَّ الرِّوَايَة عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ مُخْتَلِفَة، فَرُوِيَ عَنْهُمَا هَذَا، وَرُوِيَ عَنْهُمَا الْغَسْل، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيح عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَ الْحَدِيث , وَقَالَ فِي آخِره: " أَخَذَ غَرْفَة مِنْ مَاء فَرَشَّ بِهَا عَلَى رِجْله الْيُمْنَى حَتَّى غَسَلَهَا , ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَة أُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا رِجْله يَعْنِي الْيُسْرَى " , فَهَذَا صَرِيح فِي الْغَسْل , وَرَوَاهُ أَبُو بَكْر بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ بِهِ وَقَالَ: " ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَة ثُمَّ غَسَلَ رِجْله الْيُمْنَى، ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَة فَغَسَلَ رِجْله الْيُسْرَى " , وَقَالَ وَرْقَاءُ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ: " أَلَا أُرِيكُمْ وُضُوء رَسُول الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم -؟ فَذَكَرَهُ وَقَالَ فِيهِ: وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مَرَّة مَرَّة " , وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ زَيْدٍ: " وَأَخَذَ حَفْنَة فَغَسَلَ بِهَا رِجْله الْيُمْنَى، وَأَخَذَ حَفْنَة فَغَسَلَ رِجْله الْيُسْرَى " , قَالُوا: وَالَّذِي رَوَى أَنَّهُ رَشَّ عَلَيْهِمَا فِي النَّعْل هُوَ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، وَلَيْسَ بِالْحَافِظِ، فَرِوَايَة الْجَمَاعَة أَوْلَى مِنْ رِوَايَته , عَلَى أَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَهِشَامًا أَيْضًا رَوَيَا مَا يُوَافِق الْجَمَاعَة، فَرَوَيَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَالَ لِي اِبْنُ عَبَّاسٍ: " أَلَا أُرِيك وُضُوء رَسُول الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم -؟ فَتَوَضَّأَ مَرَّة مَرَّة، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَعَلَيْهِ نَعْله " , وَأَمَّا حَدِيث عَلِيٍّ ط، فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رُوِّينَا مِنْ أَوْجُه كَثِيرَة عَنْ عَلِيٍّ " أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي الْوُضُوء " , ثُمَّ سَاقَ مِنْهَا حَدِيث عَبْد خَيْر عَنْهُ " أَنَّهُ دَعَا بِوُضُوءٍ " فَذَكَرَ الْحَدِيث وَفِيهِ: " ثُمَّ صَبَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ثَلَاث مَرَّات عَلَى قَدِمَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ غَسَلَهَا بِيَدِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ قَالَ: هَذَا طَهُور نَبِيّ الله ط " , وَمِنْهَا حَدِيث زَرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ " سُئِلَ عَنْ وُضُوء رَسُول الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فَذَكَرَ الْحَدِيث، وَفِيهِ: وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا " , وَمِنْهَا: حَدِيث أَبِي حَيَّةَ عَنْهُ: " رَأَيْت عَلِيًّا تَوَضَّأَ " الْحَدِيث، وَفِيهِ " وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ "، ثُمَّ قَالَ: " أَحْبَبْت أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْف كَانَ طَهُور رَسُول الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - " , قَالُوا: وَإِذَا اِخْتَلَفَتْ الرِّوَايَات عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ مَعَ أَحَدهمَا رِوَايَة الْجَمَاعَة، فَهِيَ أَوْلَى.
الْمَسْلَك الرَّابِع: أَنَّ أَحَادِيثَ الرَّشِّ وَالْمَسْحِ إِنَّمَا هِيَ وُضُوء تَجْدِيد لِلطَّاهِرِ، لَا طَهَارَة رَفْع حَدَث، بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ عَلِيٍّ: " أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْر، ثُمَّ قَعَدَ فِي حَوَائِج النَّاس فِي رَحْبَة الْكُوفَةِ حَتَّى حَضَرَتْ صَلَاة الْعَصْر، ثُمَّ أُتِيَ بِكُوزٍ مِنْ مَاء، فَأَخَذَ مِنْهُ حَفْنَة وَاحِدَة، فَمَسَحَ بِهَا وَجْهه وَيَدَيْهِ وَرَأسه وَرِجْلَيْهِ، ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فَضْله وَهُوَ قَائِم، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أُنَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْب قَائِمًا، وَإِنَّ رَسُول الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - صَنَعَ كَمَا صَنَعْت , وَقَالَ: هَذَا وُضُوء مَنْ لَمْ يُحْدِث " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيث الثَّابِت دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْحَدِيث الَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - فِي الْمَسْح عَلَى الرِّجْلَيْنِ إِنْ صَحَّ إِنَّمَا عَنَى بِهِ الطَاهِر غَيْرَ المُحْدِث , إِلَّا أَنَّ بَعْض الرُّوَاة كَأَنَّهُ اِخْتَصَرَ الْحَدِيث، فَلَمْ يَنْقُل قَوْله " هَذَا وُضُوء مَنْ لَمْ يُحْدِث " , وَروى أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ: " أَنَّهُ دَعَا بِكُوزٍ مِنْ مَاء، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُول الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - مَا لَمْ يُحْدِث " , وَفِي رِوَايَة: " لِلطَّاهِرِ مَا لَمْ يُحْدِث " , قَالَ: وَفِي هَذَا دَلَالَة عَلَى أَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْمَسْحِ عَلَى النَّعْلَيْنِ إِنَّمَا هُوَ فِي وُضُوء مُتَطَوَّع بِهِ، لَا فِي وُضُوء وَاجِب عَلَيْهِ مِنْ حَدَث يُوجِب الْوُضُوء، أَوْ أَرَادَ غَسْل الرِّجْلَيْنِ فِي النَّعْلَيْنِ، أَوْ أَرَادَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ، كَمَا رَوَاهُ عَنْهُ بَعْض الرُّوَاة مُقَيَّدًا بِالْجَوْرَبَيْنِ، وَأَرَادَ بِهِ جَوْرَبَيْنِ مُنْعَلَيْنِ.
قُلْت: هَذَا هُوَ الْمَسْلَك الْخَامِس: أَنَّ مَسْحه رِجْلَيْهِ وَرَشّه عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا كَانَتَا مَسْتُورَتَيْنِ بِالْجَوْرَبَيْنِ فِي النَّعْلَيْنِ , وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ: " أَنَّ رَسُول الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - تَوَضَّأَ مَرَّة مَرَّة، وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ " , لَكِنْ تَفَرَّدَ بِهِ رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ الثَّوْرِيِّ، وَالثِّقَات رَوَوْهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَة , وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أُوَيْسِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ الثَّقَفِيُّ قَالَ: " رَأَيْت رَسُول الله - صلى اللهُ عليه وسلَّم - تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ وَقَدَمَيْهِ " , فَقَوْله: " مَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ " كَقَوْلِهِ: " مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ " , وَالنَّعْل لَا تَكُون سَاتِرَة لِمَحَلِّ الْمَسْح إِلَّا إِذَا كَانَ عَلَيْهَا جَوْرَب، فَلَعَلَّهُ مَسَحَ عَلَى نَعْل الْجَوْرَب , فَقَالَ: " مَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ ".
