للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عاقبة انتشار فاحشة الزنا في المجتمع]

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم تظهر الفاحشة في قوم قط إلا فشا فيهم من الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم).

فانتشار فاحشة الزنا من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى خراب البيوت، وسقوط الأمم، والقضاء على تاريخ الدول.

وإذا أردتم دليلاً على ذلك فاقرءوا كتاب الله، واقرءوا تاريخ الأمم حينما مالت إلى اللهو وإلى اللعب وإلى المجون والإسراف والترف، وانظروا كيف كان مصيرها؟ أخذها الله عز وجل أخذ عزيز مقتدر، يقول سبحانه وتعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل:٤٥ - ٤٧] أي: ينقصهم شيئاً فشيئاً حتى لا تبقى نعمة واحدة بأيديهم.

وفاحشة الزنا وللأسف الشديد أصبحت منتشرة في جل بلاد الإسلام، لا فرق بينها وبين البلاد الكافرة، يسر لها كل الطرق، وذلل من أجلها كل الوسائل، وفي الأخير فتحت بيوتاً للدعارة جهاراً نهاراً على مرأى ومسمع من الناس، ترعاها عيون الدول التي تنتسب إلى الإسلام وتحسب على الأمة الإسلامية، وهذا شيء يشاهده من يسيح في أرض الله الواسعة؛ وما ذلك إلا لأن الطرق كلها قد مهدت لتلك الفاحشة، ولأن الوسائل كلها قد ذللت، فأصبح ذلك الإنسان الفارغ الذي لم تربِّه أيدٍ مخلصة أمينة يبحث عن الفاحشة وعن الجريمة، فأصبح لهؤلاء المفسدين في الأرض الذين جعلوا همهم الإفساد وإتلاف الأخلاق والانغماس في الرذائل بيوت تستهلك هذه الطاقة البشرية المنحرفة.

إنها فتنة في الأرض وفساد عريض، العشق في نظر أولئك خير من الزواج، والزواج في نظر طائفة منهم تخلف، فكانت النتيجة أن انتشر الفساد في الأرض وأصبح عريضاً.

إضافة إلى أن الذين تولوا أمر المسلمين نسوا خشية الله عز وجل، وغفلوا عن الوقوف بين يديه، ففتحوا باب الرذيلة على مصراعيه لكل داخل.

لقد مهدت السبل لجريمة الزنا في كل بلدان العالم الإسلامي، من رقص وغناء، وأفلام هابطة، ولهو ولعب، ومسابح مختلطة، وتفسخ وتبرج، وصحف منحرفة، ومجلات ساقطة تبدأ من صورة الغلاف وهي تعرض جمال المرأة ومفاتنها إلى آخر صفحة من صفحاتها، كل ذلك يعتبر في الحقيقة تمهيداً للفاحشة.

والله سبحانه وتعالى يريد منا أن نسير على الجادة المستقيمة، وأمرنا أن نجتنب كل الوسائل والطرق التي توقع المرء في الفاحشة والرذيلة، من لهو ولعب محرم، وغناء وموسيقى ورقص، فكل هذه الأشياء يجب على المسلم أن يتجنبها وأن يغض بصره حتى يحصن فرجه، أما إذا أطلق المرء لبصره العنان والنظر إلى المحرمات فإنه لا محالة سيقع في الفاحشة والرذيلة، وينطلق في المحرمات بدلاً من أن يشبع رغبته فيما أباح الله عز وجل.

لقد أصبح الأمر خطيراً، والشر مستطيراً والبلاء كبيراً، ولقد وصلت الأفلام الهابطة الساقطة إلى قعر بيوت المسلمين، فصارت تبث سمومها في أوساط الشباب والفتيات، إن ما يحل في بيوت أعداء الله يحل قريباً في جل بيوت المسلمين، وإن هذه الأفلام التي تتحدث عن العشق والغرام وتحرك الشهوات الكامنة تريد أن تجعل من المجتمع الإسلامي مجتمعاً منحلاً حينما يستجيب لهذه الدواعي المنحرفة، والتي أصبحت اليوم في متناول الناس أجمعين.

فعلى الدولة والآباء والعلماء والعقلاء مسئولية هؤلاء الشباب حتى لا ينفلت الزمام، وحينئذ يعض من أهمل أصابع الندم، وهيهات أن ينفع الندم، فأنتم كلكم مسئولون بين يدي الله عز وجل عن دين الله، فاحفظوا هذه الأمانة، واحذروا أن تنتشر الفواحش، وحينما تنتشر الفواحش فإن الله عز وجل سوف يرفع يده عن هؤلاء الناس، وإن أقل ما يمكن أن يحدث أن تنتشر الأمراض التي لم تكن في أسلافنا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض الإيدز والسيلان والزهري وحتى كثير من الأمراض التي لا ترتبط بهذا النوع الجنسي كالسكر وارتفاع ضغط الدم وغير ذلك، لم يكن آباؤنا يشكون من هذه الأمراض، وبالرغم مما يقدمه الطب الحديث في هذه الأيام المعاصرة إلا أن الطب قد أظهر عجزه في علاج هذه الأوبئة وهذه الأمراض الفتاكة؛ لأن الله عز وجل قد أنزل عقوبته بهؤلاء الناس إن لم يعودوا إلى الله عز وجل، ويرجعوا إلى رشدهم وإلى صوابهم.

إن خروج المرأة من بيتها متبرجة إلى الأسواق والمحلات التجارية، واختلاطها بالرجال في القاعات الدراسية والوظائف وغيرها، يدل دلالة واضحة على أن الفتن قد عمت وطمت في هذه الأمة، فعلى العقلاء الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أن يتداركوا ذلك، وكذلك على ولاة أمور المسلمين القيام بهذا الواجب، فإن الله عز وجل امتدحهم إذا قاموا بواجبهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:٤١].

إن المعصية إذا انتشرت في الأرض، وكشفت النقاب عن نفسها، وأصبحت واضحة في وضح النهار، ثم لا تجد منكراً من هؤلاء الناس، إذا كان ذلك فإن الأمر خطير، إن إنكار المنكر واجب على كل واحد من المسلمين بقدر ما آتاه الله عز وجل من مكانة وسلطة، إما بيده إن كان مسئولاً، وإما بلسانه إن كان محتسباً ومتطوعاً، وإما بقلبه حينما يكون في مجتمع يختلف عن مجتمعنا الذي نعيش فيه، ولم نصل بعد والحمد لله في هذا البلد الطيب إلى إنكار المنكر بالقلب.

أما إذا أبى الناس إلا أن تتبرج النساء، وإلا أن تظهر مفاتنها، وإلا أن تذهب إلى الأسواق لتعرض جسدها أمام الشباب الذي يشتكي ألم العزوبة، فإن الفتنة الكبرى تكون وراء ذلك، ولذلك قدّم الله سبحانه وتعالى المرأة على الرجل في الزنا فقال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} [النور:٢]، وإن تقديم المرأة على الرجل في مثل هذه المناسبة ليدل دلالة واضحة على أن المرأة هي أكثر من يملك زمام هذه الفتنة.

فعلينا جميعاً أن نحارب كل الوسائل الداعية إلى الرذيلة، وأن نحمي بيوتنا وأسرنا من خطر الأفلام التي تحرك الغرائز، وتثير الشهوة الكامنة، وعلينا أن نيسر الزواج، فإن الزواج هو سبيل العفة والطهارة.

قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:٢]، فحينما ترون شاباً لا يستطيع أن يقوم بتكاليف الزواج ومؤنه، تعاونوا على البر والتقوى وقدموا من أموالكم ما تسدون به حاجة هؤلاء الشباب؛ لعل الله سبحانه وتعالى أن يعفهم بطريق الحلال حتى لا يقعوا في الحرام.

وعلينا كذلك تربية بناتنا وزوجاتنا وأهلينا على الحياء، فإن لكل أمة خلقاً كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن خلق هذه الأمة الحياء، وإن الله عز وجل إذا أراد أن يهلك أمة أو عبداً من خلقه نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتاً.

وعلينا أيضاً أن نربي أسرنا وبناتنا على طاعة الله، وأن نحذر مكائد الأعداء، فإنهم يريدون أن نضل السبيل {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء:٢٧]، فعلى المسلمين أن لا ينخدعوا بالدعايات المضللة التي تصل إليهم بواسطة الصحف، أو المجلات، أو الإذاعة، أو التلفاز، أو الكتاب، أو بأي وسيلة من الوسائل المقروءة أو المرئية، وكونوا على ثقة من دينكم، فإن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الخلق وهو أعلم بما يصلحهم {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤].