(٢) (خ) ١١٣٢ , (م) ١٣٩٧(٣) سُمِّيَ اَلْأَقْصَى لِبُعْدِهِ عَنْ الْمَسْجِدِ اَلْحَرَام فِي الْمَسَافَةِ.وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: سُمِّيَ اَلْأَقْصَى لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ وَرَاءَهُ مَسْجِد.وَقِيلَ: هُوَ أَقْصَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَسْجِدِ اَلْمَدِينَةِ , لِأَنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ مَكَّةَ , وَبَيْتُ اَلْمَقْدِسِ أَبْعَدُ مِنْهُ.وَلِبَيْتِ اَلْمَقْدِسِ عِدَّةُ أَسْمَاء , تَقْرُبُ مِنْ اَلْعِشْرِينَ , مِنْهَا: إِيلِيَاء، وَبَيْت اَلْمَقْدِسِ، وَالْقُدْسِ، وَشَلَّم، وَسَلِم، وَأُورِي سَلِم.وَفِي هَذَا اَلْحَدِيثِ فَضِيلَةُ هَذِهِ اَلْمَسَاجِدِ وَمَزِيَّتهَا عَلَى غَيْرِهَا , لِكَوْنِهَا مَسَاجِدَ اَلْأَنْبِيَاءِ، وَلِأَنَّ اَلْأَوَّلَ: قِبْلَةُ اَلنَّاسِ , وَإِلَيْهِ حَجُّهُمْ، وَالثَّانِي: كَانَ قِبْلَةَ اَلْأُمَمِ اَلسَّالِفَةِ، وَالثَّالِث: أُسِّسَ عَلَى اَلتَّقْوَى.وَاخْتُلِفَ فِي شَدِّ اَلرِّحَالِ إِلَى غَيْرِهَا , كَالذَّهَابِ إِلَى زِيَارَةِ اَلصَّالِحِينَ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا وَإِلَى اَلْمَوَاضِعِ اَلْفَاضِلَةِ لِقَصْدِ اَلتَّبَرُّك بِهَا , وَالصَّلَاة فِيهَا , فَقَالَ اَلشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّد اَلْجُوَيْنِيّ: يَحْرُمُ شَدُّ اَلرِّحَالِ إِلَى غَيْرِهَا , عَمَلًا بِظَاهِرِ هَذَا اَلْحَدِيثِ، وَأَشَارَ اَلْقَاضِي حُسَيْن إِلَى اِخْتِيَارِهِ , وَبِهِ قَالَ عِيَاضٌ وَطَائِفَة، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ اَلسُّنَنِ مِنْ إِنْكَار أَبِي بَصْرَةَ اَلْغِفَارِيِّ عَلَى أَبِي هُرَيْرَة خُرُوجَهُ إِلَى اَلطُّورِ وَقَالَ لَهُ: " لَوْ أَدْرَكْتُك قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مَا خَرَجْتَ " , وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا اَلْحَدِيثِ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى حَمْلَ اَلْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهِ، وَوَافَقَهُ أَبُو هُرَيْرَة.وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ اَلْمُرَادَ حُكْمُ اَلْمَسَاجِدِ فَقَطْ , وَأَنَّهُ لَا تُشَدُّ اَلرِّحَال إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ اَلْمَسَاجِدِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ غَيْر هَذِهِ اَلثَّلَاثَةِ؛ وَأَمَّا قَصْدُ غَيْرِ اَلْمَسَاجِدِ لِزِيَارَةِ صَالِحٍ , أَوْ قَرِيبٍ , أَوْ صَاحِبٍ , أَوْ طَلَب عِلْمٍ, أَوْ تِجَارَةٍ, أَوْ نُزْهَةٍ , فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ.قَالَ اَلسُّبْكِيّ اَلْكَبِير: لَيْسَ فِي اَلْأَرْضِ بُقْعَةٌ لَهَا فَضْلٌ لِذَاتِهَا حَتَّى تُشَدَّ اَلرِّحَاُل إِلَيْهَا غَيْرَ اَلْبِلَادِ اَلثَّلَاثَةِ، وَمُرَادِي بِالْفَضْلِ: مَا شَهِدَ اَلشَّرْعُ بِاعْتِبَارِهِ , وَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ اَلْبِلَادِ , فَلَا تُشَدُّ إِلَيْهَا لِذَاتهَا , بَلْ لِزِيَارَةٍ , أَوْ جِهَادٍ أَوْ عِلْمٍ , أَوْ نَحْو ذَلِكَ مِنْ اَلْمَنْدُوبَاتِ أَوْ اَلْمُبَاحَات، قَالَ: وَقَدْ اِلْتَبَسَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِمْ , فَزَعَمَ أَنَّ شَدَّ اَلرِّحَالِ إِلَى اَلزِّيَارَةِ لِمَنْ فِي غَيْرِ اَلثَّلَاثَةِ دَاخِلٌ فِي اَلْمَنْعِ، وَهُوَ خَطَأٌ , لِأَنَّ اَلِاسْتِثْنَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِ اَلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَمَعْنَى اَلْحَدِيثِ: لَا تُشَدُّ اَلرِّحَالِ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ اَلْمَسَاجِدِأَوْ إِلَى مَكَانٍ مِنْ اَلْأَمْكِنَةِ لِأَجْلِ ذَلِكَ اَلْمَكَانِ , إِلَّا إِلَى اَلثَّلَاثَةِ اَلْمَذْكُورَةِ، وَشَدُّ اَلرِّحَالِ إِلَى زِيَارَةٍ , أَوْ طَلَبِ عِلْمٍ لَيْسَ إِلَى اَلْمَكَانِ , بَلْ إِلَى مَنْ فِي ذَلِكَ اَلْمَكَانِ.وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ إِتْيَانَ أَحَدِ هَذِهِ اَلْمَسَاجِد لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبُوَيْطِيُّ.وَقَالَ اِبْن اَلْمُنْذِر: يَجِبُ إِلَى اَلْحَرَمَيْنِ، وَأَمَّا اَلْأَقْصَى فَلَا، وَاسْتَأنَسَ بِحَدِيثِ جَابِر " أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إِنِّي نَذَرْتُ إِنْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ اَلْمَقْدِسِ، فَقَالَ: صَلِّ هَاهُنَا ". فتح الباري (ج ٤ / ص ١٩٠)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute