للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(خ م جة) , وَعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: " تَلَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - هَذِهِ الْآيَة: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ (١) هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ (٢) فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ، ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ , وَابْتِغَاءَ تَأوِيلِهِ، وَمَا يَعْلَمُ تَأوِيلَهُ إِلَّا اللهُ (٣) وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا، وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ} قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: فَإِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) (٤) وفي رواية: (إِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ، فَهُمْ الَّذِينَ عَنَاهُمْ اللهُ , فَاحْذَرُوهُمْ ") (٥)


(١) أي: واضحة الدلالة لَا لُبس فيها ولا اشتباه.
(٢) الزَّيْغ: البعد عن الحق، والميل عن الاستقامة.
(٣) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية الكبرى (١/ ٢٨٧): التأويل يراد به ثلاث معان:
فالتأويل في اصطلاح كثير من المتأخرين هو: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح , لدليل يقترن بذلك , فلا يكون معنى اللفظ الموافق لدلالة ظاهرهِ تأويلًا على اصطلاح هؤلاء، وظنُّوا أن مراد الله بلفظ التأويل ذلك، وأن للنصوص تأويلًا مخالِفا لمدلولها , لا يعلمه إلا الله، أو يعلمه المتأولون.
ثم كثير من هؤلاء يقولون: تُجرى على ظاهرها، فظاهرها مُراد , مع قولهم: إن لها تأويلاً بهذا المعنى لا يعلمه إلا الله، وهذا تناقضٌ وقع فيه كثير من هؤلاء المنتسبين إلى السنة من أصحاب الأئمة الأربعة وغيرهم.
والمعنى الثاني: أن التأويل هو تفسير الكلام، سواء وافَقَ ظاهرَه أو لم يوافقه وهذا هو التأويل في اصطلاح جمهور المفسرين وغيرهم، وهذا التأويل يعلَمُه الراسخون في العلم
وهو موافق لوقف من وقف من السلف على قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأوِيلَهُ إِلَاّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} كما نُقِل ذلك عن ابن عباس، ومجاهد، ومحمد بن جعفر بن الزبير، ومحمد بن إسحاق، وابن قتيبة وغيرهم , وكِلا القولين حق باعتبار، كما قد بسطناه في مواضع أُخَر، ولهذا نُقِل عن ابن عباس هذا وهذا , وكلاهما حق.
والمعنى الثالث: أن التأويل هو الحقيقة التي يؤول الكلام إليها، وإن وافقت ظاهره، فتأويل ما أَخْبَرَ به في الجنة من الأكل والشرب واللباس والنكاح وقيام الساعة وغير ذلك، هو الحقائق الموجودة أنفسها، لا ما يُتصوَّر من معانيها في الأذهان، ويُعبَّر عنه باللسان، وهذا هو التأويل في لغة القرآن , كما قال تعالى عن يوسف - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: {يَا أَبَتِ هَذَا تَأوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف:١٠٠].
وقال تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَاّ تَأوِيلَهُ , يَوْمَ يَأتِي تَأوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف:٥٣]
وقال تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ , ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأوِيلاً} [النساء:٥٩] , وهذا التأويل هو الذي لا يعلمه إلا الله. أ. هـ
(٤) (خ) ٤٢٧٣ , (م) ١ - (٢٦٦٥) , (د) ٤٥٩٨
(٥) (جة) ٤٧ , (حم) ٢٤٢٥٦ , (خ) ٤٢٧٣ , (م) ١ - (٢٦٦٥) , (ت) ٢٩٩٣