للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(حم) , وَعَنْ عَبْدِ خَيْرِ ابْنِ قَيْسٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا ط تَوَضَّأَ فَغَسَلَ ظُهُورَ قَدَمَيْهِ وَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم - يَغْسِلُ ظُهُورَ قَدَمَيْهِ لَظَنَنْتُ أَنَّ بُطُونَهُمَا أَحَقُّ بِالْغَسْلِ. (١)

مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَة:

قال ابن رشد: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنّ الرِّجْلَيْنِ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي نَوْعِ طَهَارَتِهِمَا، فَقَالَ قَوْمٌ: طَهَارَتُهُمَا الْغَسْلُ، وَهُمُ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ قَوْمٌ: فَرْضُهُمَا الْمَسْحُ، وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ طَهَارَتُهُمَا تَجُوزُ بِالنَّوْعَيْنِ: الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، وَأَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ، وَسَبَبُ اخْتِلافِهِمُ الْقِرَاءَتَانِ الْمَشْهُورَتَانِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ: أَعْنِي قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ (وَأَرْجُلَكُمْ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْمَغْسُولِ، وَقِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ: (وَأَرْجُلِكُمْ) بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى الْمَمْسُوحِ، وَذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَةَ النَّصْبِ ظَاهِرَةٌ فِي الْغَسْلِ، وَقِرَاءَةَ الْخَفْضِ ظَاهِرَةٌ فِي الْمَسْحِ كَظُهُورِ تِلْكَ فِي الْغَسْلِ، فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ فَرْضَهُمَا وَاحِدٌ مِنْ هَاتَيْنِ الطَّهَارَتَيْنِ عَلَى التَّعْيِينِ إِمَّا الْغَسْلُ وَإِمَّا الْمَسْحُ ذَهَبَ إِلَى تَرْجِيحِ ظَاهِرِ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ، وَصَرَفَ بِالتَّأوِيلِ ظَاهِرَ الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى مَعْنَى ظَاهِرِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي تَرَجَّحَتْ عِنْدَهُ.

وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ دَلالَةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهَا عَلَى السَّوَاءِ، وَأَنَّهُ لَيْسَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى ظَاهِرِهَا أَدَلَّ مِنَ الثَّانِيَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا أَيْضًا جَعَلَ ذَلِكَ مِنَ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَدَاوُدُ.

وَلِلْجُمْهُورِ تَأوِيلاتٌ فِي قِرَاءَةِ الْخَفْضِ، أَجْوَدُهَا أَنَّ ذَلِكَ عَطْفٌ عَلَى اللَّفْظِ لا عَلَى الْمَعْنَى، إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي كَلامِ الْعَرَبِ مِثْلَ قَوْلِ الشَّاعِرِ: لَعِبَ الزَّمَانُ بِهَا وَغَيَّرَهَا بَعْدِي سَوَافِي الْمُورِ وَالْقَطْرِ بِالْخَفْضِ، وَلَوْ عَطَفَ عَلَى الْمَعْنَى لَرَفَعَ " الْقَطْرِ ".

وَأَمَّا الْفَرِيقُ الثَّانِي، وَهُمُ الَّذِينَ أَوْجَبُوا الْمَسْحَ، فَإِنَّهُمْ تَأَوَّلُوا قِرَاءَةَ النَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا عَطْفٌ عَلَى الْمَوْضِعِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلا الْحَدِيدَا

وَقَدْ رَجَّحَ الْجُمْهُورُ قِرَاءَتَهُمْ هَذِهِ بِالثَّابِتِ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إِذْ قَالَ فِي قَوْمٍ لَمْ يَسْتَوْفُوا غَسْلَ أَقْدَامِهِمْ فِي الْوُضُوءِ: " وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ " قَالُوا: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَسْلَ هُوَ الْفَرْضُ ; لأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِتَرْكِهِ الْعِقَابُ، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ ; لأَنَّهُ إِنَّمَا وَقَعَ الْوَعِيدُ عَلَى أَنَّهُمْ تَرَكُوا أَعْقَابَهُمْ دُونَ غَسْلٍ، وَلا شَكَّ أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي الْغَسْلِ فَفَرْضُهُ الْغَسْلُ فِي جَمِيعِ الْقَدَمِ، كَمَا أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي الْمَسْحِ فَفَرْضُهُ الْمَسْحُ عِنْدَ مَنْ يُخَيِّرُ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ، وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا جَاءَ فِي أَثَرٍ آخَرَ خَرَّجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ أَنَّهُ قَالَ: فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَى: " وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ " وَهَذَا الأَثَرُ وَإِنْ كَانَتِ الْعَادَةُ قَدْ جَرَتْ بِالاحْتِجَاجِ بِهِ فِي مَنْعِ الْمَسْحِ، فَهُوَ أَدَلُّ عَلَى جَوَازِهِ مِنْهُ عَلَى مَنْعِهِ ; لأَنَّ الْوَعِيدَ إِنَّمَا تَعَلَّقَ فِيهِ بِتَرْكِ التَّعْمِيمِ لا بِنَوْعِ الطَّهَارَةِ، بَلْ سَكَتَ عَنْ نَوْعِهَا، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهَا.

وَجَوَازُ الْمَسْحِ هُوَ أَيْضًا مَرْوِيٌّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَكِنْ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى، وَالْغَسْلُ أَشَدُّ مُنَاسَبَةً لِلْقَدَمَيْنِ مِنَ الْمَسْحِ كَمَا أَنَّ الْمَسْحَ أَشَدُّ مُنَاسَبَةً لِلرَّأسِ مِنَ الْغَسْلِ، إِذْ كَانَتِ الْقَدَمَانِ لا يُنْفَى دَنَسُهُمَا غَالِبًا إِلا بِالْغَسْلِ، وَيُنْفَى دَنَسُ الرَّأسِ بِالْمَسْحِ وَذَلِكَ أَيْضًا غَالِبٌ، وَالْمَصَالِحُ الْمَعْقُولَةُ لا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا لِلْعِبَادَاتِ الْمَفْرُوضَةِ حَتَّى يَكُونَ الشَّرْعُ لاحَظَ فِيهِمَا مَعْنَيَيْنِ: مَعْنًى مَصْلَحِيًّا، وَمَعْنًى عِبَادِيًّا (وَأَعْنِي بِالْمَصْلَحِيِّ: مَا رَجَعَ إِلَى الأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ، وَبِالْعِبَادِيِّ: مَا رَجَعَ إِلَى زَكَاةِ النَّفْسِ).

وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الْكَعْبَيْنِ هَلْ يَدْخُلانِ فِي الْمَسْحِ أَوْ فِي الْغَسْلِ عِنْدَ مَنْ أَجَازَ الْمَسْحَ؟ وَأَصْلُ اخْتِلافِهِمْ الاشْتِرَاكُ الَّذِي فِي حَرْفِ (إِلَى) أَعْنِي: فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي اشْتِرَاكِ هَذَا الْحَرْفِ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلَى الْمَرَافِقِ} لَكِنَّ الاشْتِرَاكَ وَقَعَ هُنَالِكَ مِنْ جِهَتَيْنِ مَنِ اشْتَرَاكِ اسْمِ الْيَدِ، وَمِنِ اشْتَرَاكِ حَرْفِ (إِلَى) وَهُنَا مِنْ قِبَلِ اشْتِرَاكِ حَرْفِ (إِلَى) فَقَطْ.

وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْكَعْبِ مَا هُوَ، وَذَلِكَ لاشْتِرَاكِ اسْمِ الْكَعْبِ وَاخْتِلافِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي دَلالَتِهِ، فَقِيلَ: هُمَا الْعَظْمَانِ اللَّذَانِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، وَقِيلَ: هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ فِي طَرَفِ السَّاقِ، وَلا خِلافَ فِيمَا أَحْسَبُ فِي دُخُولِهِمَا فِي الْغَسْلِ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّهُمَا عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ إِذَا كَانَا جُزْءًا مِنَ الْقَدَمِ، لِذَلِكَ قَالَ قَوْمٌ: إِنَّهُ إِذَا كَانَ الْحَدُّ مِنْ جِنْسِ الْمَحْدُودِ دَخَلَتِ الْغَايَةُ فِيهِ: (أَعْنِي الشَّيْءَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ حَرْفُ " إِلَى " وإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْمَحْدُودِ لا يَدْخُلْ فِيهِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (٢). (٣)

قال القرطبي في جامع الأحكام (٦/ ٩١ - ٩٦): قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَأَرْجُلَكُمْ" قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ" وَأَرْجُلَكُمْ" بِالنَّصْبِ، وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ نافع أنه قسرأ" وَأَرْجُلُكُمْ" بِالرَّفْعِ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ وَالْأَعْمَشُ سُلَيْمَانُ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ" وَأَرْجُلِكُمْ" بِالْخَفْضِ وَبِحَسَبِ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، فمن قرأ بالنصب جعل العامل" فَاغْسِلُوا" وَبَنَى عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِي الرِّجْلَيْنِ الْغَسْلُ دُونَ الْمَسْحِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَالْكَافَّةِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الثَّابِتُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّازِمُ مِنْ قَوْلِهِ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ، وَقَدْ رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ (وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ). ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ حَدَّهُمَا فَقَالَ:" إِلَى الْكَعْبَيْنِ" كَمَا قَالَ فِي الْيَدَيْنِ" إِلَى الْمَرافِقِ" فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِهِمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ قَرَأَ بِالْخَفْضِ جَعَلَ الْعَامِلَ الْبَاءَ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اتَّفَقَتِ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِهِمَا، وَمَا عَلِمْتُ مَنْ رَدَّ ذَلِكَ سِوَى الطَّبَرِيِّ مِنْ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَالرَّافِضَةِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَتَعَلَّقَ الطَّبَرِيُّ بِقِرَاءَةِ الْخَفْضِ.

قُلْتُ: قَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْوُضُوءُ غَسْلَتَانِ وَمَسْحَتَانِ. وَرُوِيَ أَنَّ الْحَجَّاجَ خَطَبَ بِالْأَهْوَازِ فَذَكَرَ الْوُضُوءَ فَقَالَ: اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وأيديكم وامسحوا برءوسكم وأرجلكم، فإنه ليس شي مِنِ ابْنِ آدَمَ أَقْرَبَ مِنْ خَبَثِهِ مِنْ قَدَمَيْهِ، فَاغْسِلُوا بُطُونَهُمَا وَظُهُورَهُمَا وَعَرَاقِيبَهُمَا. فَسَمِعَ ذَلِكَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ الحجاج، قال الله وتعالى" وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ". قَالَ: وَكَانَ إِذَا مَسَحَ رِجْلَيْهِ بَلَّهُمَا، وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِالْمَسْحِ وَالسُّنَّةُ بِالْغَسْلِ. وَكَانَ عِكْرِمَةُ يَمْسَحُ رِجْلَيْهِ وَقَالَ: لَيْسَ فِي الرِّجْلَيْنِ غَسْلٌ إِنَّمَا نَزَلَ فِيهِمَا الْمَسْحُ. وَقَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ: نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْمَسْحِ، أَلَا تَرَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يُمْسَحُ فِيهِ مَا كَانَ غُسْلًا، وَيُلْغَى مَا كَانَ مَسْحًا. وَقَالَ قَتَادَةُ: افْتَرَضَ اللَّهُ غَسْلَتَيْنِ وَمَسْحَتَيْنِ. وَذَهَبَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إِلَى أَنَّ فَرْضَهُمَا التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، وَجَعَلَ الْقِرَاءَتَيْنِ كَالرِّوَايَتَيْنِ (٤)

، قَالَ النَّحَّاسُ: وَمِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِيهِ، أَنَّ الْمَسْحَ وَالْغَسْلَ وَاجِبَانِ جَمِيعًا، فَالْمَسْحُ وَاجِبٌ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالْخَفْضِ، وَالْغَسْلُ وَاجِبٌ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالنَّصْبِ، وَالْقِرَاءَتَانِ بِمَنْزِلَةِ آيَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَذَهَبَ قَوْمٌ مِمَّنْ يَقْرَأُ بِالْكَسْرِ إِلَى أَنَّ الْمَسْحَ فِي الرِّجْلَيْنِ هُوَ الْغَسْلُ. قُلْتُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّ لَفْظَ الْمَسْحِ مُشْتَرَكٌ، يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْمَسْحِ وَيُطْلَقُ بِمَعْنَى الْغَسْلِ، قَالَ الْهَرَوِيُّ: أَخْبَرَنَا الْأَزْهَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِيُّ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: الْمَسْحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَكُونُ غَسْلًا وَيَكُونُ مَسْحًا، وَمِنْهُ يُقَالُ:] لِلرَّجُلِ [«٢» إِذَا تَوَضَّأَ فَغَسَلَ أَعْضَاءَهُ: قَدْ تَمَسَّحَ، وَيُقَالُ: مَسَحَ اللَّهُ مَا بِكَ إِذَا غَسَلَكَ وَطَهَّرَكَ مِنَ الذُّنُوبِ، فَإِذَا ثَبَتَ بِالنَّقْلِ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّ الْمَسْحَ يَكُونُ بِمَعْنَى الْغَسْلِ فَتَرَجَّحَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِقِرَاءَةِ الْخَفْضِ الْغَسْلُ، بِقِرَاءَةِ النَّصْبِ الَّتِي لَا احْتِمَالَ فِيهَا، وَبِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ بِالْغَسْلِ، وَالتَّوَعُّدِ عَلَى تَرْكِ غَسْلِهَا فِي أَخْبَارٍ صِحَاحٍ لَا تُحْصَى كَثْرَةً أَخْرَجَهَا الْأَئِمَّةُ، ثُمَّ إِنَّ الْمَسْحَ فِي الرَّأسِ إِنَّمَا دَخَلَ بَيْنَ مَا يُغْسَلُ لِبَيَانِ التَّرْتِيبِ عَلَى] أَنَّهُ [«٣» مَفْعُولٌ قَبْلَ الرِّجْلَيْنِ، التَّقْدِيرُ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ، فَلَمَّا كان الرأس مفعولا قبل الرِّجْلَيْنِ قُدِّمَ عَلَيْهِمَا فِي التِّلَاوَةِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- لَا أَنَّهُمَا مُشْتَرِكَانَ مَعَ الرَّأسِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِمَا فِي صِفَةِ التَّطْهِيرِ. وَقَدْ رَوَى عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: قَرَأَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ- رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا- عَلَيَّ (وَأَرْجُلِكُمْ) فَسَمِعَ عَلِيٌّ ذَلِكَ وَكَانَ يَقْضِي بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ: (وَأَرْجُلَكُمْ) هَذَا مِنَ الْمُقَدَّمِ وَالْمُؤَخَّرِ مِنَ الْكَلَامِ. وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: اغْسِلُوا الْأَقْدَامَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مسعود وابن عباس أنهما قرءا (وَأَرْجُلَكُمْ) بِالنَّصْبِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْخَفْضَ فِي الرِّجْلَيْنِ إِنَّمَا جَاءَ مُقَيَّدًا لِمَسْحِهِمَا لَكِنْ إِذَا كَانَ عَلَيْهِمَا خُفَّانِ، وَتَلَقَّيْنَا هَذَا الْقَيْدَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ لَمْ يَصِحْ عَنْهُ أَنَّهُ مَسَحَ رِجْلَيْهِ إِلَّا وَعَلَيْهِمَا خُفَّانِ، فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِعْلِهِ الْحَالَ الَّتِي تُغْسَلُ فِيهِ الرِّجْلُ وَالْحَالَ الَّتِي تُمْسَحُ فِيهِ، وَهَذَا حَسَنٌ. فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَنْسُوخٌ بِسُورَةِ (الْمَائِدَةِ) - وَقَدْ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَرَدَّ الْمَسْحَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ، وَأَنْكَرَهُ مَالِكٌ] فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ [«١» - فَالْجَوَابُ أَنَّ مَنْ نَفَى شَيْئًا وَأَثْبَتَهُ غَيْرُهُ فَلَا حُجَّةَ لِلنَّافِي، وَقَدْ أَثْبَتَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَدَدٌ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ: حَدَّثَنِي سَبْعُونَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ مَسَحُوا عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: بَالَ جَرِيرٌ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: كَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ، لِأَنَّ إِسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ (الْمَائِدَةِ) وَهَذَا نَصٌّ يَرُدُّ مَا ذَكَرُوهُ وَمَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ رِوَايَةِ الواقدي عن عبد الحميد ابن جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ جَرِيرًا أَسْلَمَ فِي سِتَّةَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأَنَّ (الْمَائِدَةَ) نَزَلَتْ فِي ذِي الْحِجَّةِ يَوْمَ عَرَفَاتٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ لِوَهَاهُ، وَإِنَّمَا نَزَلَ مِنْهَا يَوْمَ عَرَفَةَ" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" عَلَى مَا تَقَدَّمَ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَنَا أَسْتَحْسِنُ حَدِيثَ جَرِيرٍ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، لِأَنَّ إِسْلَامَهُ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ (الْمَائِدَةِ) وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَا يَصِحُّ، أَمَّا عَائِشَةُ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا بِذَلِكَ عِلْمٌ، وَلِذَلِكَ رَدَّتِ السَّائِلَ إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَحَالَتْهُ عَلَيْهِ فَقَالَتْ: سَلْهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحديث.

وَأَمَّا مَالِكٌ فَمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنَ الْإِنْكَارِ فَهُوَ مُنْكَرٌ لَا يَصِحُّ، وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لِابْنِ نَافِعٍ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ آخُذَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِي بِالطُّهُورِ وَلَا أَرَى من مسح مقصرا فيما بجب عَلَيْهِ. وَعَلَى هَذَا حَمَلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا أَمْسَحُ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ. قَالَ أَحْمَدُ: كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا خِفَافَهُمْ وَخَلَعَ هُوَ وَتَوَضَّأَ وَقَالَ: حُبِّبَ إِلَيَّ الْوُضُوءُ، وَنَحْوَهُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ. وَقَالَ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَمَنْ تَرَكَ ذَلِكَ عَلَى نَحْوِ مَا تَرَكَهُ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو أَيُّوبَ وَمَالِكٌ لَمْ أُنْكِرْهُ عَلَيْهِ، وَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ وَلَمْ نَعِبْهُ، إِلَّا أَنْ يَتْرُكَ ذَلِكَ وَلَا يَرَاهُ كَمَا صَنَعَ أَهْلُ الْبِدَعِ، فَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُ.] وَاللَّهُ أَعْلَمُ

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ" وَأَرْجُلَكُمْ" مَعْطُوفٌ عَلَى اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى، وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى الْغَسْلِ فَإِنَّ الْمُرَاعَى الْمَعْنَى لَا اللَّفْظُ، وَإِنَّمَا خُفِضَ لِلْجِوَارِ كَمَا تَفْعَلُ الْعَرَبُ، وَقَدْ جَاءَ هَذَا فِي الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ" [الرحمن: ٣٥] بِالْجَرِّ لِأَنَّ النُّحَاسَ الدُّخَانُ. وَقَالَ:" بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ. فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ" «٣» [البروج: ٢٢ - ٢١] بالجر. قال امرؤ القيس:

كَبِيرُ أُنَاسٍ فِي بِجَادٍ مُزَمَّلِ (٥)

فَخَفَضَ مُزَمَّلَ بِالْجِوَارِ، وَإِنَّ الْمُزَّمِّلَ الرَّجُلُ وَإِعْرَابُهُ الرَّفْعُ، قَالَ زُهَيْرٌ:

لَعِبَ الزَّمَانُ بِهَا وَغَيَّرَهَا ... بَعْدِي سَوَافِي الْمُورِ وَالْقَطْرِ

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ الْوَجْهُ الْقَطْرُ بِالرَّفْعِ وَلَكِنَّهُ جَرَّهُ عَلَى جِوَارِ الْمُورِ، كَمَا قَالَتِ الْعَرَبُ: هَذَا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ، فَجَرُّوهُ وَإِنَّمَا هُوَ رَفْعٌ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْأَخْفَشِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَرَدَّهُ النَّحَّاسُ وَقَالَ: هَذَا الْقَوْلُ غَلَطٌ عَظِيمٌ، لِأَنَّ الْجِوَارَ لَا يَكُونُ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ غَلَطٌ وَنَظِيرُهُ الْإِقْوَاءُ. قُلْتُ: وَالْقَاطِعُ فِي الْبَابِ مِنْ أَنَّ فَرْضَ الرِّجْلَيْنِ الْغَسْلُ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَمَا ثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ وَبُطُونِ الْأَقْدَامِ مِنَ النَّارِ) فَخَوَّفَنَا بِذِكْرِ النار على مُخَالَفَةِ مُرَادِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّارَ لَا يُعَذَّبُ بِهَا إِلَّا مَنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَسْحَ لَيْسَ شَأنَهُ الِاسْتِيعَابُ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِالْمَسْحِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى ظُهُورِهِمَا لَا عَلَى بُطُونِهِمَا، فَتَبَيَّنَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْمَسْحِ، إِذْ لَا مَدْخَلَ لِمَسْحِ بُطُونِهِمَا عِنْدَهُمْ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ يُدْرَكُ بِالْغَسْلِ لَا بِالْمَسْحِ. وَدَلِيلٌ آخر من وجهة الْإِجْمَاعِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ غَسَلَ قَدَمَيْهِ فَقَدْ أَدَّى الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ مَسَحَ قَدَمَيْهِ، فَالْيَقِينُ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ دُونَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَنَقَلَ الْجُمْهُورُ كَافَّةً عَنْ كَافَّةٍ عَنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ فِي وُضُوئِهِ مَرَّةً وَاثْنَتَيْنِ وَثَلَاثًا حَتَّى يُنْقِّيَهُمَا، وَحَسْبُكَ بِهَذَا حُجَّةٌ فِي الْغَسْلِ مَعَ مَا بَيَّنَّاهُ، فَقَدْ وَضَحَ وَظَهَرَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْخَفْضِ الْمَعْنِيُّ فِيهَا الْغَسْلُ لَا الْمَسْحُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَأَنَّ الْعَامِلَ فِي قَوْلِهِ" وَأَرْجُلَكُمْ" قَوْلَهُ:" فَاغْسِلُوا" وَالْعَرَبُ قَدْ تَعْطِفُ الشَّيْءَ عَلَى الشَّيْءِ بِفِعْلٍ يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا تَقُولُ: أَكَلْتُ الْخُبْزَ وَاللَّبَنَ أَيْ وَشَرِبْتُ اللَّبَنَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا

وَقَالَ آخَرُ:

وَرَأَيْتُ زَوْجَكِ فِي الْوَغَى ... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا

وَقَالَ آخَرُ:

وَأَطْفَلَتْ ... بِالْجَلْهَتَيْنِ ظِبَاؤُهَا وَنَعَامُهَا

وَقَالَ آخَرُ:

شَرَّابُ أَلْبَانٍ وَتَمْرٍ وَأَقِطٍ

التَّقْدِيرُ: عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَسَقَيْتُهَا مَاءً. وَمُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَحَامِلًا رُمْحًا. وَأَطْفَلَتْ بِالْجَلْهَتَيْنِ ظِبَاؤُهَا وَفَرَّخَتْ نَعَامُهَا، وَالنَّعَامُ لَا يَطْفُلُ إِنَّمَا يُفْرِخُ. وَأَطْفَلَتْ كان لها أطفال، والجلهتان جَنْبَتَا الْوَادِي. وَشَرَّابُ أَلْبَانٍ وَآكِلُ تَمْرٍ، فَيَكُونُ قوله:" وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ" عَطْفٌ بِالْغَسْلِ عَلَى الْمَسْحِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى وَالْمُرَادُ الْغَسْلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. . أ. هـ

قال ابن دقيق العيد: قَوْلُهُ " ثُمَّ غَسَلَ كِلْتَا رِجْلَيْهِ " صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّوَافِضِ فِي أَنَّ وَاجِبَ الرِّجْلَيْنِ: الْمَسْحُ.

وَقَدْ تَبَيَّنَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ، وَجَمَاعَةٍ وَصَفُوا وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَمِنْ أَحْسَنِ مَا جَاءَ فِيهِ: حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْبَاءِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ - إلَى أَنْ قَالَ - ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ، كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " فَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ: انْضَمَّ الْقَوْلُ إلَى الْفِعْلِ.

وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَأمُورَ بِهِ: الْغَسْلُ فِي الرِّجْلَيْنِ. (٦)


(١) (حم) ١٠١٤ , وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح.
(٢) سورة البقرة الآية: ١٨٧.
(٣) بداية المجتهد ونهاية المقتصد (دار الحديث - القاهرة-د. ط-١٤٢٥هـ- ٢٠٠٤ م) ج١ ص٢١ - ٢٣
(٤) أَيْ: كالروايتين في الخبر، يُعمل بهما إذا لم يتناقضا. ابن العربي
(٥) البجاد: الكساء المخطط، والمزمل: المدثر في الثياب.
(٦) إحكام الأحكام (عالم الكتب-د. ط-د. ت) ج١ ص٨٦