الْمَسْلَك السَّادِس: أَنَّ الرِّجْل لَهَا ثَلَاثَة أَحْوَال: حَالٌ تَكُون فِي الْخُفّ , فَيُجْزِئ مَسْحُ سَاتِرهَا , وَحَالٌ تَكُونُ حَافِيَة، فَيَجِب غَسْلهَا، فَهَاتَانِ مَرْتَبَتَانِ، وَهُمَا كَشْفهَا وَسَتْرهَا، فَفِي حَال كَشْفِهَا لَهَا أَعْلَى مَرَاتِب الطَّهَارَة، وَهِيَ الْغَسْل التَّامّ وَفِي حَال اِسْتِتَارهَا لَهَا أَدْنَاهَا، وَهِيَ الْمَسْح عَلَى الْحَائِل، وَلَهَا حَالَة ثَالِثَة، وَهِيَ حَالَمَا تَكُون فِي النَّعْل، وَهِيَ حَالَة مُتَوَسِّطَة بَيْن كَشْفهَا وَبَيْن سَتْرهَا بِالْخُفِّ , فَأُعْطِيَتْ حَالَة مُتَوَسِّطَة مِنْ الطَّهَارَة وَهِيَ الرَّشّ، فَإِنَّهُ بَيْن الْغَسْل وَالْمَسْح , وَحَيْثُ أُطْلِقَ لَفْظ " الْمَسْح " عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْحَال فَالْمُرَاد بِهِ الرَّشّ، لِأَنَّهُ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى , وَهَذَا مَذْهَبٌ كَمَا تَرَى لَوْ كَانَ يُعْلَمُ قَائِلٌ مُعَيَّن , وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ خَيْر مِنْ مَسْلَك الشِّيعَة فِي هَذَا الْحَدِيث ,
وَهُوَ الْمَسْلَك السَّابِع: أَنَّهُ دَلِيل عَلَى أَنَّ فَرْض الرِّجْلَيْنِ الْمَسْح، وَحُكِيَ عَنْ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَحُكِيَ عَنْ اِبْنِ جَرِيرٍ أَنَّهُ مُخَيَّر بَيْن الْأَمْرَيْنِ، فَأَمَّا حِكَايَته عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ، وَأَمَّا حِكَايَتُه عَنْ اِبْنِ جَرِيرٍ فَغَلَط بَيِّن، وَهَذِهِ كُتُبه وَتَفْسِيره كُلّه يُكَذِّب هَذَا النَّقْل عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ الشُّبْهَة لِأَنَّ اِبْنَ جَرِيرٍ الْقَائِلَ بِهَذِهِ الْمَقَالَة رَجُل آخَر مِنْ الشِّيعَة، يُوَافِقهُ فِي اِسْمه وَاسْم أَبِيهِ، وَقَدْ رَأَيْت لَهُ مُؤَلَّفَات فِي أُصُول مَذْهَب الشِّيعَة وَفُرُوعهمْ.
فَهَذِهِ سَبْعَة مَسَالِك لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْحَدِيث , وَبِالْجُمْلَةِ , فَاَلَّذِينَ رَوَوْا وُضُوء النَّبِيّ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -: مِثْل عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَالرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، وَالْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَجَدِّ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، وَغَيْرهمْ ش لَمْ يَذْكُر أَحَد مِنْهُمْ مَا ذُكِرَ فِي حَدِيث عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، مَعَ الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور عَلَيْهِمَا , وَاللهُ أَعْلَم. عون المعبود - (ج ١ / ص ١٣٦)
(١٣) (د) ١١٧ , (حم) ٦٢٥ , ١٠١٤ , حسنه الألباني في الإرواء: ٩١، والثمر المستطاب ص٢٠ , وقال شعيب الأرنؤوط في (حم) ٦٢٥: إسناده حسن.
بحث في محتوى الكتب:
تنبيهات هامة: - افتراضيا يتم البحث عن "أي" كلمة من الكلمات المدخلة ويمكن تغيير ذلك عن طريق:
- استخدام علامة التنصيص ("") للبحث عن عبارة كما هي.
- استخدام علامة الزائد (+) قبل أي كلمة لجعلها ضرورية في البحث.
- استخدام علامة السالب (-) قبل أي كلمة لجعلها مستبعدة في البحث.
- يمكن استخدام الأقواس () للتعامل مع مجموعة من الكلمات.
- يمكن الجمع بين هذه العلامات في استعلام واحد، وهذه أمثلة على ذلك:
+شرح +قاعدة +"الضرورات تبيح المحظورات" سيكون لزاما وجود كلمة "شرح" وكلمة "قاعدة" وعبارة "الضرورات تبيح المحظورات"
+(شرح الشرح معنى) +قاعدة +"الضرورات تبيح المحظورات" سيكون لزاما وجود كلمة ("شرح" أو "الشرح" أو "معنى") وكلمة "قاعدة" وعبارة "الضرورات تبيح المحظورات"
+(التوكل والتوكل) +(اليقين واليقين) سيكون لزاما وجود كلمة ("التوكل" أو "والتوكل") ووجود كلمة ("اليقين" أو "واليقين")
بحث في أسماء المؤلفين
بحث في أسماء الكتب
تصفية النتائج
الغاء تصفية الأقسام الغاء تصفية القرون
نبذة عن المشروع:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute